بقلم: محسن الأكرمين
بين الأمس واليوم تغيرت ملامح فندق النجارين الكلية، وبات تحفة معمارية تراثية أنيقة. هو مكسب باكورة فضلى لأثر عمليات تثمين المدينة العتيقة بمكناس، ومنتوج أولي يوازي وبالأفضلية النوعية ما تم تثمينه بمدن مثيلة.
فندق النجارين لن ندخل في مرجعيته التاريخية، ولا في استخداماته الماضية، ولكن اليوم سنتحدث عنه كمعلمة تم إحياؤها في انتظار موجهات إعادة بناء تصورات التوظيف. فندق النجارين من الفنادق المتنوعة بمدينة مكناس بالغاية والاختصاص. وهو من النطاقات التراثية العمرانية ذات القيمة التاريخية بمكناس، ويحمل متنوعا دالا برمزية الهندسة.
اليوم وفي ظل عمليات التثمين الأولى، وتأهيل المدينة العتيقة بمكناس، بات فندق النجارين يحمل قيمة جمالية تُعَبّر عن القدرات المعمارية والفنية في التاريخ الممتد بالمدينة. بات يشكل مرجعية ثقافية وفنية يَشتم فيه الزائر والدارس والمتتبع حياة المجتمع وعاداته بمدينة مكناس وأحوازها. ويقف الزائر والسائح به على هوية بصمة الصانع المكناسي في نمط زخرفة مكوناته العمرانية أولا. وبات الماضي من داخله حاضرا يجيء ويستقبل العين والوصف بالمشاهدة الجمالية، و كذلك يحرك التفكير لتوثيق الصلة بين الماضي والحاضر.
فندق النجارين أصبح قيمة متوافدة من ميراث المقتنيات غير المادية بمكناس، و يمثل قيمة وظيفية (ثانية) على متسع المدينة والجهة والوطن والعالم، حيث كان كل من وفد المدينة زائرا أو متاجرا إلا وقد يقصده لأجل المبيت والحفاظ على متاعه وبهائمه. وكان داخله يشكل بيئة اجتماعية (استدارة الفندق بالتقابيلة مع الانفتاح العلوي)، وهي القيمة النوعية الانسانية التي كانت تحكم منافذه والمعاملات التي كانت تنسج بداخله.
اليوم، ونحن في نهاية الأشغال الكبرى والتزيين بفندق النجارين، فالمدينة باتت تتطلع إلى أفق ومنظور إعادة التوظيف، وتسويق جمالية الفندق محليا ووطنيا وسياحيا، لأن فندق النجارين قد نصنفه من مناطق التراث العمراني غير المادية، باعتبار قيمته المبنى أولا، وتموقع المبنى داخل المدينة العتيقة، وفي مركزية المسار السياحي الرئيسي، والموقع التجاري الحيوي ثانيا.
لذا فالبحث عن أولويات إعادة التوظيف تتطلب من الجميع رؤية بعيدة عن التوظيف (الفولكلوري). تتطلب البحث عن اتجاهات التعامل مع إعادة توظيف فندق النجارين بدون تسرع ولا استعجال. تبحث عن القطع مع ممارسة تقديمه في طبق من ذهب (الريع حلال) لمن لا يحسن توظيفه الثاني!!! تتطلب من الجميع التفكير وفق المقاربة التشاركية، بروية في تحديد أفضل طريقة للحفاظ عليه أولا كما هو الآن (متكامل البنية التحية المادية والجمالية)، واعتماد القيمة الاقتصادية التي كان يمثلها (كمركز إقامة اجتماعي) لاستخراج تلك الطاقة الماضية منه، والتي تكمن في استحضار الزمن الماضي أولا، وبيان قيمة وحقيقة بقائها حتى وصلت إلينا بإعادة التوظيف الأمثل ثانيا.
هو فندق النجارين الذي يمثل التراث الأصيل بمدينة مكناس، وبدون تبعية أو لواحق عالقة. هو التاريخ العميق في جذور المدينة العتيقة بمكناس. هو الحاضر ضمن رؤية النموذج التنموي بالمدينة عبر تساؤلات أفق استفادة مكناس من أثر معالم تراثها العمراني.
فالرؤية الأمثل بالصحة، حين نقدر على تحقيق هدفين رئيسيين في إعادة التوظيف والتشغيل والتسويق، وتتجلى أولا في ضمان الإبقاء على الاستمرارية الثقافية والاجتماعية لفندق النجارين. والثانية في الاستمرارية المادية، باعتباره اليوم من المرافق ذات الاستقطاب الاقتصادي والسياحي، فيما يهم الأنشطة الاجتماعية التضامنية المدرة للدخل.
عن موقع: فاس نيوز