مع إطلالة فصل الصيف لبست جهة فاس-مكناس ، بمختلف حواضرها ، حلة فنية بديعة عنوانها مهرجانات كبرى منها ما هو ذات صيت عالمي ومنها ما هو وطني يبحث عن العالمية.
وما ميز هذه المهرجانات كونها برمجت في زمن واحد أو متقارب ، خلال شهر يونيو الجاري ، وعرفت نجاحات سواء في التنظيم أو في المتابعة الجماهيرية أو اللمسات الفنية والتجارب الفريدة التي رأت النور والتي سيكون لها ما بعدها.
وكل مهرجان بحاضرة من حواضر الجهة إلا ويختلف عن الآخر بما يعكس تنوعها الثقافي ويدفع إلى التفكير في تثمينه بشراكة بين الجهات المتدخلة من قطاع حكومي وسلطات محلية وجمعيات المجتمع المدني.
فيوم السبت الماضي (22 يونيو) أسدل الستار عن النسخة ال25 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة بكل حمولته الفنية والفكرية والثقافية والذي أقيم تحت شعار “فاس.. في ملتقى الحضارات”.
وعلى غرار الدورات السابقة، اغتنت النسخة ال25 التي كانت انطلقت يوم 14 يونيو، بفقرات موسيقية وفكرية راقية احتضنتها عدة فضاءات بالمدينة منها قضاء دار عديل بقلب المدينة العتيقة التي كانت مسرحا لزواج فني غير مسبوق.
ووثقت هذه الدار لتلاقح ثقافتين متباعدتين جغرافيا، تتمثلان في أغاني جبلية من البلقان والأطلس المتوسط، شهد عليه جمهور غالبيتهم من الأجانب، افترش الأرض للاستمتاع بأهازيج من عمق جبال المنطقتين، أديت من دون مكبرات للصوت.
وكان الموعد أولا مع الرباعي النسوي لمجموعة تقودها سفيتلانا سباجيك من صربيا، الذي أتحف الحضور بمقطوعة شفاهية من دون آلات موسيقية وبالاعتماد على قوة الصوت وطول النفس وبزي تقليدي يقارب ذلك الذي ترتديه فنانات الأطلس المتوسط، قبل أن تتعاقب على المنصة الشريفة كيرسيت التي أبدعت بصوتها القوي في أداء مقطوعات من الأطلس المتوسط بمعية عازف على آلة الاوتار وثلاثة آخرين من ضباط الإيقاع (البندير)، صفق لها الجمهور طويلا.
ومن أقوى لحظات هذا العرض الفني، اتحاد المجموعتين معا في أداء مشترك لأهازيج من المنطقتين قربت المسافة الجغرافية بينهما، حيث رددت الفنانتان سباجيك والشريفة مواويل جبلية بكل خصوصياتها وأهازيج جماعية على إيقاعات أطلسية مغربية رعوية جبلية صربية وأمازيغية، في لقاء غير مسبوق، وفق المنظمين.
وبعيدا عن فاس ومدينتها العتيقة، كان هناك زواج فني آخر توثق بين العيطة الجبلية وفن الكناوي والطريقة الحمدوشية، وذلك في افتتاح النسخة الثامنة للمهرجان الوطني للفنون الجبلية التي أقيمت بتاونات من 16 إلى 18 يونيو.
وما ميز حفل افتتاح الدورة، سمفونية فنية راقية زاوجت بين لون الطقطوقة الجبلية والإيقاع الكناوي والحمدوشي، في عرض مشترك غير مسبوق أثثته فرق من تاونات وفاس ومكناس، صفق له الحضور المتابع بساحة العمالة.
وما اعتبر جديدا كذلك، هو الرقص التعبيري الذي رافق أغاني الطقطوقة، حيث أدت فرقة للرقص الاستعراضي من مدينة سلا لوحات فنية بديعة ذات مواضيع مختلفة على إيقاعات مجموعة (أصدقاء العروسي) وهي منتخب من عازفي مدينة تاونات، أثث حفل الافتتاح. ومن تاونات إلى صفرو التي كانت على موعد من 13 إلى 16 يونيو مع الدورة ال99 من مهرجان حب الملوك (الكرز)، التي أتت سبع سنوات بعد تصنيف المهرجان من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) كتراث ثقافي لا مادي للإنسانية.
وقد حافظ المهرجان على توهجه وعلى تقاليده المتمثلة في أقوى فقراته الذي لم يكن ، كما العادة ، سوى حفل تتويج ملكة جمال حب الملوك، حيث عاد اللقب في هذه الدورة للطالبة المغربية مريم بطاشة (23 عاما) المنحدرة من سيدي قاسم، بعد نجاحها في تقديم مشروع بيئي يخص محاربة التلوث بأحد اودية صفرو، على اعتبار أن اختيار ملكة جمال حب الملوك يشترط عدة معايير منها المستوى التعليمي والثقافي واللغوي وتقديم مشروع يهم المنطقة وجمال المرشحة.
ويعد هذا المهرجان خامس تراث ثقافي مغربي مدرج على قائمة اليونسكو التمثيلية، بعد الفضاء الثقافي لساحة جامع الفنا في مراكش، وموسم طانطان، والنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط، و”الصيد بالصقور ، تراث إنساني حي”.
ولم تقف الأنشطة الثقافية بالجهة عند هذه المواعيد بل تعدتها إلى ميلاد تظاهرات جديدة منها مهرجان مكناس الدولي للسينما العربية الذي أقيمت نسخته الأولى من 14 إلى 21 يونيو تحت شعار “الثقافة السينمائية حق للجميع”.
وهذا الموعد الفني الجديد بالجهة انطلق بحفل افتتاح قوي تضمن تكريم الفنان المغربي محمد مفتاح، والجزائري سيد أحمد أكومي، ومعهما تكريم السينما المصرية، ضيف شرف الدورة، ممثلة بكل من بوسي ومحمود قابيل وعمرو سعد، وذلك اعترافا بإسهامهم اللافت في النهوض بالسينما العربية والمغاربية.
إلى ذلك، يختتم الشهر الجاري بموعد فني جديد سيقام بمدينة تازة يومي 28 و29 يونيو، ألا وهو مهرجان تازة الوطني للأغنية المغربية في نسخته الأولى تحت شعار ” الأغنية المغربية تعبير جمالي وهوية”.
وبذلك، تكون جهة فاس-مكناس قد خلقت الحدث بهذه الزخم من التظاهرات الفنية والثقافية الكبيرة، وبما تسهم به في إغناء المشهد الثقافي المغربي وفي المد الإشعاعي للمملكة على الصعيد الدولي.
و.م.ع