كتاب و آراء – تعرف الإدارة العمومية المغربية مجموعة من الإختلالات الهيكلية التي تقف عائقا أمام لعب أدوارها في التنمية المستدامة والشاملة. ولتجاوز هذه الإشكالات، عملت الدولة المغربية منذ مدة وعبر مراحل على بلورة مجموعة من الإصلاحات، وذلك بإدخال مجموعة من التعديلات، والتغييرات، والمستجدات، من أجل أن تواكب المستجدات الداخلية والخارجية، وتلائم الأرضية الجذابة لاستقطاب المستثمرين، وأن تكون أكثر حداثة وعصرنة، وتلبي حاجيات ومتطلبات المواطنين. وتتجلى أهم التعديلات في تخليق المرفق العمومي من خلال اعتماد مقاربات، وآليات وأدوات، ووسائل، حديثة، تعتبر الركيزة الأساسية للنهوض بها، كالتصريح الإجباري بالممتلكات، والإعلان عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. كما تم العمل على تخليق الحياة العامة والسياسية، عبر الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وجعل الإدارة العمومية المغربية أكثر انفتاحا على المرتفقات والمرتفقين.
كما تعد الإدارة آلية أساسية لتنفيذ برامج الدولة وسياساتها العمومية، في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كما تجسد وسيلة لخدمة حاجيات المواطنين بشتى أصنافها ، وفق مبادئ ومعايير تدبيرية معينة يحددها الدستور. وقد حرص المغرب منذ استقلاله على بناء وإرساء دعائم الإدارة، وتماشيا مع تيارات التحديث عمد المغرب إلى القيام بإصلاحات مهمة ، تهدف إلى تأمين النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي مع ضرورة الانفتاح على العالم.
وقد كان ميدان الإدارة من أبرز الميادين المستهدفة من قبل الإصلاح الذي جاء نتيجة دوافع عالمية خارجية وأخرى داخلية، كذلك أعلنت عن ضرورة ملحة لتحسين وعصرنة التسيير الإداري وتحديث المؤسسات العمومية، التي تعتبر حلقة مكملة لباقي الإصلاحات في مجالات أخرى. فالإدارة السليمة للاقتصاد لا تقتصر على السياسات التي تتبعها وإنما تعتمد على المؤسسات التي تترجمها على أرض الواقع وتسهم في نجاعتها.
I. تشخيص الوضعية الراهنة:
اهتمام الإدارة في غالب الاحيان بالتدبير اليومي و تجاهل البعد العلائقي للادارة.
تعدد المساطر و كثرة الوثائق المطلوبة من المرتفقين.
عدم احترام أوقات العمل من طرف بعض الموظفين.
تغييب المرتفق في إعداد بعض السياسات و البرامج المعدة أولا لتلبية رغباته و الاستجابة لحاجياته.
عدم التقييد الفوري للإدارة بتنفيذ بعض الاحكام القضائية النهائية في مواجهتها مما يولد لدى المرتفق عدم الثقة في الإدارة.
عدم تعليل بعض الإدارات لقراراتها في حق المرتفقين، مما يولد لديهم الشك و الريبة في مصداقية الإدارة.
غياب رؤية شمولية للإستقبال و الإرشاد، حيث يتم تخصيص مقر دون توفير الوسائل و الأطر الكفؤة.
عدم توفر معظم الادارات على ملحقات تسهل الاهتداء إلى المرفق و المكاتب داخل بنية الادارة.
غياب الوعي بأهمية الشكايات و التطلعات كرافد من روافد إصلاح الادارة و تحسين أساليب تنظيمها و تدبيرها.
هذه الوضعية فرضت القيام بعدة إجراءات من أجل معالجة هذه الاختلالات، و تتمثل في منطلقات أساسية لعملية الإصلاح، و هذا ما سأتطرق إليه في الحور الثالث.
II. المنطلقات الأساسية للإصلاح الاداري الشمولي ببلادنا
1) دعم اللاتركيز الإداري و إعادة تجديد مهام الإدارة :
ذلك أن اللاتركيز الإداري يعد الدعامة الضرورية لبرنامج إصلاح الادارة في إطار سياسة لإعداد التراب قائمة في التركيز على اللامركزية و الجهوية و يعتبر الركيزة الأساسية في عملية ترشيد العمل الاداري و تحسين جودة الخدمات من هنا تظهر ضرورة:
- سن سياسة إدارية قوامها العمل على تقليص عدد الهياكل و البنيات الادارية.
- ضرورة تشجيع الادارات العمومية على الانفتاح على تنظيمات المجتمع المدني و القطاع الخاص في إطار الشراكة و التعاقد.
- تعزيز سلطات المراقبة و التقييم لحسن معالجة و تدبير الاكراهات المترتبة عن اللاتمركز.
2) دعم الأخلاقيات بالمرفق العام :
كمقاربة شمولية تتوفى تعزيز مبدأ سيادة الأخلاق كعنصر أساسي لإنجاز مختلف المبادرات و البرامج الاصلاحية مما ينعكس إيجابا على إنعاش الاستثمار و دعم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، حيث أن انعدام الاخلاقيات يكون سببا لفقدان المستثمر و المواطن الثقة في الادارة و صعوبة جلب الاستثمار من هنت تظهر:
- ضرورة الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة.
- ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة.
- قانون التصريح بالممتلكات.
- دور المفتشيات العامة للوزارات في المراقبة الميدانية الفعالة.
- أكتوبر 2011 القانون المتعلق بحماية الشهود و المبلغين، فيما يخص جرائم الرشوة، الاختلاس، و استغلال النفوذ.
- و طبقا لمقتضيات المادة 272 من ق.ت.113.14 يجب على الجماعة تحت إشراف رئيس مجلسها، اعتماد التقييم لأدائها و المراقبة الداخلية، كما تقوم بدراسة تقارير الافتحاص و نشرها بجميع الوسائل الممكنة ليطلع عليها العموم.
3) علاقة الادارة بالمتعاملين معها:
وجب الانتقال من إدارة إدارية إلى إدارة مواطنة و ذلك بجعل التواصل مع جميع المرتفقين من الانشغالات الاساسية للإدارات العمومية. و من الاجراءات المساعدة على تحسين العلاقة بين الادارة و المرتفقين: - تحسين الاستقبال و معالجة الشكايات و التظلمات.
- تعليق آجال الرد على طلبات المرتفقين و البث في ملفاتهم.
- مأسسة استطلاع الرأي لدى المرتفقين لمعرفة حاجياتهم و مدى رضاهم عن الخدمات المقدمة لهم.
- إلزام الادارة بتعليل القرارات.
- اعتماد الشباك الوحيد في تقديم أكثر ما يمكن من الخدمات للمرتفقين.
4) تكوين و تأهيل الموارد البشرية:
إن رهان الاصلاح الاداري لا يتحقق إلا من خلال حسن استثمار الرأسمال البشري و تحفيزه في ضرورة اعتماد التكوين اللامركزي للموارد البشرية: - تحسين النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية على مستوى التوظيف و التنقيط و التكوين المستمر و الترقي.
- اعتماد أسلوب المباراة كوسيلة وحيدة للتوظيف.
- ترشيد التوظيف.
- القانون المتعلق بالتعين في المناصب العليا.
- مرسوم تحديد شروط و كيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العليا.
5) إصلاح منظومات الأجور في الوظيفة العمومية:
واقع منظومات الأجور في الوظيفة العمومية يستدعي إعادة النظر في هذه المنظومة بإقرار مبدأ العدالة و الانصاف و الحد من الفوارق الشاسعة بين الأجور العليا و الدنيا.
6) تبسيط المساطر و الاجراءات الادارية:
التخفيف من الهياكل الادارية و تجميع الوحدات الادارية التي تتدخل في نفس المسطرة و التقليل من الوثائق الادارية ذات الصلة المباشرة بالمواطنين و المستثمرين.
7) تنمية استعمال تكنلوجيا المعلوميات و الاتصال:
و ذلك من أجل الارتقاء بالإدارة المغربية إلى الفعالية و الانتاجية العالية و تحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين و لتحقيق ذلك: - تحسيس المواطن و حثه على الانترنت كوسيلة سهلة و سريعة للمعاملات الادارية.
- تشجيع و تعميم تكنلوجيا المعلوميات بما فيها الانترنت و الحواسب على الادارات العمومية و الجماعات الترابية.
- تكوين و تأهيل موظفي الادارات العمومية في تكنلوجيا المعلوميات.
- الانتقال بالإدارة من الورق إلى المساطر على الخط.
- إطلاق بوابات الكترونية و خدمات إدارية على الخط
- – البطاقة الوطنية الالكترونية – سجل الحالة المدنية – البطاقة الرمادية – رخصة السياقة – التصريح الضريبي…)
خلاصة :
من أجل إنجاح عملية الاصلاح الاداري لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية وتظافر جهود جميع المتدخلين، و تأهيل الموارد البشرية… وكما جاء في خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية “إن اصلاح الادارة يتطلب تغيير السلوكيات و العقليات، و جودة التشريعات، من أجل مرفق إداري عمومي فعال في خدمة المواطن”.
بقلم : مراد علوي باحث في العلوم الإدارية و المالية ـ برحاب كلية العلوم القانونية و الإقتصاديةو الإجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط .
المصدر : فاس نيوز