الثقافة بمكناس إلى أين؟
محسن الأكرمين.
تُخْتَزَلُ الثقافة بمكناس بنوع من أنشطة فئة المريدين والأتباع والمصفقين بالعادة. تُخْتَزَلُ في توقيع منشور أو كتاب أو قراءات شعرية. تُكَرِسُ الثقافة بمكناس منطوق التكريمات من النوع الورقي السميك، مَرَّة أَنْتَ من مكرمي منصة الخطابة، ومرة أُخرى يصبح المتلقي القديم خطيب المنصة، وبختم صور للتكريم.
هي ثقافة (أّمُولاَ نُوبَة) بمكناس. ثقافة تتحرك فقط بمعيار الائتلافات والفصائل، ولما لا حتى تكتل نيل حصص الدعم والمحاباة. ثقافة حبيسة بقاعة باردة من (ولي الله) بالقبة الخضراء، وتستنسخ البرنامج السنوي بتغيير التواريخ والألقاب والصفات والمهمات. في مكناس الفريد من نوعه بامتياز سؤال: من قتل الثقافة؟ حين الجواب تختلط الثقافة بالموسيقى وبالدقة العيساوية وبالرقص الحضري… تختلط بمعايير التنقيط والتصنيف والمصاحبة والولاء، ولما لا حتى التبضيع والاستغلال بتلميع الصورة. هي الثقافة (الوسائطية) وسنة بعد سنة ينال الإنهاك من ثقافة مدينة مُبْتكرة عن بعد، ويسأم الجميع من تلك الموائد الثقافية الرخوة.
الفراغات في الحقل الثقافي بالمدينة تزيد بياضا، وكانت سببا مِعْوليا في نسف البناء الثقافي النظيف، والذي كان يشهد له الجميع بالقيمة التفاعلية مع قضايا الوطن والمدينة والمجتمع. الفراغ الإبداعي أنشأ شبكة من متحكمي الفعل الثقافي باستنساخ الوجوه والأنشطة المتراكمة بلا أثر مندمج. الفراغ زكى علماء فقه الثقافة واللغة بالتفرد بالمدينة، وباتوا من منظري زمن عطايا الدعم (المنح)، وفي وجود المثقف النفعي.
قد تكون أزمة مكناس تنموية في غياب المثقف الجذري والمفكر المبدع.هنا غير ما مرة نبهنا بالفضل لا بالتشديد في غياب رؤية واضحة لمديرية الثقافة بمكناس، حول الفعل الثقافي بالمدينة .فالمثقف (الطبقات الشعبية) ضربت عليه العنكبوت بنسجها، وبات يلازم ندوات تسويغ التدجين، وقد يفرح بتكريم ورقي، ويتناول الشاي وقوفا، ويوزع الابتسامات المطيعة، ويأخذ صور تحط مباشرة في المواقع الاجتماعية.
المثقف بمكناس ولن أعمم القول، أصبح من مستهلكي الحفلات والمهرجانات ذات الفائدة الربحية، أو ينتج مهرجانا لتوظيف الفرصة الثانية. المثقف تخلى عن الوعي الرزين، وقد يبيت يمارس (الهذرة) في الندوات الرخوة التي لا أثر لها، أولا على الفعل الثقافي والثقافة، ولا على مستوى إنشاء الوعي الحضاري بالمدينة.
أقول ولن أسحب القول: مدينة مكناس مدينة الفراغات الثقافية، مدينة الفعل الثقافي الرخو، مدينة الأنشطة الموازية ونسميها حتما الفعل الثقافي. لن نكذب، فالمدينة لا تحمل مشروعا ثقافيا مهيكلا بمراحل ووقفات رمزية ، وبدراسة الجدوى. المدينة تخبط خبط عشواء في المنصات الثقافية، وتخطط للفعل الثقافي وفق العوائد النفعية منذ البدء. نعم، مكناس تنتج الثقافة اللاوعي، تنتج ثقافة الاحتفاليات والمواسم، وتغيب ثقافة القيم والعلم والوجود الإنساني التفاعلي مع المحيط والعالم، من تم لن أسمي مكناس حتما بمدينة الثقافة !!
حين نتكلم عن المثقف، لا نتكلم عن المبدع/المفكر الذي يمتلك التجديد لا الاجترار والدوران في حلقة مسدودة داخل القبة الخضراء. فالمدينة تحتاج إلى بنيات تحتية توزع الفعل الثقافي التجديدي بالعدالة على مجموع الأحياء القصية. تحتاج إلى مجلس ثقافي (يخلو من المحاباة). مجلس يدرس الحاجيات الثقافية بالمدينة بالتنوع، ومن جهة الالتقائية مع رؤية الدولة في أدوار الفعل والفاعل الثقافي المكون للإنسان (المندمج مع قضايا الوطن والوسط الاجتماعي والتنمية). مدينة تحتاج إلى مبدعين لا لمستهلكي ثقافة الفرصة الثانية، ومُتصيدي الريع (حلال/ الدعم/المنح). مدينة تُنتج الفعل الثقافي النظيف، وتتخلص من مهرجانات (الفرصة الثانية). مدينة تنفتح على مواطنيها بالتأكيد الثقافي البنائي. مدينة تستنشق الثقافة الوجودية والكونية، لا الثقافة النفعية واستغلال الجفاف في الوجوه الثقافية.
عن موقع: فاس نيوز