سلسلة صيفية: أصنام من جيل الأبطال.
محسن الأكرمين.
الابتسامات الماكرة:
حين كان الكاتب الروائي يخطط للبطل بأن يعيش في مستنقع زوبعة من مآسي أمواج الحياة. وصف وضعه الحياتي وسط بؤرة التوتر النفسي بأن” الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن”. لحظة وأنا أتابع قراءتي لأحداث “تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن” أحسست أن البطل انتفض من صميم دلالة اسمه الافتراضي على الكاتب، ولم يعد يقدر على تحريكه مثل الكراكيز ملاهي المواسم المسلوبة الإرادة والحياة التقريرية، لم يعد يقدر البطل على لعب أدوار إرضاء “الكومبارس” المحتشد وتوزيع الابتسامات الماكرة والخادعة، ولا حتى أمام الجمهور في قاعة العرض بنهاية تصفيقات باهتة و أخذ صورة يتيمة.
مخرج من ورق:
اقتنعت بالتمام التعاطف مع البطل الافتراضي وبدون خلفيات سلبية ضد الكاتب المتحكم في مسار الشخصيات الرئيسية والثانوية، حينها وقفت عند أسئلة تصدر من شدة حنقه وتكتسي مطالب احترام الذات وتصورات الحياة الاختيارية بالحرية لا بالعنف الفيزيائي الرمزي. عندها تساءل البطل ووجه استفساراته نحو الكاتب : لما تلق بي من مأزق لآخر دون أن تجد لي حلولا إيجابية أرتاح بها من كيد الحياة؟ لماذا تحشرني لزاما في الزمن المغلوق والمكان المفتوح ؟ لماذا تعتبرني مسيرا في كتاباتك لا مخيرا ؟ لما لا تحترم قدراتي العقلية، ومنطق التفكير تجاه الخير والشر؟ لما تحاول الفتك بي قتلا في نهاية الرواية بالموت المأساوي، لتنصع منه لحظة بكاء جماعية، وتصفيقات مدوية عن الألم والوجع؟
الأحداث العفنة:
يخاطب البطل الكاتب بحنق : أنا من اليوم لن ألعب أدوار البطولة الموجهة منك بمحو إرادتي وتفكيري وكيان وجودي، فرغم أني من جيل الافتراض والخيال فإني أحمل قبسا من نور الصدق والخير، ويمكن أن أتحتمل أعراض الكذب والشر في كتاباتك ولو بالإرضاء والنفاق والدوس على الأسباب . يتحرك البطل على الركح وهو يردد: أنا من ترمي به عنوة في حضن مصانع تدوير الأحداث المعفنة، ولا تنصفني إلا بالموت عند نهاية الفصل الأخير .
أحسست عندها أن البطل رمى بقلم الكاتب الأسود وخاطبه ” أسدي أنا باغي نعيش، باغي شوية ديال الحرية ” ، لما لا تكتب “” تأتي الرياح بما تشتهيه السفن” وأتحرر منك ، ويمكن أن أعيش مطمئنا على مستقبل حياتي، ودون خوف من الغرق و لا من الموت، والذي بات يراود حلمي المتكرر كلما رأيتك تحمل ذاك القلم الأسود وممحاة البياض .
بطل من جيل ادفع:
حين انتهى البطل من ثورته الفزعة ولأول مرة في وجه الكاتب وأدوات اشتغاله وتنميطه للأحداث، حين خمد حنقه الزائد والمفرط من إحساسات ظلم الكاتب له في تسطير مجالات تحركاته الافتراضية بطعم الجرح والتعديل. وجدت بأن الحق بجانبه وله الصدق الأكبر في تعرية المستور، وجدت أن تفكير الكتابة قد تدنى من سلالة السلبية ومن خبايا المستقبل غير المريح نحو الفوازع المرتبة بمتتالية ادفع، ويمكن أن يلقي الكاتب بالبطل في السجن مثل سيدنا يوسف ظلما، وجدت في تعبيرات التعليم القديمة قد علموا التلاميذ “لبس قدك يواتيك” علمومهم أن الطموح مستحيل بوجود مطبات تخفيض السرعة المتتالية والتي تتحكم فيها رادارات السلطة، رسبوا فيهم الإحباط وصوروا المستقبل بحرب البطالة التي لا كر عليها، علموهم أن ابن الفلاح فلاح، وأن ابن الخراز إسكافي خريج من مراكز التكوين، وأن ابن الغني مقاول عائلي ومنعش اقتصادي.
ثورة على المخرج:
لأول مرة أرى أن البطل الافتراضي ينتفض على صانع أحداثه، وأصفق له وبدون توقف وهو في الركح وحيدا مع مشاهد فريد بالتنوع. لأول مرة أرى البطل يطالب برؤية ايجابية، وثقة في الغد والمستقبل وبدون تحكم من الكاتب المستبد. لأول مرة أصفق على البطل لا على الكاتب وأعترف له أنه كان يريد الحرية فقط، لأول مرة وددت أن أحصل على نسخة من رواية “ريح الصدفة… من جيل “كورونا” اللعين” موقعة من البطل الافتراضي لا من الكاتب.