نزولا عند رغبة بعض الطلاب والباحثين؛ وفي إطار مساهمة علمية في ظل هذه الظرفية العصيبة لتوقف الدروس بمدرجات الكلية؛ أقدم هذا الموضوع بشكل عام دون التطرق الى التفاصيل التي يعرفها الجميع حول موضوع صعوبة المقاولة من أجل تقديم بعض العناصر الاولية لتبسيط الفهم وتكسير شبح الخوف الذي يحيط حول هذه المادة.
الاطار العام لفهم بعض مواد العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية؛ يستوجب دائما
- تحديد وتنميط وتعريف المفاهيم والمقصود بها؟ وكذا طرح الأسئلة المنهجية والجوهرية والأساسية حولها؛ والذي لا يقل أهمية عن الجواب عنها؟
- الابتعاد عن الخوض في الأسئلة الثانوية والهامشية التي تبقى مجرد مضيعة للوقت في محاولة البحث عن إيجاد أجوبة عنها.
- حينما ندرس مادة صعوبة المقاولة؛ ننسى أن نقرنها بمصطلح مهم للغاية وهو: كلمة “تمر منها” او ” تجتازها” او تتخبط فيها، او تعتري او تتعثر فيها؛
وبالتالي يستحسن القول: الصعوبات التي تمر منها المقاولة، أو الصعوبات التي تجتازها المقاولة، أو الصعوبات التي تتخبط أو تتعثر فيها او الصعوبات التي تعتري سير المقاولة.
فالمقاولة كمؤسسة، لم تعد ملكا؛ لمؤسسيها وحدهم؛ بل تصبح من هموم أفراد وجماعات وبلد ككل، بل هموم أعلى سلطة في البلد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والقانوني كذلك.
وهنا نستحضر اهتمام جلالة الملك محمد السادس بموضوع المقاولات لما نبه وعاتب الحكومة الى عدم تقديم الدعم والحماية للشركة الوطنية للحديد والصلب المعروفة باسم (صوناسيد) وهى شركة عامة مدرجة في بورصة الدار البيضاء.
وهناك دولا ذهبت أبعد من ذلك من أجل حماية المقاولات؛ حيث اعتبرت عدة دول أن فيروس كورونا المستجد والاجراءات المرافقة له، هو بمثابة قوة قاهرة تبرر عدم الأداء عند الحلول.
لذلك أحسن المشرع صنعا لما أدخل مسطرة الانقاذ في صعوبة المقاولة، حيث نعرف انه كان المعمول به في السابق هو سلك الطريق السيار المريح وانهاء حياة المقاولة دون الأخذ بعين الاعتبار المخلفات والأثر والنتائج السلبية على الافراد والجماعات والمجتمع والاقتصاد الوطني. نظرا لكونها قد تحتكر أنشطة استراتيجية وحيوية في البلد.
وبالتالي فصعوبة المقاولة هي بمثابة ظرف استثناء أو حالة مرض تمر بها المقاولة وجب علاجه وتخطيه. ندرج مثال على هذا “حيث فوجئت الشركة المغربية لصناعة التكرير – سمير بتاريخ 07/08/2015 بقيام ادارة الجمارك بتبليغ كل الأبناك والشركات التي تتعامل معها بإشعار الغير الحائز في إطار الفصل 101 من مدونة تحصيل الديون العمومية على كل حساباتها ومستحقاتها مقابل اداء مبلغ 13 مليار من الدرهم كدين مستحق وحال”.
واستحضر هنا مثالا كذلك لما له من أهمية في تقريب الفهم؛ لما كنا ندرس هذه المادة سنة 1993 على يد الأستاذ يشو ميمون عندما ادلى لنا بالمثل التالي حول الصعوبة التي يمكن ان تمر بها المقاولة: كان المرحوم الحاج عمر التيسير والملقب ب “نص بلاصة” صاحب مقاولة في الأوراش الكبرى قد اشترى أسهم شركة فرنسية. وقد دفع له شيك مقداره لا يتجاوز 5.000 درهمًا بدون رصيد أو مؤونة تم اعتقاله على اثر ذلك؛ في الوقت الذي كانت لديه ديون مستحقة في ذمة الدولة المغربية في شخص وزارة التجهيز والنقل تصل إلى حوالي 70 مليار سنتيم مترتبة عن إنجاز أشغال الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين محاميد الغزلان والمحمدية على محور مدينتي مراكش والدار البيضاء. ولما بلغ الخبر إلى علم المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني؛ استقبله ومكنه من الحصول على صفقات اشغال خارج ارض الوطن. كرد اعتبار وعملية إنقاذ للصعوبات التي كانت تمر منها مقاولته.
فماذا يقصد بالمقاولة؟ وماذا نقصد بالصعوبات؟ ماذا نقصد بالتسويات؟ ماذا نقصد بالتصفيات؟ ماذا نقصد بعدم القدرة على الدفع عند حلول الآجال؟ ماذا نقصد بالإنقاذ؟ لماذا عمل المغرب بالمحاكم التجارية وليس بمحاكم الأعمال كما جاء في مسودة مشروع القانون؟ ما هو الجديد الذي حمله تعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة؟ كيف يتم تحريك المسطرة الخاصة بصعوبة المقاولة؟ وما هي المقاولات الخاضعة لهذه المسطرة؟ ومن يساعد رئيس المحكمة التجارية في السير بالمقاولة إلى ان تأخذ مسارها الصحي والصحيح؟ وما هو موقع الوكيل الخاص من هذه المسطرة؟
أولًا: مفهوم المقاولة:
المقاولة هي تنظيم، او مؤسسة، أو مجموعة أرباح؛ من خلال القيام بمجموعة من العمليات؛ حيث نجد تجارة بيع وشراء وتوظيف رؤوس أموال ويد عاملة وتبادل سلع وخدمات وإنتاج وصناعة؛ محدودة ومستقلة في الزمان والمكان في إطار محيط سوسيو اقتصادي وقانوني؛ يستهدف الوصول إلى تحقيق أهداف الربح المالي أو النقدي في جدلية اعتماد متبادلة بين الفكر والواقع.
وهذه العمليات تسير حسب متوالية حسابية وهندسية؛ تقوم على المعادلة التالية:
الربح يساوي مجموع الإرادات ناقص مجموع المصاريف. وإذا كان مجموع المصاريف اكبر من مجموع الإرادات تصبح المعادلة: مجموع الإرادات ناقص مجموع المصاريف يساوي الخسارة.
هذا، وقد تعاني هذه المقاولة العديد من المشاكل والاكراهات والتعقيدات في مشوار عملياتها، أطلق عليها مفهوم صعوبة المقاولة.
ثانيا: مفهوم الصعوبات.
هذه الصعوبات تختلف من مقاولة إلى أخرى حسب طرق تسيير كل مقاولة على حدة.
لكن ما هي الأسباب التي توصل المقاولة إلى هذه الصعوبات؟
أحيانًا سوء التسيير والتدبير قد يؤدي بالمقاولة الى الوقوع في العديد من الاختلالات المالية. و احيانا المناخ الاقتصادي السائد على الصعيد الوطني والعالمي. واحيانا الأزمات الاقتصادية والانكماش الاقتصادي. كما هو الشأن حاليا مع فيروس كورونا؛ حيث إغلاق الحدود بين الدول وشل في نسبي في الحركة واجراءات مرافقة للحد من الفيروس كقوة قاهرة. و احيانا أسباب قانونية مختلفة. وأحيانا أسباب نقابية. وأحيانا اسباب طبيعية كما هو الازدياد والنمو فالتطور والازدهار الذي يليه الانحدار والاندثار… إلى غير ذلك من الأسباب. الشيء الذي يعرض المقاولة أمام وضعيات وإلى مشاكل وصعوبات مالية، وهي السمة الغالبة. وقد تكون صعوبات اجتماعية أو اقتصادية أو قانونية محضة.
لكن ما العمل حينما تصاب أو تجتاز أو تمر المقاولة بمرض او فترة او لحظة الصعوبة هذه؟
أما اذا فشلت الأجهزة الداخلية المسيرة للمقاولة من تجاوز هذه الصعوبات؛ ننتقل إلى مستوى اخر ومسطرة أخرى، حيث يتدخل فيه طرف أجنبي خارجي عن المقاولة وهو رئيس المحكمة التجارية ونكون آنذاك أمام مسطرة تسمى بالمسطرة الخارجية.
أما حينما يلجأ رئيس المقاولة من تلقاء نفسه تقديم طلب الى رئيس المحكمة من أجل فتح مسطرة التسوية الودية في وجه المقاولة متى كانت هذه المقاولة تعاني من صعوبات معينة كان تكون بحاجة الى سيولة مالية لتوسيع انشطتها أو لزيادة إنتاجها وخدماتها، ومتى فشلت في تطبيق بنود اتفاق التسوية الودية او لم تتمكن من تجاوز الصعوبات، هنا نخرج من مساطر الوقاية، لندخل في نوع آخر من الإجراءات والمساطر يعتبر الأخطر بالنسبة للمقاولة لأنه يتعلق بصعوبات جدية قد تهدد بزوال المقاولة ومجموعة من حقوق الأفراد والجماعات كالدائنين والعمال، وبالتالي التوقف عن الدفع؛ والتوقف عن الدفع يعني عدم قدرة المقاولة عن دفع وتسديد ديونها عند الحلول؛ اي حلول اجل الادعاء مما يفتح المجال أمام فتح مسطرة المعالجة التي تنقسم الى مسطرة التسوية الودية والتصفية القضائية في وجه المقاولة.
للتوضيح نورد حيثية من الحكم الصادر بتاريخ 21-03-2016 عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حق الشركة المغربية لصناعة التكرير – سمير – الكائن مقرها الاجتماعي بالطريق الشاطئية المحمدية: “وحيث إن التوقف عن الدفع كشرط موضوعي لتبرير فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية يقتضي تحقق شرطين: أولهما أن يكون هناك دين او ديون حالة ومطالب بها؛ وثانيهما وجود اختلال في الموازنة المالية للمقاولة يتضح من خلال وضعيــــــة رؤوس الأمــــــوال الذاتيــــــة والاحتياطــــــي المتــــــداول ووضعيـــــة الخزينــــــة الصافيــــــة. وبخصوص الشرط الثاني فان التوقف عن الدفع يفرض أن تكون المقاولـــــة غيــــــــر قـــــــادرة على أداء ديونهــــــا الثابتــــــة والمطالب بها اعتمادا على أصولها بمختلف أنواعها وكدا إمكانيات الائتمان والثقة التي تتوفر عليها.”
هذا، وطبقا لمقتضيات المادة 551، فقد تم تطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات التي يمكن ان تعترض المقاولة، وذلك من خلال إعادة صياغة وتأهيل مساطر الوقاية من الصعوبات وتحديد بعض المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بمسطرة الوقاية الداخلية أو الخارجية في سبيل الرفع من فعاليتها. كاستبدال مفهوم “التسوية الودية” بمفهوم “المصالحة” تفاديا للغموض الذي قد يعتري مسطرة التسوية القضائية. وعلى مستوى مسطرة المصالحة، فقد منح المشرع لرئيس المحكمة التجارية في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الناجمة عن ابرام الاتفاق بموجب أمر غير قابل للطعن، بفسخ هذا الاتفاق وسقوط كل آجال الأداء الممنوحة وفق مقتضيات المادة 559.
كما تم إحداث مسطرة جديدة وهي مسطرة الإنقاذ؛ ويعتبر هذا المقتضى من أهم مستجدات القانون 73.17 القاضي بتغيير وتتميم الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة، حيث كان ينص القانون القديم على مسطرتين للوقاية ومسطرتين للمعالجة فأدخل المشرع بينهما مسطرة تسمى: بمسطرة الإنقاذ.
فإحداث مسطرة الإنقاذ يعطي لرئيس المقاولة الحرية في طلب سلكها من أجل تجديد الثقة فيه، وذلك باحتفاظه بكافة صلاحيات التسيير والقيام بالإجراءات الكفيلة لرصد الصعوبات التي تعترض المقاولة قبل التوقف عن الدفع عند الحلول طبقا للمادة 560.
ويمكن تلخيص مسطرة صعوبة المقاولة من خلال تسهيل إنقاذ المقاولات المتعثرة ماليا بما يوفر الحماية لمناخ الاستثمار ويحافظ على فرص الشغل فيما يلي:
- مسطرة الوقاية الداخلية .
- مسطرة الوقاية الخارجية.
- مسطرة التسوية الودية .
- مسطرة الإنقاذ.
- مسطرة التسوية القضائية .
- مسطرة التصفية القضائية .
نستنتج من خلال هذا الوجيز؛ ان المقاولة كائن حي يصاب بفترات عصيبة، وجب التفكير في كيفية تجاوزها وعلاجها؛ قبل سلك مسطرة التصفية القضائية وانهاء حياة المقاولة.