في خطبة الجمعة الموافق لــ 31 يناير 2019، تحدث الإمام الخطيب بمسجد الأزهر بفاس عن الإلحاد، و بدأ الخطبة بحمد الله والتعوذ من شرور النفس وبالصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
ونبه الإمام الخطيب إلى أن الإلحاد ظاهرة من الظواهر الإجتماعية التي تزداد انتشارا في المجتمعات الإسلامية، و إلى ما تشكله من خطر يحيط بالأمة الإسلامية.
وذكَّر الخطيب بأن الله عز وجل فطر الإنسان على الفطرة السمحاء الحنيفة. قال تعالى في سورة الروم : “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “(30). وأكد الخطيب على أن الإنسان يولد نقيا صفيا تماما كالصفحة البيضاء، و بعد ذلك هو يتأثر بالبيئة المحيطة به، إن طيبة أو سيئة.
فعن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء ” قالوا : يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير ؟ قال : ” الله أعلم بما كانوا عاملين ” . [ ص: 371 ].
والفطرة هنا يقول الإمام هي التوحيد، هي الإسلام، وهي كل ما يدعو إليه الدين الحنيف.
ولأجل ذلك اصطفى الله عز وجل الأنبياء والمرسلين، ليُذَكِّروا بفطرة الله التي فطر الناس عليها، ولترسيخها في نفوسهم.
ومن أخطر ما يكون الإلحاد، خروجا عن الفطرة السوية، وهو يتشكل أنواعا وأبوابا.. فكيف يجب التصرف لمحاربته و الوقاية منه، و كيف يكون الرد على من يدعو له ويتبناه..
فالإلحاد مذهب يقول بإنكار وجود الخالق وإنكار الدين، ويقول بالصدفة في وجود الكون.
وقد قيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟
فالأعرابي الأمي بفطرته السوية، وبتأمله في الكون استدل على وجود الخالق.
فالفكر الإلحادي كله ظلم للنفس البشرية .. يقول لقمان بابنه .. كما جاء في سورة لقمان بالقرآن الكريم : “وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ “(13).
وفي الجزء الثاني من خطبة الجمعة، بمسجد الزهراء بفاس، استرسل الإمام الخطيب في التطرق لموضوع الفكر الإلحادي، منبها إلى مخاطر إنصات العامة لمن يتبنى الفكر الإلحادي، فهو كفيل بفتح الباب للتوهمات والشكوك والعياذ بالله.
فالإنسان مسؤول عن فكره وعن فؤاده وأين يوجههما ..
قال تعالى في سورة الإسراء : و”َلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا “(36).
وبدوره نبه النبي الكريم من السماح للشيطان بولوج عقيدة المسلم لخلخلتها ..
فعن ابن عباس: “أن قوماً تفكروا في الله عزّ وجلّ فقال النبي : “تفكّروا في خلق الله ولا تفكّروا في الله فإنكم لن تقدروا الله حق قدره”.
وهي دعوة صريحة للتفكير في الخلق وفي إبداع الخالق كي يدلنا ذلك على الخالق ..
قال تعالى في سورة الغاشية : “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ “(17).
وختم الخطيب بالصلاة على الرسول الكريم وعلى آله وصحبه، ثم بالدعاء لأمير المؤمنين الملك محمد السادس، ولأسرته الشريفة ولكل المومنين والمومنات.