قصة لا تنتمي إلى بكاء الأطلال.
محسن الأكرمـــــــين.
لم أكن أعرف أن الانتصار على الإحساس معاكسة للتيار . لم أدر يوما أن ذات العيون العسلية لها مضغة حياة في قلبي وفؤادي . لما الإقرار العلني ولو لذاتي وليس لغيري … فكرت في الأمر ألف مرة ونزعت الحب عن قلبي وألقيت به في زمرة المعزة و الإخلاص . لا أستطيع اليوم ولا غدا البوح بسري لناسكة حب الياسمين ، فكم أنا اليوم موثوق بوثاق عذرية الحديث .
في كل يوم، نحل الروابي يلثم بالتقبيل ركوعا طل الصبح من زهرة رحيقها متجدد بأريج العطاء . زهرة تتفتح من الصبح إلى المساء … هي ذي السيدة التي أحكي لكم عنها ، لا أتذكر معرفة حين نظرت إلى عيونها بالتأريخ والتوقيت ، فلعل كل الأيام لها عندي صورة مطرزة في خيالي ، أنسجه وأعلقه على جدار غرفتي بتساو أركانها ومساحتها … لكن كان ذاك بعثة انقلاب ثوري لكيان الحاكي فهو العمر والأمل والسعد … رقصة مسمع القدم تسبق قدومها وخفته ترسل رنة إن لم تكن من الموسيقى فهي من انسياب المياه وخرير شلالاته …
الآن وصلت وقبل وصولها تصل نسائم العطر المميز … الآن أعرف عطرها بالتكرار وإن كان قد سكن أنفي بالتمام …أعرف أن اللوم يسبقني في كتاباتي وضميري يعذبني …أعرف أن منها وهي بالأساس مقبول …أعرف أن الكتابة ما هي إلا تعبير وصدق بمعزة من أحتفي بها ولو بالتفكير السردي والحكي المباح … فمن تحية أولية إلى ابتسامة طفولية لا تفارق ملمح خدودها …إنها القادمة وكفى بقبلة الأيام …
حين جلست رأيت الخوف يسكن عينيها …لحد الآن لم تبح ولو بكلمة يتيمة، إلا من تأمل شد المكان والحضور إليها وملأ المجلس طاعة وتنويرا … لكني لحد الساعة لم أعرف إحساسا أخرجني يوما من تخوفاتي الدفينة …. ما أصعب أن تعز امرأة ليس لها عنوان …. إنه الخوف القادم بكسر الوجدان الداخلي عنوة … ما أسوأ أن ترجع يوماً مهزوماً مكسور الوجدان…
الآن الصورة تلفني وحدي بالحكي عن ذات الصورة النابضة بالحركة … الآن أخرجكم جميعا من دواخل شعوري وألتف بكم إلى الماضي الذي ما انفك يمضي … قصتي لم تكن من وقع الوجود الحقيقي … قصتي لا تنتمي إلى بكاء الأطلال، لكنها الحلول بين الذات والحبيب . بدايتها كانت بمدينة لا أعرف اسمها …بمكان حاطته أفول من المارة سعيا بالتسوق والتبضع … هنا المنشأ الإفتراضي … وسط اختلاط الأصوات وتداخلها بين من يبيع ويشتري …زحام المكان أوقفنا جميعا عنوة ، تلك لحظة البداية لأول مرة أرفع عيناي لمن تقابلني في طريقي ،لكن لو كنت أعلم لقررت منذ البدء الأول أن أنظر إلى العيون والوجوه … ابتسمت بارتباك بين الوضعية التقابلية التي وضعتنا فيه الحياة أهو قضاء وقدر ؟ أم هو صدفة لا تكرر نفسها ؟ … التحرك موقوف التنفيذ لعدة لحظات ، والعين بالعين في تبادل لأسئلة طال أمدها … أسئلة لا تحمل علامات استفهام ولا تعجب . أسئلة تستلهم اللحظة في الوقت الحاضر وتستحضر الماضي بعزته وقوته ، أسئلة تسحبك بحنو نحو توليد الأحاسيس وابتهاج الشعور من دون أجوبة ولا تسويغ …ارتباك حل بالفجأة السريعة وسحب التأمل اللحظي نحو التململ من المكان بفعل التدافع …المساحة قلت بيننا وأصبحت قاب قوسين من التقايس البدني …ازداد الأمر حرارة واشتعل الوجه احمرارا …لحد تلك التواني المتوالية لم ينبش أحد منا ولو بكلمة واحدة ، لكن الخطاب الداخلي تكلم لغته ، فهو كان شعورا يسحبني من محشر قوم القيامة إلى جنة الفردوس .
تحرك الطوفان البشري فيما نحن قيام لا ندر بأي اتجاه نسير …هي ذي البداية الأولية ، بداية حياة يركبها تيار اسم عيد لازال في فمي … لحد الآن لازلت في تساؤل متى يجرفني التيار ؟ إلى متى سأبقى وسط التيار ؟
توالت الأيام والصورة اكتملت بالشد على إطارها المطرز … لكن لحد اللحظة أحكي عن نفسي عن دواخل إحساسي …ولن أزيدكم منه إلا عفة القول والمعزة لها بالحب الصادق …انفض الجمع وكل القوم قصد مقصده فمنه الداني والقاصي …رجعت لنفسي حين استوطن في تفكيري صورة من لم تنبش ولو بكلمة …أين أجدها ؟ في أي حي تسكن ؟ في أي مدينة تقيم ؟ أين هي الآن ؟ أسئلة بالتوالد اللغوي زادت الأمر تعقيدا وفسحت للمجال الافتراضي فسحة التخمين … حضور لم يغن ولن يسمن من فراق تقابل العيون وتقايس الأبدان ….