مقدمة :
عندما نتحدث عن حزب الاستقلال فنحن نتحدث عن آب الأحزاب المغربية وأحد الركائز الأساسية في المشهد الحزبي بالمغرب، أيضا عندما نذكر الحاضرة فاس فمن البديهي أننا نذكر أحد قلاع حزب الاستقلال السياسية لأنها منبع الحركة الوطنية ونقطة انطلاق شرارة الاستقلال حيث تشكل العمق التاريخي والوجداني، أيضا الإستراتيجية لحزب الاستقلال، لهذا تضعها قيادة حزب الاستقلال الوطنية والمحلية من الأهداف الأساسية التي يعملون على الانتصار بها في الاستحقاقات الانتخابية بمستوياتها.
لكل جواد كبوة هكذا فسر الاستقلاليون فشلهم في الانتخابات 2015 عندما خسر هذا الأخير انتخابيا مدينة فاس أمام غريمه السياسي، إنها كانت الصاعقة بالنسبة للاستقلالين خاصة وأن الخاسر الأكبر آنذاك هو الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، الذي كان عمدة المدينة لولايتين وكان يطمح أن تبقى فاس للاستقلالين رغم أن الشارع آنذاك كان يقول العكس ويطالب بالتغير، التغير هنا المقصود به الأشخاص وليس الحزب.
التغير هو الشعار الذي لم تفهمه قيادة الحزب في تلك المرحلة ولم تستجب له، حتى تفاجئنا بمسلسل الخسارة السياسية على صعيد المحلي والوطني، وفي إعتقدي أن هذا الشعار لازال لم يفهم لذا قيادته المحلية إلى اليوم، لازالت نفس الوجوه تطمح للعودة إلى مشهد بنفس الأفكار ونفس المشاريع.
هذا التوجه تم رفضه، لأنه اليوم يشكل مخاطرة بمستقبل الحزب بفاس، نعم إن التمديد لنفس الوجوه والاعتماد عليها في الاستحقاقات المقبلة يعتبر من المخاطر التي ستعصف بتواجد الحزب بقلعة فاس، في نفس الوقت هناك فرص التجديد أو التداول وهي المفتاح السحري الذي سيمكن الحزب من تجاوز محنته التي يعيشها بعد هزيمة في 2015.
لكن بين التمديد والتجديد يوجد مسار يلخص التدافع بين الأجيال وبين الإرادات، تدفع أشرف على لنهايته بأحد النتيجتين الحتميتين أما التحرير القطار للانطلاق بإرادته وأفكار ومشاريع جديدة أو عكس ذلك التجميد الذي ينهي الحركة ويتجه إلى الموت التدريجي للحزب.
الخاسر عليه الانسحاب.
يقول إيميل زولا الحقيقة عابرة سبيل ولا أحد يستطيع اعتراض سبيلها، فعلا الخسارة هي حقيقة لن نستطيع تجاوزها بل علينا أن نتعلم منها، علينا أن نحدد أسباب هذا الإخفاق والعوامل التي أدت إليه وأن نضع تصور دقيق لهاته الحقيقة لكي لا نسقط في فخ الإعادة لنفس الخطط والمشاريع وو الأشخاص، لا يمكننا أن نظهر للعلن، نخرج إلى الشارع، بنفس المظهر الذي رفضه المواطن في الماضي لأنه سيكون غباء ليس كمثله غباء.
الأحزاب في الدولة الحديثة مثل الثعبان تغير جلدها كل أربع أو خمس سنوات، فتتخلص من ضعفها وتواجه حقائقها وتنحني أمام غضب الناس من الفريق الذي قاد مرحلة معينة، وخسر الرهان وتجلى أن عليه الانسحاب لكي يترك المجال للاختيار الجديد عن طريق صندوق الاقتراع.
هذا الاختيار يفتح المجال للتجديد وللتناوب الحقيقي علي تسير، حيث يتقاعد الفريق الخاسر أو الذي أشرف على تقاعد بحكم السن، ويصعد جيل جديد بأفكار جديد ومشاريع متجدد في تناوب سلس على الإدارة ، دون المساس بثوابت الحزب بل من أجل الاستمرارية والتقدم في بناء صرح الديموقراطية الداخلية.
تدافع الأجيال
لقد اخترنا مفهوم التدافع لأنه أعمق وأعم من الصراع، بحيث نجد في قلب التدافع التواصل وغياب الفجوة، نجد أيضا الصرع لكن باحترام وفهم عميق للواقع الذي نعيشه، بمعنى أن تدافع الأجيال هو ليس ثورة على الماضي وقطيعة لكنه محاولة لتحرر والتجديد مع الالتزام بالثوابت.
إن تدافع الأجيال هو دائما صاعد متقدم إلى الأمام منتصر بقوة الإرادة والزمن، الإيمان بشباب هو إيمان بالمستقبل، وعكس ذلك هو تجميد الحاضر وبه موت بطيء المستقبل المزدهر ، لا بد أن نعي جيدا هاته الحقيقة خاصة وأننا أمام تطور ديموغرافي يؤكد أن القوة الصاعدة التي تؤثر على المستقبل بكل تجلياته الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية هم من طبقة الشباب، لكي لا نظلم المستقبل ولا نتهم فيه بأننا سبب فيما قد يقع لحركة التنظيم وموقعه في التاريخ من أفول.
على الخاسر أن يراهن على الشباب لكسب معركة المستقبل، رهان يجعل من التدافع الحقيقي هو العمل من أجل الفوز، الفوز هنا للجميع وليس للأفراد، إنها كتابة للتاريخ بنكهة الفوز وبصيغة الجمع.
مستقبل الحزب في تداول
إن مبدأ التداول قيمة يجب تحقيقها داخل الأحزاب لما لها من أثر إيجابي على واقع الحزب ومستقبله، بحيث أنه يدعم وحدة الحزب ويقوي تماسكه ويحيي مشروعه ويعزز منسوب الثقة بداخله، ويجنبها مخاطر التصدع والانقسام والموت السريري.
لا بد أن نشير في أن مواصلة البقاء في المواقع القيادية والبحث عن طرق سيئة للتهميش الأجيال ومعهما الانتفاع من الموقع سياسي اقتصاديا كله أفعال من طبائع الاستبداد والريع هذا منافي لمبدأ الأساسية التي أسس عليها الحزب، كذلك يؤدي إلى تآكل رصيد المصداقية الذي يتمتع بها الحزب.
حقيقة وجود مؤشرات متواترة متضافرة بعضها يتجاوز التلميح إلى التصريح بأن المصلحة الحزب هو التداول، ونفس المؤشرات توضح مدى السخط الشعبي والرفض التام للماضي وممارسته، كل هذا يدفعنا إلى نقاش هادئ نعلي فيه مصلحة الحزب على مصلحة الأشخاص، نقاش يساعدنا في التنظير للمستقبل الجماعي بعيدا عن الشخصنة والاستقواء السياسي الذي ستكون كلفته باهظة جدا، هنا نجد التداول أقل تكلفة وأسلم طريق لإعادة الحزب للريادة.
إن الحزب اليوم بحاجة إلى توظيف كل المقدرات الجماعية لخدمة الحزب لا الأشخاص، بحاجة إلى الاستفادة من أخطاء الماضي والانتقال بسرعة من حالة الارتكان للماضي والحلم بالعودة إليه، إلى عملية إنتاج جديدة لإرادات ومشاريع تساير اللحظة التي نعيشها زمنا ومكانا، هذا الانتقال هو في الأصل تداول على القيادة وإنتاج للنخب جديدة بعقلية الحاضرة متحررة من الماضي ومتجهة إلى المستقبل بطموح جماعي يتعدى الأشخاص ويربط بين الحزب والمدينة والوطن.
المصدر فضل عدم ذكر اسمه