محسن الأكرمين.
على منوال قصيدة نزار قباني نتساءل بالتحوير، من قتل الثقافة بمكناس؟ سؤال قد يكون ثقيلا على المتلقي بتدبير الشأن الثقافي بالمدينة، ولكنه يستوجب إجابة قارة للبحث عن (من مزق جبة الثقافة…وأبعد كشكول الثقافة في خانة عن بعد… و شتت مسبحة الثقافة الأنيقة). إنه بحث مضن عن حقيقة نكوص الفعل الثقافي (في جثة الثقافة التي طوحت بها جائحة “كوفيد 19” نحو شاشات الإنعاش وأكسجين ثقافة عن بعد).
لندع نزار يرقد بسلام، ونعرج في المنعرج الغائر لبرنامج ثقافة مكناس السنوي في زمن “كورونا”. حينها سنجد أن الحديث یكثر عن ركود التنمیة الكلية بمكناس ولو بالتعويم المفرط. وهذا المعطى قد ينسينا شقا أصیلا و مكونا ركیزا للتنمية السلوكية والتفاعلية، وھي الثقافة كبعد اجتماعي، ومعيار للترقي الحضاري. فبین ما مضي من مھرجانات الرقص والغناء قبل زمن “كورونا”، ضاعت الثقافة المسكینة بإعلان الموت الإكلینیكي لھا حتى في حاضر الجائحة. وفقد المخبرون من ربع قرن التشخيص، عن من قتل الفعل الثقافي بمكناس؟. ضاعت الثقافة بین إبداع المبدعین وقراءة عقول المتلقین الشحیحة، فمن قتل الثقافة بمكناس إذا؟ سؤال لن نستطیع الجواب عنه بالتخصيص والتعيين الموضعي ولو بإبهام اليد، ولكننا نعلن أن دم الثقافة بمكناس قد تفرقت فصائله بین قبائل المثقفين ومدبري الشأن الثقافي بالمدینة،ومستهلكي الثقافة الرخوة.
منذ الزمن غیر البعید كانت الحركة الثقافیة بمكناس تحمل مشعل التسویق الرصین على الصعید الوطني، كانت الكلمة الملتزمة في زمن قلم الرصاص مدویة، كانت حلقات الفكر والحوار والمسرح تشد علیھا أیدي من وثقنا بھم ثقافة، كان شأن الثقافة یستنیر بالحداثة و یفك طلاسم فكر ” الرمح المسحور/ أحمد والعفریت” ، كانت تلك الثقافة الراقیة تنھل من الفكر النقدي التحرري، ومن الحركات الثوریة المضادة للاستبداد. ومن المؤسف أن زمن ثقافة الالتزام بقضایا الوطن والمواطن بمكناس انتھى بمتلازمة ادفع بمھرجانات الشطیح إلى الأمام.
من العبث أن نلقي باللوم الكثیف على الفئة المستنیرة من المثقفین على إتباع حمیتھم السبقیة، والركون إلى زاویة الانتظار. من الخجل الاجتماعي أن نرفق اللوم بالمتلقي الهش، ونعترف بأن التحولات الاجتماعیة السریعة قد حولته بثلاث أرباع مساحة الدائرة نحو منصات الغناء والشطیح. من سوء تدبير الثقافة بالمدينة، أن الفعل الثقافي بات وراء ستار ويتخوف من الحاكم المستبد (كوفيد 19)، وباتت الثقافة تحمل ألوام “الكمامات المستهلكة”.
ھنا للحقیقة التاریخیة أمانة نستوثق منها وثوقا منهجيا، ونعري بالنقد أن البرنامج العملي لمديرية الإقليمية للثقافة بمكناس يعیش ضمن احتياطات زمن الكمامة بامتياز، نكشف أنھا تغیب ثقافة بناء الوعي وتتحصن بالأبراج، تغیب ثقافة الفكر والنقد واستنطاق ظلم المسكوتات بالمدینة من تلك الوضعیات غیر السلیمة من الوعي الحقيقي بقوة فتك الجائحة.
ھي حال وضعیة الثقافة بمكناس منذ الزمن الممتد بلا انقطاع، لا رؤیة واضحة ممعيرة، ولا برنامجا سنویا معلوما بمؤشرات الأثر النوعي لا الكمي، ولا حتى خطة إستراتیجیة بديلة بتدبير المخاطر لحلحة فعل الثقافة بمتم التغيير الكبير. وبعیدا عن “موضة” الثقافة “عن بعد” كنوع من الثقافة المستحدثة، تحضر ثقافة السكونية التي نشتم (الزكام في مناولالتها عن بعد)، وتترك ما یكابده المواطن بمكناس في حاضره من تحولات إكراھیة في نمط عیشه وسلوكه تجاه (الحاكم المستبد كوفيد 19).
مكناس رحمة الله على الفعل الثقافي عن “قرب” وحتى عن “بعد” (وأنا يا سادتي… أسكن في طاحونة “مدينة”… ما طحنت ـ قط ـ سوى الهواء…/ نزار). رحمة الله على ثقافة التنویر العقلاني والسلوكي. رحمة الله على ذاك الرصید المعرفي والفكري لرواد الحركة الثقافیة الوازنة. أنادیك مكناس بالتعريف لا بالنكرة، وأعلن : أن یقظتك الفكریة الثقافية لن تكون ولیدة وعي فجائي عفوي عن “بعد”ومن وراء ستار، بل لا بد أن تكون نھضتك الثقافیة بارتباط وثیق مع نظام تنمیة مندمجة بتحدي إكراھات وقف التنفیذ.