محسن الأكرمين..
تابعت جدتنا ذات العمر المتقدم الانتخابات المحلية بمكناس بروح شبابية. وكان ما يزيد من شغفها إثارة، الأسماء والألقاب فقط. ونحن لا نعلم ما السبب من الأمر، هل كانت تبحث عن ألقاب من رموز عائلات المقاومة؟ أم كانت تستملح بعض الأسماء من غيرها بالفرز و(العزلة)؟
جدتنا بمكناس، كانت لا تعرف من سياسي المدينة إلا اسم عبد الله بوانو، وكانت جد ما تفرح عندما تراه في التلفزة يتحدث في قبة البرلمان. كانت تسأل عنه مرارا وتكرارا، أين هو؟ هل سينجح في الانتخابات؟ متى سيمر ضمن كوكبة الدعاية الانتخابية بالحي؟.
كنا ننشط معها في هذه الانتخابات، ونطلب مزيدا من التحليل السليم منها، وسؤال: من سينجح سياسيا؟ ومن يستحق النجاح بحق؟ كنا نستمع إليها بتأن حين كانت تقول: كلهم مثل شراغيش الصخر(الزلقة)، إلا عبد الله بوانو فإنه (المعلم الكبير) في فن السياسية بمكناس. هنا نحس بأن الجدة قد وضعت ميزة المفاضلة وحكم القيمة، ورتبت عبد الله بوانو بحكم (المعلم) الذي يعلم صبيان السياسة شؤون التدبير والقانون التنظيمي(113/14) المتعلق بالجماعات.
نعم تقول الجدة ببساطة القول: قد نختلف مع عبد الله بوانو سياسية وتدبيرا، قد نلاحظ عليه عدة ملاحظات في مجالات شتى في فترة تقلده عمودية مكناس، لكنه صوتها (يتمسكن) في نفس الوقت، حين تقول: أكن للرجل التقدير والاحترام على مجموعة من المواقف، والتي كان فيها حكيما رغم سهام المناوشات الداخلية والخارجية (بالعرام)، و لا زات أنتظر وعده لي بكلية طب الأسنان لكي أركب طقم أسنان جديد !!! كما وعدني في الانتخابات الماضية !!!والذي بات في حكم التغيير !!!
صدمت الجدة حين أبلغناها بأن الرجل لم ينل حزبه الأغلبية ولا الأقلية. صمتت الجدة، ولم تعد تريد تكلما ولا حديثا إلا بإشارات دالة. كنا نعرفها جيدا حين تغضب. فتركنا لها مساحة استرجاع أنفاسها بمهل، بعد أن ناولناها كأس شاي بلا نعناع مكناس. سألناها عن تخمينات من سيخلفه؟ ونحن نعرض عليها صور الناجحين الناجين. نظرت و(خممت) كثيرا، لكنها لم تفلح بالمرة في حسن الاختيار. فكل الوجوه كمية في الصور، ولا تمييز نوعي بينها. أخيرا قلنا لها: الرئيس الحالي جواد بحجي. قالت ومن الرجل؟ قلنا لها كفاءة إدارية في الفلاحة، وتقلد عدة مناصب إدارية ولازال كذلك. قالت: واش هو مول تراكتورات ورش الزناقي بالمعقمات؟ قلنا: نعم. ابتسمت وتذكرت صاحب مقولة (مكناس الآن) و(جاء دورك يا مكناس)، وقالت: سيروا أوليداتي تلعبوا !!!
حين تركنا لها حرية التعبير بلا أسئلة موجهة، اكتشفنا أن الجدة خبيرة في علم السياسية والفكر السياسي. فهي حللت الاسم من جانب حمولة المتناقضان جواد (الكرم) وبحجي من (الحجة) وتوقفت عن تمرير جزء الخبر من هذا التقسيم المُشكَّل. توقف الجميع عن الشغب السياسي، وبدا التفكير في المسألة والتي يمكن أن تكون ذات بال. حين رفعت جدتنا رأسها قالت: لا عليكم (وليداتي)، مكناس مثل الطاجين الحامي لي تيحرق مولاه، والعبرة لكم بعبد الله بوانو وغيره من مقولة (مكناس الآن). مكناس تمارس سياسة (اطلع تاكل الكرموس نزل شكون لي قالها ليك)، والانقلاب يمكن أن يكون حاضرا بمجلس جماعة مكناس !!! خوفي وليداتي عليه الطنجير سخون، وحماموا بارد، الله يدير لي فيه الخير لهذه المدينة والساكنة.
كانت حكم الجدة حكيمة ومتنوعة. فندوة صحافة (البوز) الإعلامي في يوم التسليم. كانت من تخطيط إخراج عبد الله بوانو من القصر البلدي بحمرية على رجليه وبلا حراسة. كان بهدية تحمل رموز (سير ترتاح). كان لتحوير المريدين وعدسات الكاميرات من ملمح عبد الله بوانو نحو الرئيس الجديد (المرفوع على الأكتاف).
اليوم الشفهي المصرف، والممنوع من الصرف استمعنا إليه. وحتى ذكريات المدينة الماضي و لحظات الصغر لن تنفع المدينة شأنا في إنشاء التنمية. اليوم كل تلك الملفات ذات الحجم الكبير بالسواد هي التي يجب أن تفتح وتعالج بالضبط والاشتغال الواقف. اليوم مكناس محتاج للطاقات الإبداعية السياسية لا للمشاحنات وفخاخ التناحر،أو (توافقنا على قضايا مكناس الكبرى ) فقد بتنا نتشاءم من هذه اللازمة!!! اليوم مكناس باغية التغيير حقا وليس سياسة (قدي وعدي وكان أبوك رجلا صالحا…). قد تكون مكناس فشلت في الاختيارات يوم (8شتنبر 2021) !!! قد يكون اختار أغلبية قد كرس الفشل بـ (17 حزبا). اليوم مكناس باغية لي يخدمها لا لي تخدم غروره السياسي والوصولي، اليوم مكناس فقدت بوصلتها الموصلة نحو التنمية، فهل من تعديل آخر؟