محسن الأكرمين.
العيد الكبير تلك التسمية الدالة عن القيمة الدينية التعبدية. هو عيد الأضحى، وموسم الحج والغفران. قد نكون مع سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام نعيش لحظات من الذكريات التي تأتينا من السرد والصور القديمة، ومن أثر النص القرآني الحكيم . و نعيش لحظات جميلة، ونحن نستحضر ماضي زمن الطفولة، وكيف كنا نستعد لصباح يوم النحر والشواء.
كان أبي (رحمه الله) يأتينا بالخروف الأقرن الأملح قبل أسبوع من العيد. كان (رحمة الله) يوصينا خيرا به، بإطعامه وسقيه بانتظام، لكن شقاوة الصغر تجعل منَّا غير ذلك، فقد نلاعب الكبش، ونصنع منه مقاتلا حربيا لكي يتناطح بقوة مع خروف العم. طيلة الأسبوع تدور مباراة التناطح بين الخرفان، ونحن نصفق لكبشنا المقداد المقاتل الصنديد، فيما كان الكبش الغريم لعمنا ينال منَّا الضحك والتنكيت على كل انهزام وفراره من ساحة ميدان التناطح.
من الذكريات، حين تصبح الألفة الوجدانية مع الكبش بالمعرفة والتقارب، حتى أنه غير ما مرة يُصبح رفيقنا دَرْبنا في اللعب والجري وصناعة الفرجة البدائية، في (العارصة) الملتصقة مع بيت جدي الكبير. وفي يوم العيد يتناول الكبش المُغرر به حتما الشعير الساخن المحمر على الطجين. كان المسكين يفرح من هذا (التغنُّج) المفرط،، ويعتبر نفسه أنه الأسعد حظا بين خرفان العالم. كانت أمنا (رحمها الله) توشح جبهته النيرة بالبياض بلمسة حناء معطرة بماء الورد، ورشة ملح خفيفة. وكان المسكين يَنتشي بأن بات بطلا بلا منازع في منزل الضيافة. لكن، في غفلة منه نسقطه قبلة، ونمسكه شدا حتى لا يتحرك أثناء الذبح. يبيت المسكين يصيح ثغاء من نفاقنا ومن تغريرنا الأبله. يوما نظر في عيني كبش شديد البياض، وهو يسألني: لقد وثقت بصداقتك، فماذا أنت فاعل بي اليوم؟ في الصغر لم ننتبه لما سيناله الكبش من ذبح الوريد، إلا أنها سنة أكيدة من شعائر الإسلام.
هرمنا واشتعل الرأس شيبا، وكبرت حتى متطلبات العيد الكبير. زادت المتممات مع التحولات القيمية الاجتماعية، حين بات العيد الكبير ممارسة اجتماعية لا علاقة له بما هو ديني وسني. كبر ثمن الكبش بالتضخم المالي، وبوجود الشناقة (الشداد الغلاظ) والمضاربين في المتاجرة بعرق جبين المواطنين. كبر عيد الأضحى مع الإقطاعيين و(الكسابة) أصحاب (الشكارة)، والذين يتحكمون في العرض والطلب. كبرنا سنا مع أسطوانة غلاء العلف وشح المورد المائي، ومع الحرب الروسية الأوكرانية، واستيراد الأغنام من بلاد الغرب المسيحي للقيام بسنة إسلامية.
العيد الكبير ضمن التحولات الاجتماعية، بات يمارس على الشعب المقهور (المحكور) الضغط النفسي والأزمة الاجتماعية، وإخلاء الجيوب ممَّا تبقى من مَالِ همِّ الحياة. بات العيد الكبير يماثل ذاك الغول الذي يلتهم أرزاق المواطنين بطواعية وكرم حاتمي، لا لشيء غير التباهي بالذبيحة المليحة (وَبَسْ) !! بات العيد سنة بعد سنة، يُفرغ من قيمته الدينية المعيارية، ويخلق زوايا الفتنة الحادة في سوق (نخاسة الخرفان) وفي متممات متطلبات العيد.
لنعد إلى الكبش أيام الطفولة الفضلى، فبعد السلخ وهو معلق بحبل ممتد من شجرة الزيتون وسط منزل جدي (رحمه الله)، يصبح بعدها عُرضَة لنَّا بالجمع، والكل يحمل سكينا لأجل نيل قطعة شواء بالسبق. يٌصبح المسكين مع خبر كان المنصوب على (نَافَخْ) الفحم الملتهب. من فرحتنا بعمليات الذبح والدم والسلخ و(تَهْرَاسْ) الرأس و(تَشْوِيطِهِ)، ننسى بأنه لعب معنا وصنعنا منه مقاتلا محاربا في التناطح والأبهة. نتناسى أنه بحق قد أمننا وعند رؤيته لسكين الذبح أقر ألا ثقة في بشر يُذَّللك بالطعام والراحة لأيام معدودات، ألا ثقة في نية الإنسان المبيتة بالتخطيط ، وتحضير كل الوسائل المتكاملة لذبيحة يوم العيد.
عن موقع: فاس نيوز