بقلم .. محسن الأكرمين
سلسلة صيفية للعبرة :” شويخ من أرض مكناس “.
“شويخ” من أرض مكناس،
قصيدة من الزجل الأندلسي الرفيع” شويخ من أرض مكناس” كلماتها للشاعر المغربي أبي الحسن الششتري ولد سنة 610 هج، وتوفي 668 هجري، كان متصوفا زاهدا،عاش بمدينة فاس ثم انتقل بعدها إلى حاضرة مكناس، وكان يردد أشعاره الصوفية في أسواق وأزقة المدينة العتيقة، وظن الناس آنذاك أنه مصاب بالهبل العقلي.
قصيدة ” شويخ من أرض مكناس” يخاطب بها كل من يظنه أحمق الرأي” أش علي أنا من الناس وش على الناس مني “، وتحمل نوعية من المفارقات عن مدينة السلاطين، ومن الأثر المذكور أن أول من غنى كلماتها هو المغني المغربي اليهودي الأصل “حاييم بوطلول” في أواخر الستينات، ثم بعد ذلك تغنى بها” أحمد الجميري” من البحرين في مطلع الثمانينات (1982) .
مكناس وناس،
مكناس مدينة وساكنة، تنوعت روافد ثرائها الحضاري من الأمازيغ إلى الرومان ، و صولا إلى الإسلام والمثاقفة العربية، وحتى أن الأثر اليهودي لازال حاضر الهوية بالمدينة، فيما بصمة الغرب فتظهر بالامتداد من شكل هندسة المدينة الجديدة. هي مكناس مدينة التسامح والاندماج العرقي والديني و الإثني، مدينة الأنفة التي لا تقبل الظلم ولا” الحكرة”، مدينة الفوارق الاجتماعية و المناوشات الكلامية المستطيلة.
مدينة عريقة حد أوج عاصمة المولى إسماعيل، ما يحكى بالتردد أن جذرية مواقف ساكنة مكناس قد أضاع عليها سنوات ماضية من التنمية وأخرى باقية في المستقبل المختفي.
“شويخ” بالتصغير اللغوي،
مكناس مدينة التصغير في المصطلح والأسماء (شوية)، مدينة تقزيم الذات والآخر و المكان، مدينة التنمية المصغرة بتنبؤات ” شويخ من أرض مكناس”، فالقصيدة لم تنطلق بشيخ من مكناس مكتمل القد والقامة، بل “شويخ” مما يفهم منه أنه كان قصير القامة، نحيف الجسم، ظله باهت على الأرض، ” شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني … وش علي أنا من الناس وش على الناس مني”.
هي مكناس التي ينصح من دخلها باتباع الوقاية السبقية من تجنب (جميع الخلايق) والكلام الفارغ ” اش عليا يا صاحب من جميع الخلايق”، هي مكناس حتى مول الخير ممكن أن لا يسلم من الألسن” افعل الخير تنجو واتبعه للحقايق”، هي مكناس التي تنصح بصدق الكلام و تجنب الكذب” لا تقل يا ابني كلمه إلا إن كنت صادق”.
لكن ّشويخ مكناس أوصى “خذ كلامي في قرطاس واكتبه حرز عني”، وهو الموروث الثقافي الغني بمكناس المضيع، من خلال بوار مؤلفات مدونة و مركونة بالمكاتب القديمة ويعلوها كساد الاستعمال. والنموذج قصيدة ” شويخ من أرض مكناس” التي عمرها يزيد عن أكثر من 732 عاما.
هو الشاعر الذي زرع حقل كلمات التصغير في السجل اللغوي الشفهي بمكناس وفي ممارساتنا اليومية والحياتية، حتى أن تفكيرنا في التنمية ظل يحمل رؤية التصغير” برنامج عمل جماعة مكناس” مصغر الرؤية والأهداف، حتى أننا بتنا نفكر في تصغير الطرق، في تصغير ذات مدينة أمام تنمية كبرى لمدن منافسة.
سواق مكناس،
حقيقة تحفل أسواق مكناس العتيق بحكم الكلام الموزون والرزين، تحفل بوجوه يشدك الحكي إليها بسليقة الكلام البارد والحلو مثل ماء مكناس الذي ضيعناه بالمرة، تحس بأن الساكنة يسكنها الخير الخيّر” وما أحسن كلامه إذا يخطر في الأسواق … تره للحوانيت يلفتوا له بالأعناق”. لكن حين تتغير الأماكن بمكناس، حين يتغير التاريخ والزمن والمكان نصبح لزوما نمتلك الأطلال ونفقد جوهرة طيبة مدينة وناسها، نصبح لا نلوي إلا على الشواهد التي بقيت خالدة رغم فعل الحث وتهاوي المأثور الشفهي والمادي، نصبح نمتلك النسيان من ذلك الوافد إلينا من تاريخ الذكريات التي تجيء وتؤدي الحاضر وتطوح بالمدينة إلى التبعية والسكونية ” إما قول مبين ولا يحتاج عباره… أش على حد من حد افهموا بالإشارة”.
ساس مكناس،
مدينة مبنية على ساس غارق مثل نية الشويخ” شويخ مبني على ساس كما انسأ الله مبني ” ، ونية ساكنتها غارقة حتى هي مثل ” الغراره في عنقه وعقيقد وعقاد” . مدينة لجأ إليها “الشويخ” بعد ما كبر سنه هاربا من فاس حين عاش الهون (كبر السن) وممكن أن يحمل اللفظ على التحقير وسط ناس فاس الأكابر (مع استبعاد هذا المنحى)، جاء يحمل أمل ربح الفرج و المكانة الصوفية بمدينة التصوف الرباني بامتياز.
حط رحله بالمدينة “الشويخ” وهو يأمل سمو المعاملة من مكة وناس” انظروا كبر سني والعصا والغراره … هكذا عشت في فاس وكذا الهون هوني”، الأهم أن من دخل مكناس دخل في حمايتها وحماية كرامات أوليائها الصالحين .
وسواس مكناس،
“شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني”، هي مدينة لازالت تعيش مفهوم الأسواق القديمة ومهرجانات المواسم، هي مدينة تدار باسم العائلات والأنساب، هي مدينة الأقطاب ليس الصناعية بل الأقطاب في المكائد ونصيب الفخاخ.
صدق “شويخ” مكناس حين أعيى قلبه الوسواس من معاملة قوم مكناس، من صيغة الطواحين الهوائية” قد ملا قلبي وسواس من ما هو يبغي مني “.
يا ربي يا سامع الدعاء، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ رَجَاؤُنَا يَوْمَ تَسُوءُ ظُنُونُنَا وَأَعْمَالُنَا، وَلَا نَهْلِكُ وَفيك رَجَاؤُنَا بالجمع ” يا إلهي رجوتك جود علينا بتوبه… بالنبي قد سألتك والكرام الاحبه”، يا رب سألناك أن صفاء سماء مكناس غير متمكنة، و همة قلوب المسؤولين عليها بالتنمية التفاعلية ، يا رب رد للمدينة مكانة الاعتبار … قولوا آمين ثلاثا، وتمموا الأدعية التي عالقة في أنفسكم بما تمنيتم…