تطرق الإمام خطيب الجمعة بمسجد الضويات ضواحي فاس في خطبة يومه الموافق لسادس مارس ألفين و عشرين لموضوع حسن الظن حسن الظن بالله عز وجل.
واستهل الإمام الخطيب خطبته بحمد الله و بالثناء عليه و بشكر نعمه، ثم بالصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمدا صلى الله عليه و سلم و على آله وصحبه و على التابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وبدأ الإمام متن الخطبة بالتأكيد على أن حسن العمل لله والتعامل مع خلق الله يقتضي حسن النية.
فعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». (رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة).
فيجب أن يحسن العبد الظن بالله عز وجل حين عزمه القيام بأي عمل من الخيرات.
قال تعالى في سورة البقرة: و”َاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ” (45).
فالصبر و الصلاة كفيلان بإعانة العبد على حسن العمل بعد حسن الظن بالله عز وجل.
والصلاة تقرب العبد من المولى الكريم، و تشكل جسرا مباشرا لبث شكواه وطلب العون من الخالق، دون وسيط.
والدعاء أثناء الصلاة أقرب للإجابة، من حيث أن العبد يكون أقرب إلى الله.
ومن القصص القرآني الذي يدل على حسن ظن الأنبياء و الصديقين بالله عز وجل، قصة نبي الله إبراهيم، الذي ترك أهله بمكة بواد غير ذي زرع، متوكلا ومنفذا لأمر الله عز وجل.
أخذ إبراهيم عليه السلام هاجر وولدها ثم تركهم في مكة حيث لا إنس ولا وحش ولا طير ولا زرع ولا ماء بل صحراء جرداء وجبال شاهقة والشمس بوهجها تكاد تخطف الأبصار.. ثم تركهم وهمَّ بالذهاب.. فلما رأته السيدة هاجر يذهب استوقفته واستغربت من فعله وسألته باستنكار كيف يتركهم في هذه الأرض الموحشة؟؟ فلم يرد عليها إبراهيم عليه السلام.. وهنا فطنت السيدة هاجر إلى أن هذا الفعل إنما هو أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه.. فرضيت بقضاء الله تعالى وأيقنت أنه لن يضيعها هي ولا رضيعها.. فتركته يذهب وبقيت هي في هذه الأرض المقفرة. ودعا إبراهيم عليه السلام ربه بكلمات رقيقة؛ قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].
ثم نجد في القصص القرآني كذلك قصة نبي الله يعقوب حين فقد “يوسف” أحب أبنائه إلى قلبه، فإذا به يقول كما جاء في سورة يوسف : “قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ “(86) .
وفي جزء آخر في سورة يوسف قال يعقوب : “قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (83). وما ذلك إلا من حسن الظن بالله، لكن مع اتخاذ الأسباب. فقال يعقوب لأبنائه في سورة يوسف أيضا : ي”َا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (87).
ومن قصص حسن توكل الأنبياء على الله عز وجل قصة النبي محمد صلى الله عليه و سلم و هو مع صاحبه بالغار، كما جاء في سورة التوبة : “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “(40).
وكان جوابه عز وجل في سورة آل عمران : “فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ” (174). فما أحسن ظنك يارسول الله بالمولى عز وجل، و ما أسرع استجابة الله لحسن ظن عباده به.
واختتم الإمام المتحدث خطبة الجمعة بالثناء على الله عز وجل، بحمده وشكره عز و جل، ثم بالصلاة على الرسول الكريم محمد وعلى آله وصحبه و المسلمين جميعا، ثم بالدعاء لصاحب الجلالة أمير المومنين الملك محمد السادس، بالنصر و التمكين وبسداد الرأي بما يحبه الله ويرضاه، ولولي العهد ولكل الأسرة الملكية الكريمة، ثم لسائر المومنين و المومنات طالبا الغيث النافع ورفع البلاء عن أراضي المسلمين.