عن مؤسسة الرحاب الحديثة بلبنان صدرت رواية جديدة للكاتب المغربي الكبير الداديسي اختار لها عنوان “رقصة الفلامنكو” ممتدة على 140 صفحة مقسمة على اثنى عشر فصلا، وهي جزء من مشروع روائي يشتغل فيه الكاتب على ثقافة البحر الأبيض المتوسط (بعد عدد من المؤلفات النقدية) بدأه برواية انتقام يناير التي تلامس الثقافة الأمازيغية وتمتد أحداثها على الخريطة العربية من المغرب إلى الخليج فمصر وسوريا لتعود للمغرب, واتضحت المعالم أكثر في رواية “قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط” وكيف تحول البحر الأبيض المتوسط من بحيرة سلام واستعاض عن بياضه بالسواد وغدا مقبرة جماعية لطالبي الهجرة السرية من العرب والأفارقة …
اليوم تضيف رواية “رقصة الفلامينكو” لبنة جديدة إلى هذا المشروع من خلال الغوص في التاريخ، والنبش في الحاضر بتوظيف عوالم الأوبئة، حيث لا ينفع مال أو بنون، ويصبح أهم ما يبحث عنه الفلاح المنكوب لحظة صفاء، رواية تنسج للقارئ خيوط حكاية الألم وتأنيب الضمير، من خلال قصة عدنان الغرناطي أستاذ التاريخ الوسيط المسكون بشخصيات المرحلة التي يدّرسها ، يتردد على الأندلس ليشفي غليله ، يقف على مآثر العرب ويعود لمدرج الكلية كما لو أنه شخصية منبعثة من التاريخ، تعرف في إحدى جولاته بقصر الحمراء في غرناطة على باحثة إسبانية تعِدّ رسالة حول شخصية لسان الدين بن الخطيب، وتجددت علاقتهما بفاس خلال نشاط مغربي إسباني حول نفس الشخصية ، وبفندق المرنيين وأزقة فاس تنمو علاقة عاطفية جارفة، رأى فيها نفسه فاتحا وباحثا عن جذوره الأندلسية واسترجاع أطياف الفردوس المفقود في أحضان باحثة تتقن رقصة الفلامنكو. التي تراها مشتقة من عبارة (فلنلهو) ويراها هو مشتقة من (الفلاح المنكوب) لكن وباء كورونا أحال تلك العلاقة كابوسا قض مضجعه، وجعل حياته في وباء كورونا أشبه بمأساة مَثلِه ابن الخطيب أيام الطاعون الأسود، وكرست لديه قناعة أن النتائج تكون حسب نية الشخص ومنطلقاته: أنها لهت وتركته فلاحا منكوبا يندب حظه ويؤنب نفسه، معتقدا أنها نقلت إليه العدوى بعد أن حضرت مباراة في كرة القدم بين فريق فريقها الاسباني المفضل، وفريق إيطالي اعتبرها المتابعون سبب انتشار الوباء في غرب المتوسط، وشبهها البعض بقنبلة هيروشيما..
رواية رقصة الفلامنكو رواية نوعية تتطلب قارئا خاصا، تلقي الضوء على مرحلة الطاعون الأسود بين فاس وغرناطة أيام حكم المرينيين ، وكيف تفاعل مثقفو المرحلة كابن الخطيب ، ابن خلدون ابن بطوطة… مع الطاعون ، وكيف تفاعل عدنان الغرناطي مع وباء كورونا بعد أن تم فرض الحجر الصحي ، ليعيش معاناة قاسية يسمع فيها عن إصابة ووفاة أصدقاء وأقارب ، وهو يؤنب نفسه على خيانة زوجته، متظاهرا بإصابته بفيروس كورونا، أحداث كثيرة ومتغيرات وصراعات نفسية عاشها البطل خلال فترة الحجر الصحي، تتوالي عليه ـ كما توالت على ابن الخطيب ـ الطعنات وتبقى طعنة القريب قاتلة تصيب الهدف بدقة لأنها تأتي ممن كشفت له كل فراغاتك.
رواية رقصة الفلامنكو حكاية يتشابك فيها الحب بالخيانة، والوفاء بالغدر والظلم بالعدل، والحاضر بالماضي قراءة الرواية وحدها تكشف لك عن تفاصيل منبعثة من تاريخ يشد الأنفاس ، لتقدم للقارئ وثيقة عن مرحلتين مختلفين عانى فيها الناس كثيرا، وفقدوا أقارب أمام أعينهم وهم عاجزين عن توديعهم وتقبيلهم قبلة الوداع الأخير.
عن موقع: فاس نيوز