متابعة محسن الأكرمين.
من المفارقات البينة في عمليات تثمين عمران مدينة بمكناس العتيقة، غياب الدراسة المقارنة للمدن التي استفادت من برامج التثمين والتأهيل، غياب روح المنافسة في التميز، ولما لا نقول تجاوزا غياب الابتكار والإبداع الجمالي. فالمتتبع لعمليات برامج الإصلاح والترميم والإحياء بمكناس يمتلك غيرة مدينة وقناعة معيارية نحو الدعم والمواكبة للرفع من الجاذبية وجودة الأداء، لكن الحقيقة المغيبة أن هذا المتتبع (تحجب عنه المعلومة) ولا يمتلك سلطة الآليات المدنية الرسمية للمتابعة وإبداء الرأي لأجل ضبط وتصويب المسارات.
من أصعب الأجوبة حين يطرح سؤال بسيط وصعب في نفس الوقت، كيف هو المنتوج النهائي لهذا الباب (باب التيزيمي الصغرى مثلا)؟ أو ما رأيك في هذا المنتوج الختامي لهذا الباب أو السور أو البرج أو السقاية أو الفندق؟ بصدق سيتوزع الجواب حتما، بين من يربط مخرجات التثمين بالتاريخ ويلاحظ بعض التغييرات التي أحدثت أو أهملت، ويمكن أن يرتبط الجواب بحكم قيمة (التراكم التاريخي المعرفي)، ويمكن أن يتم تغييب ما هو نوعي جمالي في الجواب باعتبارات الجودة والجاذبية والتوظيف.
هنا بيت القصيد، حين تغيب معايير تقويم منتوج التثمين في مخرجاته النهائية بمكناس، حين تغيب شفافية المعطيات عند المواكبين لبرامج التثمين، حين يبقى دفتر تحملاته الإحياء والترميم من الأسرار الكبرى التي لا يمكن أن يفرج عنها لتكميل مبادرات الدعم والمتابعة والحرص على إنجاح البرنامج وإتمامه في أبهى حلة .
إنها حقا المعلومة الرسمية (المؤسساتية) المفقودة في حلقة التثمين بمكناس، إنها مشكلة الانفتاح البنائي (التواصل الفعال) المغيب وعدم امتلاك آليات التواصل الرسمي (المؤسساتي) لدى الوكالة المكلفة بالبرنامج ولدى كل المتخلين مع المنتدى كتشبيك مدني يهتم بالمواكبة والدعم. إنها لغة التكتم والسرية عن مسارات التوقفات (تدبير المخاطر) والتي ينتج عنها تسويق معلومة غير صحيحة ولا دقيقة في أوساط المدينة.
فالمعلومة الصادقة والرسمية من حق مواكبي برنامج تثمين مدينة مكناس بمنطوق الوثيقة الدستورية للمملكة، من حق المجتمع المدني المساهمة في إنجاح وتطوير ومواكبة ومتابعة البرنامج الملكي. من حق المجتمع المدني المختص في عمليات المواكبة والمتابعة لبرامج التثمين المصارحة التامة وبمسؤولية عمّا هو المنتوج الذي تصنع هياكله بمكناس؟ معرفة معايير الملاحظة والجودة (دفتر المواكبة والمصاحبة) التي تدخل ضمن دفتر التحمل !!!
من سوء الفهم عند الآخر، حين تطرح المفاضلة بين ملامح مخرجات التثمين بمكناس (باب التيزيمي الصغير) و( الأبواب الخشبية للفنادق بالمدينة العتيقة والدار الكبيرة) وبين بعض المخرجات النهائية لبرامج التثمين بمدن أخرى (الرباط مثلا) نجد الفرق بينا وعاريا في معادلة غياب التنافسية أو التقليد، نجد أن مكناس تمتلك فقط علامات الملاحظة دون تنقيط المفاضلة و التفكير في رؤية الإبداع بالجمالية التكاملية. نجد أن مكناس تغيب رؤية التوظيف والتي تتضمن الجودة والجاذبية (الحديثة)، نجد أن التفكير محصور في تثبيت مخارج إفراغ (صهريج سواني) دون استحضار عملية الملء المائي الذي بات في خبر كان مع نهاية أسطورة (واد بوفكران) وكذا في تلف (السواني) المغذية للصهريج.
هي مفارقات مشوشة ليست للإحباط أو التشكيك في عمليات التثمين، بل هو حديث المواكبين الراغبين في إنجاح برنامج التثمين وفق التصورات المولوية، والترافع عن برامج تكميلية ممكنة. نعم المفاضلة بين مدن التثمين ليس عيبا، المطالبة بالالتقائية و تفكير التوظيف السبقي ليست بمخفضات سرعة تنزيل التثمين وفق الجدولة الزمنية المحددة في وثيقة التوقيع، المطالبة بتميز مكناس ليس استعلاء مادامت المدينة تعتبر أم المآثر العمرانية الوطنية. لنختم القول (كلنا مع تثمين ذي جاذبية وجودة وجمالية ورمزية تاريخية)، كلنا مع الرأي والرأي الصائب لعمليات التثمين بلا اعتبارات نقدية نافية. لنختم بصور ذات ميزة ونوعية لفندق من مدينة الرباط، لجمالية استحضرت التاريخ والتجديد، لجمالية تتصيد حسن التسويق ولما حتى التوظيف، فهل سيكون فندق (الجديد/الطلبة/ السلطان/النجارين/ الزبادي/ المولوعين/ الحرير) بمكناس، مثل ما تسوق له مدينة الرباط من صور فنادقها التاريخية؟ فما أحوج مكناس لهذه التنافسية والمفاضلة بلا مزايدات وأنانية.