حين تم إمطار النسخة الأولى من مهرجان مكناس بوابل من النقد والعتاب على هامش تهميش فناني المدينة من الحضور وعرض منتجاتهم الفنية وحتى بمعقولية التفكير في نيل حصتهم من كعكة إكرامية مالية الجماعة السخية. لهذا ولغيره في النسخة الثانية تقرر تعويم أمر المشاركة وتدويلها على الشياع عبر إعلان يهم كل الجمعيات الراغبة في عرض أنشطتها الفنية، ومنتجاتها الابتكارية في ظل بسط راحة يد الاقتصاد التضامني. وهذا الاتجاه هو منتهى العمل وفق سياسة المقاربة التشاركية التي اهتدى إليها الجناح الثقافي بالجماعة في شق حماية الوجه مسبقا من كل الضربات الجانبية بالنقد المباح.
جمعة 20أكتوبر مباركة بالسعد على ساكنة مكناس بافتتاح أشغال المهرجان الثاني للجماعة. والذي سينال منا وصفه ب ” الباناشي” أو كشكول الفن والمعروضات المجالية. البداية ستكون من الساحة الإدارية إلى متم ساحة الهديم و الختم بالقاعة المغطاة. هي سبعة أيام من ” الباكور” الشهي والمغري لاشتغال الجمعيات الفاعلة والمتفاعلة مع عروض جماعة مكناس. إنها روح النموذج التنموي المندمج البديل، إنها رؤية الاقتصاد التضامني الذي تختطه الجماعة بمكناس على مهل وبوجه الاستحقاق الممعير بسلم تنقيط والترافع الحسن لكل جمعية أرادت المشاركة.
لكن صيغ أسئلتنا الماكرة تتنوع، هل مهرجان مكناس الذي ينظم تحت يافطة الجماعة هو سبيل للاسترزاق المادي أم لخلق فرح اجتماعي ولو زائف” أسبوع الباكور الخريفي”؟ ، هل هذا المهرجان يروج لثقافة المجتمع (الذاكرة المكناسية والهوية الجغرافية) أم أن أنشطته الجزئية تتميز بالإقحام الممل؟ هل هناك تضخم في إنتاج مهرجانات بمكناس إلى حد التخمة والنفور من استهلاك منتجاتها؟، هل يراعي مهرجان الجماعة الخارطة الجغرافية للثقافية بمكناس ونواحيها ؟، أي نوع من الثقافة التي تصل للجمهور عبر المهرجانات المتكررة بمكناس؟، و ما مصير تلك الثقافة عندما تصبح مادة مشاعة وبخسة بكل المهرجانات؟، هل يخلق مهرجان مكناس دورة اقتصادية وسياحية بالمدينة؟ هل تمتلك جماعة مكناس سياسة ثقافية سليمة يستحسنها الجميع بالتوافق؟، هل يمكن اعتبار مهرجان مكناس له موجهات شفافة ويستند إلى الدمقرطة على مستوى فعل التنشيط الثقافي بالمدينة وفعل الدعم المادي ؟.
هي تلك الأسئلة وأخرى التي يمكن أن تخلخل بنية أي مهرجان إذا لم يتم الإجابة عنها بأريحية كاشفة و شفافة. لنتفق أولا وبالتكرار الممل أننا لسنا ضد فكرة المهرجانات، ولكننا نحن ضد غياب خارطة طريق ضيعت مسار الرؤية الكاشفة عن روح الذاكرة والهوية المكناسية. ضد غياب شعار محفز للمهرجان يتسم بالجذب السياحي والاقتصادي. ضد غياب التنصيص الجماعي على سياسة ثقافية وازنة بمكناس، حيث لازلنا نختلف بالجمع حول رؤية الأولويات من الثقافة النظيفة. نحن ضد كل الحمولات الثقافية الرخوة منها بالكلية ، والفرعية الموازية للمهرجان، ومن تسويق بئيس لبهرجة الفرحة والمتاجرة الربحية. ونحن كذلك نعلن أننا ضد كل فرجة زائلة تنتهي بنهاية سدل ستارحفلة الختم.
نعم حين حديثنا عن مهرجان ” كناوة أو موسيقى العالم” تحضر في تفكيرنا وبدون عوائق مدينة الصويرة، وللمفارقة العجيبة فهو مهرجان يقام فصل شتاء ويشد الرًحال السياحي إليه لما يوازي أربعمائة ألف زائر. حين نتحدث عن “الموسيقى الصوفية العالمية” نعلن بوجوده بمدينة فاس. لكن للأسف التام ليس بمكناس وبوفرة مهرجاناتها المتعددة ما يجعلها ذات علامة حصرية بمهرجان معين. ولكي لا نعمم قولنا بالعدمية فهناك من المهرجانات ما له العلامة اللاحقة بمكناس (الدراما التلفزية الدولية) و(وليلي) و(المسرح المهرب)…
هنا نقر بمكناس أن على مستوى الخطاب تظهر الأهداف بشكلها الكبير والمنمقة بالمؤشرات العليا، في حين على مستوى الممارسات الفعل الترسيخي للثقافة النظيفة لا تظهر إلا البهرجة بلحظة العرض. فإذا ما تم خلق إجماع القول بمكناس فإننا نعرف كل المهرجانات المقامة أنها تحتفي بثقافة الفرجة والبهرجة الزائلة، فإننا نعترف أن مركز مناسبات المهرجانات يصبح الاحتفال فيه رافعة لترسيخ خطابات لا تحمل أية قيمة مضافة للحقل الثقافي والحركة الاقتصادية والسياحية بالمدينة.
هنا التساؤل الحق الآتي يتحدد في، هل مهرجان مكناس للجماعة يساهم في رفع منسوب الوعي الثقافي ومن الإتسياب السياحي ومن الحركة الاقتصادية؟ هذا السؤال يخلخل نتائج محصول كل مهرجان. سؤال نبحث من خلاله عن جدوى الاقتناع بالرصيد المتبقي من كل مهرجان على حد التقويم النهائي. سؤال لربح متوالية التعديل في الرؤى الأولية لإنشاء أي مهرجان سليم بالمعالم الكلية، وفي النتائج الوسطية التي تلف عنق القيمين عليه.
اليوم أثقلنا المقال بجملة من التساؤلات، لنصل إلى المتلقي المكناسي ونقول: هل يتم التفكير في جميع الفئات الإجتماعية (الداخلية والخارجية) وحاجاتها الموضعية من المهرجان؟ هل ترسخ مهرجانات مكناس البخل الثقافي الرخو أم الإشباع الثقافي النظيف؟ . نعم ، الإشكال الموغل في مكناس أننا لا نؤمن بالنقد البناء، لا نؤمن بالنقاش الايجابي. لا زلنا نتعامل وفق منظور الثقافة العشوائية ” الشطيح الجماعي يوم الجذبة العيساوية “، لازالت صيغة إنشاء موسم” الشيخ الكامل” تحتل في شعورنا الجماعي النموذج الأمثل.
إنها مكناس التي تدبر وفق التقلبات اللحظية ، و تدار بنماذج من مهرجانات التمويه والشطيح. إنها مكناس التي تفكر في المهرجانات ولا تفكر في الفئة المستهلكة للمهرجانات من ساكنة مكناس. إنها مكناس التي تحاول الإقلاع من دوامة المعيقات المتعددة المشارب. إنها مكناس التي ضيعت عمقها التاريخي (الموروث الثقافي الأصيل والتراث العمراني للمدينة) وأصبحت تخاطب الأجساد دون مخاطبة روح الساكنة ولا حتى عقولهم، ولا قيمهم الإجتماعية المشتركة.
للثقافة صناع تغيير، للثقافة مسلك تكوين أكاديمي/ هندسي، للثقافة رهان بنية تشاركية وأذن للإنصات صاغية. هي الدعوة التي نطفو بها كخلاصة للبحث عن التوافق المرحلي حول مهرجان الفرح الاجتماعي والثقافة النظيفة، هي مكناس التي تبحث عن ذاتها بالتوافق على آليات خلق مهرجان يوفر فرص الشغل عوض الاسترزاق مقابل حفنة من دراهم معدودات.
هي سبعة أيام من شجرة “الباكور” الخريفي وينفض الجمع بحمل أظرفة بما قل وكثر من المال العام المكناسي. سبعة أيام من “الباكور” وتبقى الحفر والأتربة المتراكمة من الحي الكولونالي إلى حواشي المدينة الجانبية، هوامش تظل بمشهدها الطبيعي الغارق في الغبار والظلام والبؤس الإجتماعي.
سبع أيام من” باكور” النسخة الثانية من مهرجان الجماعة يخرج فيها المواطن المكناسي إلى الساحات العمومية بدعوة عامة ، وباستدعاء رسمي إلى كل قاعة محضية بأمن خاص شداد غلاظ مع المواطنين البسطاء الذين يحنون إلى استراق لحظة فرح . فيما ما الحظوة بالعطف فثمة الاستدعاء وهم من ثلة اليمين والأبواب المفتوحة بالترحيب والكراسي البيضاء الناصعة والماء المعدني. هي مكناس باختلافاتها وطبقاتها الاجتماعية فحدث ولا لغو عليك في جمعة الافتتاح .
متابعة للشأن المكناسي: محسن الأكرمين