سلسة صيفية : من أعطاب الفعل الثقافي بمكناس .
محسن الأكرمين.
يمكن أن نكون أشد قسوة ونصدر حكم قيمة عن الفعل الثقافي بمكناس ونقول:” بأنه في نكوص متزايد”، لكنا حتما سنطالب بأسباب ومسببات أزمة الفعل الثقافي بالمدينة، حينها لن يكون كلامنا بالتعميم المفرط ونعلقه بتمامه على مستوى التدبير الإداري، فقد يكون بريئا ولا يد له على هذا المستوى، كذلك سنجد استثناءات محصنة بصدق المقاصد والعمل والأيادي الثقافية النظيفة.
حين نتذكر الماضي يعز علينا الحديث عنه، وتلحظ بسمة آتية بالانفراج، وكأننا نعشق الصورة الماضية ونريد نسخ الحاضر على منوالها. هنا السؤال يحضر: لما نمجد الماضي؟ لما نبخس الحاضر؟ لما نبحث عن مبررات واهية للتحولات الثقافية المفزعة؟ لماذا هذا المصطلح الأخيرة (المفزعة) وضع بالإقحام التعسفي رغم أن تلك التحولات كان لزاما أن تحمل رؤية ايجابية بدل أضعاف الضعف؟ لما قد نقوم بتلميع وجوه تتغذى من الثقافة أكثر من تلميع الأحذية المثقوبة؟ لما لا نتقبل النقد ونركب على قصبة (العام زين)؟
المقارنة صعبة بين ماض ما انفك يمضي من جيل (الحسن المنيعي رحمه الله) وحاضر ما فتئ يجيء بالضعف والاسترزاق من الثقافة، هي عمليات المقارنة التي قد تخلق خندق الانتصار لأحد الطرفين في صراع المكانة والتموقع. فلم تكن تلك الملاحظات تتوارد بالتفكير إلا واستحضرت عروض المسرح بمكناس (الماضية). حقيقة قد تفرح بعض العروض المقدمة في إطار المهرجانات وغيرها، لكن يمكن أن ينتاب أي منّا البكاء على ثالث أرباع من الكراسي التي تبقى فارغة في قاعة العرض بالمركب الثقافي.
هو الحاضر البئيس للفعل الثقافي المسرحي بالمدينة، حين أصبحت ما قد نصطلح عليه بالعروض المسرحية بالمجان والدعوة عامة، لكن حين تلقي نظرة لمن حضر لمتابعة تلك مسرحيات تجد جل الوجوه من الجيل الماضي. تجد أن جيل الشباب قليل العدد بالقاعة، تجد أن وجوها حضرت لمجاملة القيمين فقط ، أوهي تروم نحو صناعات الأحلاف الثقافية بمدينة الولاءات بامتياز. تجد أن الثقافة بمكناس أصبحت تدار بتفكير رواد (المعتزلة الجدد/ بنسالم حميش.(
صيانة الذاكرة الثقافية بمكناس، تتطلب وقفة ليست تأملية بل نقدية صرفة لكل ما يمرر ثقافة من المال العام، صيانة الذاكرة الماضية لتموقع المسرح بمكناس كانت حينها كل العروض الاحترافية بالأداء، وكنت تجد القاعة حضورها يزيد عن عدد مقاعدها الرسمية، كانت كل العروض تساهم بقسط وفير في خلق التغيير، وإنتاج مجتمع المعرفة النظيفة، أما في الحاضر فقد تدار من وراء ستار بلا جعجعة مدوية.
كسوف حل على ما اصطلح على تسميته بالثقافة النظيفة أمام تكاثف المسرحيات المدعمة من المال العام (الشراكات). لكن، حين تلج رجالك قاعة المنوني يمتلكك التأسي عن موقع المسرح بمدينة المسرح!!! قد نتساءل عن السبب و المسببات؟ نقول، هي أسباب بحجم كرة الثلج الواقعة من أعلى الجبل، هي نتائج صناعة مسرح تطوعي، هي سياسة قديمة وحاضرة لتشويه ثقافة مدينة برمتها نحو ثقافة الإلهاء الرخو عن القضايا الكبرى.
أسباب تتعدد وفق التحولات واستغلال الفراغات الثقافية القاتلة في المدينة لأسباب ذاتية لا موضوعية، والطمع في الترقي الوظيفي المركزي بدل ترقية المدينة ثقافيا. هي حتما من أنتجت لنا ثقافة المجاملة بالحضور، ثقافة صناعة المريدين لا المنتقدين. نعم، هي ثقافة تفكير المعتزلة الجدد، ثقافة تكاثف الوظيفة الدائرية، الثقافة الأخوية المغلقة … هي تسميات لصورة من الفعل الثقافي الحاضر. فمن المؤسف أن ترى الثقافة تستجدي الآخر كمتلقي للحضور والتصفيق، من المؤسف أن يتم تأثيث القاعات بنفس الوجوه، فيما يغيب المتلقي البسيط المستهدف أصلا من الفعل الثقافي بالمدينة.