كلمة ‘عبد اللطيف وهبي’ الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدة رئيسة المجلس الوطني المحترمة.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة أعضاء المجلس الوطني المحترمون.
يشرفني أن ألتقي معكم في هذه اللحظة التاريخية الهامة، لحظة دخول بلادنا محطة ديمقراطية جديدة، عقب إجراء استحقاقات انتخابية مختلفة، جددت مؤسساتنا التشريعية والجهوية والجماعية، في انتظار استكمال تشكيلة مؤسسة الحكومة المقبلة، وهي مناسبة لتسجيل افتخارنا واعتزازنا كمغاربة بربح رهان عبور هذه المحطة الديمقراطية الهامة، رغم الإكراهات والتحديات المتنوعة التي فرضها التصدي لوباء كورونا، غير أنه بفضل إرادة جلالة الملك حفظه الله ونصره، واستجابة الشعب المغربي، تمكنت بلادنا من تجاوز كل الصعاب، وتدليل كل العقبات، وبرهنت لمن في حاجة لذلك، على أن بناء الديمقراطية بالمغرب، ورش إصلاحي جماعي لا رجعة فيه.
وقبل القيام بقراءة جماعية لهذه المحطة الانتخابية في لقائنا هذا، وتحديد معا معالم المرحلة السياسية المقبلة لحزبنا، اسمحوا لي قبل كل ذلك، أن أغتنم فرصة اللقاء بكم، لأنقل إليكم تحيات وتقدير جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، لحزبنا، ولجميع مناضلاته ومناضليه، هذه التحيات الغالية التي رعانا بها جلالة الملك خلال الاستقبال الملكي الذي تشرفت به مباشرة بعد انتهاء مؤتمرنا الرابع بالجديدة، كانت دافعا قويا لعملنا الجماعي، وستظل محط اعتزاز وفخر، ونبراسا للعمل والاجتهاد بمسؤولية وروح وطنية عالية، حتى نكون عند حسن ظن صاحب الجلالة حفظه الله ونصره، وعند ثقة الشعب المغربي في النهوض بقضاياه المختلفة.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة أعضاء المجلس الوطني المحترمون.
يبدو أن أقدارنا كمناضلات ومناضلي حزب الأصالة والمعاصرة لا يسمح لنا بأن نلتقي إلا في المواعيد مع النجاح، فمنذ المؤتمر الرابع الذي شكل محطة سياسية ناجحة في الحياة الحزبية المغربية، بفضل وعي الباميات والباميين بأهمية تجديد حزبهم ومراجعة خطه السياسي والإيديولوجي الذي كلفهم تقديم نقد ذاتي مؤلم، لكنه شجاع أعطى بارقة أمل لكل الديمقراطيين بالمغرب، منذ هذا المؤتمر التاريخي الذي ضن أمامه خصومنا أننا انتهينا كتنظيم وكخطاب، إلى اليوم الذي نلتقي فيه ونحتفل بنجاحنا في الفوز بثقة الناخب المغربي التي بوأتنا المرتبة الثانية في المشهد السياسي المغربي، طيلة هذه الفترة ظلت إرادة اللقاء بكم تشكل فينا عواطف النبل التي تجمعنا، وقيم الإخاء الديمقراطي التي قوت ضميرنا الحزبي المشترك من أجل أن نظل أوفياء لبعضنا، رغم ظروف الجائحة التي أرغمتنا على التباعد وحرمتنا من حياة حزبية داخلية ملئها النقاش والتشاور وتبادل الآراء والمواقف. حرمتنا من لذة الاختلاف ومتعة الجدل وشجاعة الاقتناع ببعضنا البعض.
كلنا يعرف الحماس القوي الذي خرجنا به من المؤتمر الرابع، وكلنا كانت له أفكار وتصورات، بل وأحلام، كان ينتظر بشغف كي يبسطها على أنظار أخواته وإخوانه داخل المجلس الوطني، للتداول حولها ونتفقدها ونتفق حولها وتصبح جزءا من مستقبل هذا الحزب الذي نهديه جميعا زهرة عمرنا خدمة لوطننا.
كلنا كان يتطلع للمساهمة في بناء حزب الأصالة والمعاصرة بشكل مباشر وواقعي، إلا أن الوباء الذي داهم بلادنا، وما استدعاه من معركة وطنية شاملة ضده، حال دون أن نجتمع ونلتقي بالشكل الذي كان الجميع وينتظره. حزبنا ابن هذا المجتمع لا يمكن أن يعيش سوى في ظروفه وحتى مشاكله. ولم يكن ممكنا أن نجتمع في ظروف الطوارئ التي حرمت فئات واسعة من شعبنا من مزاولة أنشطة تعد مصدرا لقوتها ولعيش أسرها.
لقد حاول بعض خصومنا هنا وهناك، استغلال استحالة اجتماعنا احتراما لقانون الطوارئ لمحاربة انتشار الوباء، لدس خطاب الشك والتفرقة بيننا، وللنيل من وحدتنا وعزيمتنا لبناء حزب عتيد قادر على رفع التحديات.
والآن لا يوجد رد أقوى من اجتماعنا هذا، بعد احتلالنا لمكانة محترمة في نتائج الانتخابات للثامن من شتنبر، لنقول لمن كان ولا زال في صدره ضيق أوشك إزاء حزبنا، ها هو حزبكم قوي، متراص الصفوف، يحتل القوة السياسية الثانية في الوطن، معول عليه بشكل كبير للعب دور محوري في العملية السياسية والديمقراطية الراهنة والمستقبلية.
إن اجتماعنا اليوم، ولو عن بعد بفضل التقنية الحديثة، يحمل أكتر من دلالة، واكبر المعاني. انه اجتماع للاحتفال بنجاحنا أولا، والتشاور في المستقبل لهذا النجاح ثانيا. لكنه أيضا اجتماع لنجاح نبل الأخلاق النضالية وسمو قيم المسؤولية، وتشبثنا جميعا بروح التضامن والإخاء التي يستدعيها أي عمل حزبي ناجع. لقد تحلى كل مناضلات ومناضلي المجلس الوطني لحزبنا بحكمة الثقة في قيادة حزبهم، ومنعوا من في قلبهم التفرقة من أن يفرحوا بأي شكل من الأشكال التي تضر بوحدة حزبنا.
أيها الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني المحترمون.
إن إجراء انتخابات لثلاث مؤسسات تمثيلية دستورية في يوم واحد، وفي موعدها الدستوري، وبنسبة مشاركة شعبية عالية وتعددية حزبية واحترام للقوانين، تدل على واقع واحد هو أن الديمقراطية المغربية قد انتصرت، وأصبحت حالة تاريخية قدوة لشعوب العالم التواق للحرية والديمقراطية.
فللديمقراطية نساءها ورجالها، وأن نجاحها هو نتيجة عمل ذؤوب وإيمان راسخ لكل المغاربة الغيورين على تقدم الوطن وازدهاره. وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي حرص حرصا شديدا على تجديد المؤسسات الدستورية في موعدها، وبكل شروطها الديمقراطية.
لهذا نريد أن نجدد الشكر والامتنان على تشبث جلالة الملك حفظه الله بالعملية الديمقراطية، وإصراره على تعميق الاختيار التحديثي المؤسساتي الذي يحتل فيه صوت المواطن مكانة أولى لبناء المستقبل المنشود.
ولم يكن ليحتل حزبنا مكانة مرموقة في هذا الانتصار الديمقراطي لولا تمتعه بمناضلات ومناضلين، قيادة وقاعدة، أبو إلا أن يكرسوا كل إمكانياتهم المادية المتواضعة، لنصرة فكرة حزب الأصالة والمعاصرة، وجعلها فكرة فئات شعبية عريضة من المغاربة، حولت إيمانها بنا إلى التصويت على برنامجنا الانتخابي، حتى حصلنا على المرتبة الثانية بجدارة واستحقاق، في حملة انتخابية مليئة بالتحديات.
فالشكر كل الشكر لجميع مناضلاتنا ومناضلينا في مختلف المواقع والمناطق الذين تحلو بشجاعة النضال على أسس احترام الاختلاف والمنافسة الشريفة والإقناع بالبدائل والحلول دون إخلال بالقوانين والأخلاق.
أيها الإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني المحترمون.
لقد كان انتصار الديمقراطية في بلادنا بفضل تشبث المغاربة بالاختيار الديمقراطي المؤسساتي الدستوري وعلى رأسهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وكان انتصار حزب الأصالة والمعاصرة في التنافس الانتخابي واحتلاله المرتبة الثانية بفضل النضال الخلاق والأخلاقي النبيل لمناضلاته ومناضليه، خاصة عندما يمنحهم المجتمع الفرصة ويضع فيهم الثقة لتسيير وتدبير مؤسسات تمثيلية دستورية.
إن حسن تدبير مناضلاتنا ومناضلينا لجماعات محلية وجهات هامة في المملكة والنتائج الايجابية والمحترمة التي أنجزوها للمواطنات والمواطنين، كانت الفرصة الأساسية التي جعلت المغاربة يقفون عن كتب عند جدية وعودنا وسمو أخلاق المسؤولية عندنا وفعالية حلولنا وقربنا من هموم وقضايا المواطنات والمواطنين.
فنجاحنا في هذه الانتخابات كان ثمرة لعمل نضالي ديمقراطي في أوساط المجتمع المدني كما داخل المؤسسات التمثيلية الدستورية وتحلي إخواننا وأخواتنا بالمسؤولية أثناء تدبيرهم للشأن العمومي المحلي في مجالس عدة جهات، هي التي أعطت العربون بأن حزب الأصالة والمعاصرة إذا عاهد وفا، وإذا عمل أثمر، لأننا حزبا وفيا لا نخدم سوى المواطن والمواطنة.
فهنيئا للشعب المغربي باختياره الديمقراطي الذي ترجم في نسبة مشاركة في التصويت عالية، وهنيئا لنا كمناضلات ومناضلين انتزعنا ثقة الناخب المغربي بأسلوب سياسي متحضر.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة.
لقد كانت لتجربتنا في المعارضة داخل المؤسسات وفي الحياة السياسية المغربية دور كبير في صقل نضالنا السياسي وإغناء لفكرنا الديمقراطي، ومدتنا بمعرفة علمية بواقعنا المغربي. واستطعنا أن نكون صوت من لا صوت له، أمام سياسات حكومية سجلنا اختلافنا معها بالتحليل وبالحجج، الأمر الذي أعطى لحزبنا خبرة ميدانية من جهة، وصورة محترمة داخل المجتمع من جهة أخرى.
كنا حزبا معارضا من أجل الوطن، وقوة اقتراحية بناءة لخدمة مصالح المواطنات والمواطنين ومن أجل التنمية والتقدم، وعملنا بمعية حزبي التقدم والاشتراكية والاستقلال في تنسيق سياسي أساسه الغيرة الجادة عن مصالح الوطن.
واليوم ونحن مقبلين على مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات السياسية الممكنة، فإننا غير مستعدين للتفريط في رصيدنا السياسي، الذي به منحنا جزء مهم من الكتلة الناخبة ثقته، وبوأنا المرتبة الثانية في نتائج الانتخابات.
إن العمل السياسي كما تعلمون ويعلم الجميع، يقتضي الإنصات لكل مرحلة في خصوصيتها، فنحن في مرحلة قال فيها الشعب المغربي كلمته التي يستوجب الإصغاء لها والتجاوب معها، لقد كنا في طليعة من يدافع عن قيم الديمقراطية وقضايا التنمية والتحديث، واليوم الشعب المغربي يمنحنا المرتبة الثانية، فإنه يشير لنا بأن نكون في المواقع التي تمكننا من تطبيق برنامجنا وإيصال أصواتنا. لذلك، وكيفما كانت نتائج مشاوراتنا حول الدخول في المسؤوليات الحكومية لاسيما بعد العرض الجيد الذي تلقيناه من السيد رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها، فإننا سنظل ذلك الحزب الذي ينتصب دائما لنصرة قضايا الوطن، والاستجابة لهموم المواطنين.
إن أية خطوة للمستقبل سوف لن تكون سوى في انسجام تام مع هوية حزبنا كحزب ديمقراطي تحديثي، وتجسيد للموقف الوحدوي الذي سوف ينبثق من مشاوراتنا ونقاشاتنا التي لن تكون سوى غنية وثرية.
لذلك سيكون موقع حزبكم (بعد موافقتكم طبعا)، مكانا مناسبا للوفاء بالتزاماتنا مع الناخب المغربي، ولتطبيق برنامجنا الاقتصادي الذي نال ثقته بدرجة عالية، ولنا تجربة واقعية وكفاءات عالية، كل هذا يؤهلنا لنكون حزبا قويا للمساهمة من داخل الحكومة، في رفع التحديات التي تعترض مستقبل بلادنا.
لقد قال الشعب المغربي كلمته، وحزبنا على دراية كافية لفهمها والتجاوب معها، لما فيه الصالح الوطني العام. إنها كلمة شعب واع بمصلحته، ويريد منا أن ندخل مرحلة سياسية جديدة، بمواصفات حددها عبر نتائج اقتراع الثامن من شتنبر، بعدما أعلنا له مرارا قطعنا مع جميع الخطوط الحمراء، وبضرورة احترام نتائج الانتخابات دون غرور أو مزايدات لن تفيد الوطن بشيء.
أيتها الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني.
إن المكانة المحترمة التي فزنا بها عند الشعب المغربي من خلال العدد الهائل من الأصوات التي عبر بها عن مساندتنا، لا تطرح أمامنا مناقشتكم أمر مشاركتنا في الحكومة وما يحمله من شروط وإمكانيات فقط، وإنما تطرح علينا كذلك أمر بناء حزبنا وتقويته وتنمية قواعده، ليبقى دائما في مستوى الثقة التي وضعها المغاربة في عمله وأخلاق مناضلاته ومناضليه.
إن احتلال المرتبة الثانية في منافسة شديدة أثناء انتخابات في ظروف غير عادية، هو رسالة شعبنا لنا وتحملنا مسؤولية الاضطلاع بعمل حزبي يقود إلى بناء مؤسسة حزبية ديمقراطية، متجدرة في أوساط عموم المجتمع المغربي. لذلك فإننا مطالبين بأن نضاعف الجهود للاستمرار في بناء أداة حزبية تطور أدوارها وتوسع شعبيتها، وتفتح لنضالها آفاق رحبة للدفاع عن مصالح وحقوق المواطنات والمواطنين.
إن نجاحنا في هذه الانتخابات هو أكثر من نجاح في عدد من المقاعد التي حصلنا عليها، إنه أيضا نجاح لاختياراتنا السياسية، ولنهجنا في العمل التشاركي والتشاوري لتصورنا الفكري لقضايا مجتمعنا. لقد أثبتنا أن الديمقراطية كأسلوب تنظيمي وخطاب سياسي ومسؤولية أخلاقية، هي الطريق الوحيد لنيل ثقة مواطناتنا ومواطنينا.
فبنقد ذاتي شجاع قادنا لتجديد أنفسنا شكلا وروحا، وبحصيلة عمل تدبيري لمختلف المسؤوليات التي تقلدناها في مختلف المؤسسات والجهات، وببرنامج انتخابي تجديدي وجريء، وحملة انتخابية ديمقراطية خالية من النزاعة الحزبوية الضيقة، والتزام نضالي كبير لدى مناضلاتنا ومناضلينا، كل هذه الشروط والمنجزات كانت وراء بناء الثقة التي وضعها فينا الناخب المغربي. لذلك فإذا كان مستقبلنا السياسي في التحالفات يحمل عدة إمكانيات. فان ضرورة اهتمامنا بتقوية حزبنا وتعميق حضوره في الأوساط المختلفة داخل المجتمع المغربي تبقى ضرورة حيوية لابد من الاستمرار في إنجازها.
وفقنا الله لما فيه خير بلادنا ومواطنينا، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.