ـ مَنْ أكون :
أنا نور الدين قبة متزوج وأب لطفلين، حاصل على الإجازة تخصص تاريخ وحضارة، مع شهادة تدريب من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وشهادة تدريب في التحقيق الصحفي، شاعر ومهتم بالتراث.
ـ الطفولة ومجموعة “المشاهب” :
الفترة الأولى من حياتي وطفولتي قضيتها في درب السلطان، وبعد ذلك انتقلت إلى الحي المحمدي؛ هذا الحي المعروف تاريخيا برمز المقاومة، كما أنني وجدت فيه ضالتي، حيت تشبعت بفن الحلقة، وشربت من ماء “عوينة شامة” واحتككت بعدة جمعيات وفعاليات جمعوية. فالحي المحمدي الزاخر بعطاءاته وبفضاءاته من “حلقة” الحكايات الشعبية، وأغاني الفن الشعبي من العيطة وغيرها، فلا بد أن ينعكس هذا الواقع في كتاباتي الشعرية، ومن تمة كتبت قصيدة “طفولة مشاكسة”..فهو جزء من حياتي تعلمت فيه الكثير وأصبح يسكنني وأسكنه، فهو فضاء محفز لكتاباتي. كما أنه فتح عيني على واقع آخر؛ فهو معقل الغيوان، والمشاهب الذين تسكنني أغانيهم إلى درجة أني كتبت قصيدة بعنوان “مشاهبي أنا” في ديواني “تقاسيم على الجسد” ، وقصتي مع مجموعة “لمشاهب” بدأت منذ السبعينيات، فأنا عاشق لهذه المجموعة، وكنت أحفظ أغانيها عن ظهر قلب؛ فمرحلة السبعينيات عرفت ظاهرة المجموعات، هذا المد الجماهري وجدت نفسي ضمنه وتأثرت به وأثر في، من هنا جاء عشقي للمشاهب ولا زال إلى اليوم؛ فمجموعة لمشاهب لها خصوصية تتجلى في نوع عناصرها وكذلك الآلات المستعملة كمندولين وبحة المرحوم السوسدي ولا ننسى العنصر النسوي المتمثل في سعيدة وطبيعة الأغاني:(حب الرمان، لخويل، داويني، حمودة) ولكن هدا لا ينقص من باقي المجموعات الأخرى.
ـ أنا والفضاءات :
هناك مجموعة من الفضاءات تجرني إلى حنين الطفولة وتعيد تشكلها بداخلي، فأنا قضيت جزءا من طفولتي بحديقة اسمها “لارميطاج”؛ وهذا الفضاء ساهم في بلورة مخيلتي الإبداعية، فكلما زرته أو خُيّل لي مكان شبيه به إلا وثارت ثائرة طفولتي إلى الواجهة، وأحس أني سجين هذه الطفولة.
ـ طفولتي والكتابة :
طفولة كل واحد منا جزء من حياته وهي الفترة التي تبقى راسخة في الأذهان بكل تجلياتها، وقصيدة طفولة مشاكسة؛ هي ذلك الجزء الذي حاولت كتابته إبداعا حول تجولي بين دروب الحلقة و”لافار”، واستمتاعي برواد الحلقة من قاصين ومغنين مثل “اخليفة”، هدا لا يمنعني من إعادة الكتابة عن جزء من حياتي كلما توفرت الحالة الإبداعية.
ـ أنا والتاريخ :
الكتابة هوس يسكنني منذ الطفولة، فأنا بالشعر أحيا، وبه وله أعيش. وبحكم تخصصي “التاريخ” ومهتم بالتراث كان لا بد أن أستمد بعضا من كتاباتي من عبق التاريخ المنسي على رفوف الذاكرة، وأضيف جزءا من التاريخ في الكتابة الشعرية لأتنسم عبق التاريخ في القصيدة الشعرية، وألج فضاء الأسطورة، فأحاول أن أكتب التاريخ شعرا، وأسعى إلى المزج بين ما هو تاريخي، وما هو شعري ليعطينا في الأخير تقاسيم تعزف على وتر الجسد المشبع بما هو تاريخي وذاتي.
ـ واقع الثقافة في المغرب :
الساحة الثقافية الوطنية ـ المغربية ــ بين مد وجزر؛ هناك بعض من الإرهاصات تلوح في الأفق، وتؤثث لفضاء أرحب ثقافيا .. كما أنها غنية بطاقات شابة وتعرف تنوع الروافد، وتنهل من كل الاتجاهات الفكرية وهذا التنوع أعطاها زخما فتعددت تجلياتها؛ مما انعكس على المنتوج الثقافي الذي بدأ يعرف نوعا من النضج، ولكن يبقى السؤال المطروح؛ إلى أي حد يجد هذا المنتوج الثقافي الرعاية والاحتضان؟ فلا تنمية حقيقية بدون ثقافة هادفة.
وعلى مستوى الإنتاج؛ هناك منتوج ثقافي مهم ولكن لا يجد من يسوقه، ويبقى حبيس الرفوف. فالثقافة قاطرة التنمية، فلا تنمية بدون ثقافة ..
وأنا أوقع ديواني “تقاسيم على الجسد” بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء؛ انتابني شعور مزدوج يمزج بين الفرحة بإخراج مولودي الأول إلى الوجود، وبين الحزن على واقع الشاعر الذي يضطر إلى الاقتراض لطبع ديوانه..
ـ القراءة في الدول العربية :
واقع القراءة في الدول العربية ضعيف، فليس هناك ثقافة القراءة، فنسبة المقروئية ضعيفة، فمجمل الدراسات التي تناولت واقع المقروئية في الدول العربية أجمعت على محدوديتها ولو بنسب متفاوتة إلى حد ما، فمن لا يقرأ لا يكتب، فالكتابة تبدأ بالقراءة، وهي غذاء للروح تفتح الأفق الفكري، وتوسع الخيال، وتهذب الروح، كما أن الكتاب صديق حميم ومؤنس في الوحدة. ففي بعض الدول الأجنبية تنتشر القراءة بشكل كبير حتى في القطار والحافلات وفي الأماكن العمومية؛ هناك ثقافة القراءة، وأتمنى أن تصبح أمة اقرأ تقرأ.
ـ استراتيجية التغيير الثقافي :
إن استراتيجية التغيير الثقافي تتغير بتغير المناخ العام، فالثقافة باعتبارها رافد من روافد التغيير الشمولي تتطلب الانفتاح على كل المكونات الثقافية، والابتعاد عن أسلوب الإقصاء والتهميش والاعتراف بالآخر، في ظل الحد الأدنى والإيمان بالاختلاف. فالثقافة جزء من التنمية وبالتالي يجب طرح تقافة الثقافة بحوار شمولي، يجمع الجميع للوقوف على الاختلالات ورسم استراتيجية تؤمن بأن المجتمع بدون تقافة لا مستقبل له، مع الانفتاح على كل المكونات الثقافية وتعددها اللغوي والفكري.
ـ هاجس الكتابة :
الكتابة الإبداعية كانت ولا زالت ذلك الهاجس الذي يسكنني وأسكنه؛ كتبت في صمت وكتبت للحب والسلام والتسامح قصيدة “كن ضمير العالم”. فالشعر هو ذاك الإحساس الصادق الذي يؤدي رسالة نبيلة، التي يعجز السياسي والدبلوماسي عن إيصالها. وكتبت أيضا لفلسطين رمز السلم، كتبت بكل روحي لكل مكلوم فَقَدَ عزيزاً عليه، ولكل من ودّعونا قبل الأوان، كتبت وأنا عاشق الروح.. فالرسالة الإبداعية تعطي إشارات صادمة وتنفذ إلى عمق الأعماق. من هذا المنطلق تبنيت هذه الرسالة وآمنت بها لنبلها.
ـ مدينتي “الدار البيضاء” :
الدار البيضاء أصبحت غولا، سميتها بالمدينة المشاكسة. أنا أحن إلى ذاكرة الدار البيضاء لأشم عبق التاريخ بحي “الأحباس”، وأخترق الأزمنة بالمدينة القديمة بكل مكوناتها ومعاليمها التراثية. أنا أقرأ في مدينتي سؤال اللحظة؛ لحظة الهدوء التي افتقدناها لما انتشرت العمارات والمباني، ولم تبق “البيضاء” تلك بعذريتها وعفويتها. أنا أحن إلى بيضاء الماضي..
ـ نور الدين الطفل والمحيط :
النظرة إلى المحيط تختلف باختلاف الزمان، إن نظرتي للمحيط وأنا طفل كان يحكمها الحلم والعفوية والمشاكسة، وبعد ذلك بدأت تتبلور الإرهاصات الأولية للكتابة؛ فقد كنت أكتب شذرات وأزين بها جدران غرفتي، ثم انتقلت إلى كتابة الزجل في فترة المجموعات الغنائية. فهاجس الكتابة كان حاضرا وبشكله العفوي، إذن هوس الشاعر كان يقيم فيَ منذ طفولتي، ولكن كنت أكتب في صمت ولا أشارك محاولاتي إلا للمقربين.
ـ بين المسرح والشعر :
فيما يخص المسرح فقد اشتغلت عليه لفترة قصيرة، ولكن غلب الشعر المسرح فيَ لأتيه في دروب القصيدة وبين أدغال الحرف الموجع.
ـ لحظة الكتابة :
الإحساس بالقصيدة ينتابك من أول وهلة وخاصة لما تنتابك الحالة الإبداعية أي هوس الكتابة، ولكن هذا الإحساس يكبر ويتنامى خلال انتهائك من الكتابة لأنك تحس أنك أنجزت عملا بكل تفاصيله وأنهيته. الإحساس بالانتصار على الذات المبدعة وتطويعها من أجل إخراج المسكوت عنه فيها يعد متعة ولذة؛ هو انتصار للإبداع..
ـ الحالة الإبداعية :
الحالة الإبداعة أو ما يسمى بهوس الكتابة لا يترك لنا لحظة الاختيار؛ فأحيانا تكتب وأنت في قمة سعادتك، وأحيانا أخرى تكتب وأنت مغمى عليك من شدة الحزن. فالحالة الإبداعية نوبة تجتاح الكاتب ربما في منتصف الليل ليفرغ تلك الشحنة، ولكن هناك من يحب الكتابة وهو في قمة النشوة ليضفي على القصيدة ذلك التوهج، ولكن يبقى لبعض المواقف الحزينة وقعها… أنا كتبت قصيدة “أبدا لن تموت” وأنا في قمة حزني على وفاة أخي عبد الرحيم رحمه الله، إذن الحالة تفرض نفسها علينا..
ـ قراءاتي :
الشعر تعلمته في دروب الحياة، ودخلت عالم الشعر من خلال قراءتي للشعر الجاهلي والشعر القديم عموما، ثم تدرجت في ذلك إلى قراءة الشعر الحديث مثل محمود درويش ونزار قباني… فأصبح الشعر هو متنفسي الوحيد، والكتابة هي غذاء الروح الذي يلازمني كظلي. وأنا أقرأ للجميع وليس هناك شاعر كبير وآخر صغير..
ـ طموحاتي :
ما زلت في الحياة فما تزال الطموحات تكبر يوما عن يوم، ممكن أكون حققت منها جزءا، ولكن الإنسان بطبعه تواق إلى الأفضل، ويسعى إلى المزيد ..
ـ هواياتي :
أنا عاشق للبحر، أخلق ألفة معه، وهو هوايتي وهويتي، كلما سنحت الفرصة أسرق من الزمن لحظة بحثا عن انصهار في عالم البحر، وقد كتبت عنه وأنوي الكتابة عنه مرة أخرة مستقبلا..
ـ بين الشاعر والموظف :
الواجب المهني لا بد منه، ولكن تبقى تلك الروح الشاعرية لاصقة بي أينما حللت، هي التي تعطيني نبل التعامل، وتؤطر تعاملي مع الآخر، وبالتالي يتداخل فيَ الموظف والشاعر لأصبح شخصية أخرى تزاوج بين الواجب ونبل الشاعر.
ـ الشعر المغربي وقصيدة النثر :
الإبداع المغربي له خصوصيته وله ميزته؛ بدليل حصده لمجموعة من الجوائز على المستوى الدولي. وما دام هناك إبداع يتموقع داخل الحقل الأدبي ويجد له قارءا يملك آلية التدقيق والتقييم تبقى حالة الشعر بالمغرب في صحة جيدة ولكن هذا لا يمنع من التطوير والمتابعة والنقد البناء في أفق رسم معالم رؤية شاملة وشمولية لحالة الشعر بالمغرب.. ولكل من اتخذ من الشعر هوية لا بد ان يغرف من أمهات الشعر القديم والحديث وعلى محددات وقواعد الشعر في تعدديتها وأن يحسن فن الإنصات والابتعاد عن الغرور.
فالشعر قبل أن يكون قوافٍ وتفعلات فهو إحساس صادق لا يحب القيود ولا يعترف بالترسيمات التي تكبل أي عمل إبداعي، وتدخله في دائرة ضيقة، بدعوى الحفاظ على طهارة القصيدة من أي جديد يمس بقدسيتها..
ـ اتحاد كتاب المغرب وتسيير الشأن الثقافي :
علاقتي باتحاد كتاب المغرب جيدة ولكن لست بعدُ عضوا فيه، ومؤخرا حضرت إحدى أنشطة فرع الدارالبيضاء وقرأت نصين من ديواني “تقاسيم على الجسد”.. أما فيما يتعلق بتسيير الشأن الثقافي بالمغرب أظن أننا ما زلنا في مفترق الطرق، صحيح أن هناك مجهودات تُبذَل ولكن نحتاج إلى رسم سياسة ثقافية واضحة المعالم، وكذا ربط الثقافة بالتنمية، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وسن تسيير ثقافي يفي حاجيات النخبة المتقفة، ونشر الثقافة للجميع، وعقلنة التسيير بطرق وأساليب علمية وعملية..
ـ الشعر بين المغرب والمشرق :
الشعر يبقى شعرا سواء في المغرب أو في المشرق، مع بعض الخصوصيات المميزة لكل بلد على حدة، ولكن تبقى قواسم مشتركة تجمع بينهما وهي الروح الإبداعية، والمتعة الأدبية، وعلاقة التجربة بالإبداع رغم اختلاف المدارس النقدية…أما فيما يخص التيمة الطاغية في الانتاج الأدبي المغربي في اعتقادي أنها لن تخرج عن التيمات الثلاث: الذات والوطن وماهو إنساني.. ومرحبا بأي تجربة ومشروع يؤسس لفكر إبداعي متميز..
ـ رسالة الشعر :
الشعر كجنس أدبي وكلغة تعبيرية متميزة لا يمكن أن يخرج عن أساليب التعبير الأخرى.. فالشعر له رسالة نبيلة، تحمل في طياتها كل قيم التسامح والتغيير. فالشاعر يمكن أن يوصل رسالته أفضل من السياسي أو الدبلوماسي، ويساهم بحرفه الحارق في التغيير، ولنا في بعض التجارب العالمية أحسن النمادج، وكذا في الشعر القديم نجد عدة شعراء أخذوا المشعل. من هنا يمكن القول أن للشاعر دور مهم في مجتمعه، وذلك لنبل رسالته ودوره في الدفاع عن المثقف والإنسان عموما..
فالشعر هو ذلك الإحساس الصادق الذي ينبع من القلب، ويؤدي رسالة نبيلة بعيدا عن التنميق والبهرجة. فهو حالة إبداعية راقية يسمو فيها مكنون الذات الشاعرة إلى نبل وصفاء الروح.. هذا هو الشعر وما دون ذلك يبقى كلاما في كلام..
ـ الكتاب والتكنولوجيا :
الثورية التكنلوجية واقع لا بد منه، ولكن لا شيء يعوض حميمية الكتاب؛ فالكتاب مؤنس في الوحدة ولا يضع بينك وبينه حاجزا، فرغم تنامي دور التكنولوجيا يبقى الكتاب ذلك الفرس الذي لا يعرف كبوة.
ـ الحلم العربي :
الحلم العربي هو ذلك الحنين إلى تلك اللمة التي تكسر حدودا وهمية في عقول العالم العربي، لسد فراغات وترميم ذاكرة قد يطويها النسيان، هو تكسير النظرة الضيقة إلى رؤية العالم، وهذا ما نتمنى تجاوزه لخلق فضاء عربي متميز.. البلدان العربية مطلوبة لفترة تأمل وتأنٍّ في معالجة الأمر بحكمة وتبصر، وبالحوار والقبول بالآخر ليكون المستقبل غدا جميلا.
لا أخفيكم سرا فإني أشتغل على قصيدة تتكلم عن الحلم العربي؛ هذه بعض من أبياتها: تجاذب الحلم العربي والأمل
فكانت الشهقة الأولى
هو الحلم ينسل من بين النسائم
جميل تجاذبك يا عربي..
وأملي أن أكملها، فالهم العربي حاضر وبقوة..
ـ الربيع العربي :
الربيع العربي لم تزهر وريقته بعد، يحتاج إلى نقاش هادئ ومسؤول وحوار لا إقصاء فيه لأي أحد، نقاش عميق يجيب على تطلعات الجميع، ويضع تصورا شاملا وشموليا، ورؤية واضحة ضمن تصور واضح، يجيب على استفهامات الحلم العربي. وأكيد أن رياح هذا الربيع ستهب على باقي الدول العربية ولو بنسب متفاوتة.
عن موقع: فاس نيوز