محسن الأكرمين
لم تعد معالم الجامع الأبيض الخارجية (الجديدة) تذكّر ساكنة حي الزيتون بأنه مسجد يحمل الرمزية التاريخية، و به كانت حلقات الذكر، وخطب الجمعة والصلوات الخمس تقام قديما. تلك التغييرات الحديثة التي أخفت قبة الجامع المسننة، وصومعته ذات الحمولة التاريخية بشرفتها الخشبية. وبات الجامع الأبيض مطموس المعالم بمظهره الخارجي الذي لا يمت بتاتا في هيئته الزخرفية إلى حمولته التاريخية، ولا إلى الهندسة العمرانية التاريخية للمساجد بمكناس.
لم يكن الجامع الأبيض (قديما) يحمل تلك الزخارف الترفية التنميقية، لم يكن بالتميز مقارنة مع جوامع المدينة العتيقة، أو مسجد الروى القريب منه، وإنما كان جامعا بسيطا، به قبة الصلاة الخاصة بالرجال، وتلك الثريا ذات الحجم الكبير، والبعد التاريخي !!! وفي الخلفية (جهة الغرب) كان يضم مرافق النظافة بأبواب مفتوحة على درب (المرحوم حمادي)، وغرفة الإمام والصومعة، ومسيد لتحفيظ الصغار القران الكريم.
اليوم، في ظل التغييرات الحديثة (المقحمة)، لم تعد ملامحه بنيته العمرانية توحي بأن الجامع الأبيض له تاريخ (قبيلة) بحي الزيتون العريق. تغييرات احتوت معالمه الخارجية والكلية، وأغلقت حتى رؤية صومعته القديمة، وحتى القبة لم تعد تبدو للعيان من الخارج. تغييرات لا ننتقد من قام بها، لا ننتقد أحدا بعينه، ولكنا نقول: بأنها قد أخلت بعمق عمليات تثمين الموروث العمراني التاريخي بمكناس عموما، وتتحمل مندوبية الأوقاف كافة المسؤوليات التاريخية عند تفويضها لتلك التغييرات غير السوية، وغير المواكبة لتثمين المدينة العتيقة كبرنامج ملكي بامتياز. تغييرات لا تتلاءم البتة مع المجال، ومع المكون التاريخي للجامع.
كانت تسميته الجامع الأبيض (الموروث الشفهي)، وسيظل الجميع يسميه بالجامع الأبيض، وليس بجامع البيضاء. هو من بين المعالم التاريخية عند ساكنة حي الزيتون (القبيلة) بارتجاع تاريخ الأسر والبنايات الدينية القديمة، مثل مسجد سيدي امبارك، والزاوية (بالسويقة القديمة)، والمسجد الذي اندثرت معالمه بالقرب من فران (ولاد الزاهية)، ومدفن سيدي علي بن طاهر الذي جرفته جرافات تجزئة عرصة التازي. هو التاريخ الديني والعمراني بحي الزيتون، الحي الأميري، الذي تم التلاعب في ملامح العمرانية التاريخية ليس بسوء نية السبق حتما، ولكن…
لنعد إلى مداخل الجامع الأبيض، والتاريخ الشفهي اللامادي المنقول إلينا بالسمع والتواتر والمشاهدة، ونتذكر الصوت الجوهري لمنبر الجمعة، والمرحوم ابن الطايع (الابن). لنعد إلى محرابه ونصغي السمع التذكاري للفقيه المرحوم ابن الخطيب والصوت الرخيم في الصلوات الخمسة. لنتذكر صوت الآذان، حينها نستحضر المأمون المرحوم العاكف وغيره. لنعد إلى حلقات الذكر ونستحضر (الجد) ابن الطايع، ودروس الفقه المقاصدي. وكذا المرحوم الحاج التهامي منيب في حلقات الدعوة المعتدلة، والأستاذ سي الحسني أطال الله في عمره (معلم الأجيال) بمدرسة الجبابرة.
لنعد إلى مداخل الجامع الأبيض وكل الوجوه التي ألفت الصلاة فيه حاضرا وماضيا، والعناية الفضلى التي كان يلقاها الجامع الأبيض من الشرفاء الملكيين بحكم قربه من القصر الملكي. اليوم الجامع الأبيض، لازال مغلقا في وجه المصلين، وكأن المثال (جا يبوسو عماه) قد وافقه بالتمام. اليوم الإغلاق تتحمل فيه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الشق الأكبر في من يمثلها بمندوبية مكناس، في إغفالها عن متابعة تلك التصويبات التي غيرت ملمح الجامع (الخارجي والداخلي)، في إغفال عن توطين مرافق النظافة، والوضوء في مكانها التاريخي الأصلي. في إغفالها عن إبداء ملاحظاتها التاريخية حينها على أوراق الهندسة، وليس حتى انتهاء البناية المعدلة!!!
لن نسائل تلك التغييرات (لي كان… كان)، ولكن نسائل لما لم يتم فتح الجامع الأبيض، ونحن نقترب من شهر الفضيلة؟ لما لم يتم تتبع، وإبداء الرأي في تلك الهندسة التي غيرت معالم الجامع الأبيض؟ هي تساؤلات وغيرها من ساكنة حي الزيتون. والآن،لا تطالب فقط إلا فتح أبواب الجامع الأبيض للصلاة.