فاطمة فتاة يافعة ذات الأربعة عشرا ربيعا وجه شاحب، ثغر مبتسم تعلوه زرقة خفية، نظرة بريئة غائرة تخفي كما من المعاناة و الألم، ولجت بالكاد أبواب المركز الصحي القروي بخطى متثائبة مترددة فهي.
لم تتعود زيارته على الرغم من فترات عانت فيها الصغيرة من نوبات حمى متكررة الأم المفاصل و الأطراف فكل ذلك لا يعدو كونه أمرا عاديا سيمر مع الوقت بتناول بعض الأعشاب المتواجدة هنا و هناك، لكن في الأشهر الأخيرة استمر الأرهاق أعقبه هزال و شحوب و شعور بالغثيان في كثير من الأوقات، بل حتى الأنفاس باتت فاطمتنا تلتقطها بصعوبة بالغة و ماكان عاديا بالأمس من حركة و حيوية و لعب و ركض أصبح اليوم بالغ الصعوبة بل مستحيلا.
في قاعة الفحص و بعد أسئلة دقيقة من طرف الطبيب والتي كانت نظرته متبصرة تنطوي على أن الأمر وصل إلى درجة الخطورة فقد خلص الأخير إلى أن الصغيرة عانت مرات و مرات من أعراض التهابات و تعفنات لم تكن تعيرها الأسرة أدنى اهتمام فمثلها يعاني منها الأطفال العدد الكثير، و الأكثر من ذلك أن هاته الإلتهابات عاودت الظهور بدرجة أكثر حدة من حمى والآم مفاصل و صعوبة في التنفس و بثور جلدية لم تجد لها الأم المسكينة تفسيرا ولا سبيلا للاستشارة الطبية فالمركز الصحي يبعد بمسافة كبيرة عن سكنها القروي النائي، لتمر الأيام قاسية مريرة و لا تجد الأسرة مناصا من قطع المسافة الطويلة، فحالة الطفلة لم تعد تحتمل الإنتظار، استرسل الطبيب في البحث عن مكامن الخلل في جسم فاطمة المنهك النحيل ليخلص أن وظائف القلب في تدهور و أن إيقاعات النبض غير مستقرة مما أثر على التنفس و أصاب الجسم بالشحوب و الهزال وذلك نتيجة اصابة الصغيرة بالتهابات و تعفنات بنوع من الجراثيم لم تجد لعلاجه سبيلا رغم بساطته ليتطور الى حمى روماتزمية عجلت باصابة القلب بقصور و تدهور كبيرين.
و لاشك أن حالة فاطمة ماهي إلا واحدة من الآف الحالات من الأطفال عانوا في طفولتهم من تعفنات لم تنل حظها من العلاج رغم يسره و بساطته، وما إعلان منظمة الصحة العالمية عن أرقام مهولة لمضاعفات وأمراض القلب الخطيرة ناتجة عن إهمال علاج هاته الحالات إلا تأكيد على ذلك ،لايخفى على أحد الجهود المبذولة من طرف القيمين على الشأن الصحي في هذا المجال، لكن الحاجة لازالت ملحة لتكثيف الجهود و مواصلة حملات التوعية و التحسيس لرفع درجة الوعي بضرورة تشخيص مبكر و علاج ناجع للالتهابات و التعفنات دونما تأخر تفاديا للمضاعفات الخطيرة الناجمة عن التهاون و الاهمال و التي تكلفنا الكثير وتساهم في تناسل حالات كثيرة تشبه حالة فاطمة.
دكتورة شفيقة غزوي
مسؤولة وحدة التواصل و الاعلام
المديرية الجهوية للصحة و الحماية الاجتماعية
جهة فاس مكناس