كلمة السيد مولاي الحسن الداكي رئيس النيابة العامة بمناسبة افتتاح أشغال الدورة الخامسة لبرنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان.
الرباط- الإثنين 14 يونيو 2021
باسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
السيد وزير العدل؛
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
السيد وسيط المملكة؛
السيدات والسادة المسؤولين القضائيين؛
السيدات القاضيات والسادة القضاة؛
السيدات والسادة ممثلو المؤسسات الوطنية؛
أيها الحضور الكريم.
أتشرف اليوم أن أفتتح، إلى جانب السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبحضوركم، أشغال الدورة الخامسة لبرنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان لفائدة فوج خامس، علما أنه استفاد منه، إلى حدود اليوم، وعلى مدى أربعة أشهر أربعة أفواج يتكونون أساسا من قضاة النيابة العامة وعددهم 338 قاضية وقاض إضافة إلى 110 من أطر ومسؤولي رئاسة النيابة العامة، فضلا عن 57 مستفيدة ومستفيدا يمثلون مؤسسات وطنية أخرى من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان وضباط الشرطة القضائية بالأمن الوطني والدرك الملكي ومسؤولين من المندوبية العامة لإدارة السجون.
وأنا اقتسم معكم اليوم، السيد الرئيس المنتدب، شرف هذا الافتتاح ومواصلة تنفيذ هذا البرنامج النوعي والطموح، والذي يعد سابقة نوعية على الصعيد الوطني والإقليمي وتجربة متميزة على الصعيد الدولي، فإنني أذكر بأن الفضل يعود إليكم في اعتماده وتوفير شروط إطلاقه لما كنتم رئيسا لهذه المؤسسة، كما حرصتم على أن يتم ذلك في يوم له دلالة خاصة بالنسبة لبلادنا وبالنسبة للمجتمع الدولي والذي صادف الذكرى 72 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويجدر التذكير، كذلك، بالأهمية القصوى التي يكتسيها هذا البرنامج، كما تم بيان ذلك في الإطار المرجعي الخاص به في الأسباب الموجبة له، والمتمثلة أساسا في المكانة المتميزة التي أولاها دستور المملكة المغربية لحقوق الإنسان الذي أكد على التزامها وتشبتها بها كما هي متعارف عليها عالميا، وكرس الضمانات الأساسية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ونص على عدد من هيئات حقوق الإنسان وعلى استقلال السلطة القضائية وتعزيز دورها في حماية حقوق الإنسان. بل إنه خصص بابا كاملا، وهو الباب الثاني، لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ولا سيما المواد من 19 إلى 40 منه.
كما نؤكد، مرة أخرى، على أن اعتماد هذا البرنامج تفرضه ضرورة مواكبة انخراط المملكة المغربية المضطرد في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والذي يتجلى على الخصوص في استكمال الانخراط في اتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية وتعزيز التفاعل مع الآليات والهيئات الدولية الموكول إليها مراقبة إعمال الدول لمقتضيات تلك الاتفاقيات مع ما يترتب عن ذلك من التزامات.
هذا فضلا عن أن بعد حقوق الإنسان حاضر بقوة في عمل القضاة باعتبار القضاء ضمانة أساسية لحماية حقوق الإنسان في مختلف أبعادها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
كما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، “بصفته رئيسا للنيابة العامة، والمسؤول القضائي الأول عن حسن سيرها في ظهير تعييني بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، مستمسكا، هو وسائر القضاة العاملين تحت إمرته، بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتآها جلالته نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات….” (ظهير شريف رقم 1.21.33 صادر في 12 شعبان 1442 موافق 26 مارس 2021.
حضرات السيدات والسادة؛
إذا كان الجزء الأول من هذا البرنامج، الذي نواصل تنفيذه اليوم، قد ركزت مكوناته على التعريف بالإطار الدولي لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها ولا سيما الاتفاقيات الدولية الأساسية في مجال حقوق الإنسان ، وبالهيئات الأساسية في منظومة الأمم المتحدة المكلفة بتتبع تنفيذ مقتضيات تلك الاتفاقيات، ومكانة البلاغات الفردية (الشكايات) في تلك المنظومة، فإنه من بواعث الاعتزاز التذكير مجددا بأننا بصدد الإعداد للجزء الثاني منه، بدعم من مجلس أوربا، لتعميق المعرفة في العديد من المواضيع والقضايا بربطها بممارسة القضاة، وتناول بعض الحقوق من خلال التطرق لمفهومها ونطاقها في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وعرض وتملك المعايير الدولية المترتبة عن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي تحمي تلك الحقوق، واجتهادات وقرارات الهيئات المعنية، وطبيعة التزامات الدول بموجب تلك الاتفاقيات، واجتهادات المحاكم الوطنية والدولية ودور القضاة وقضاة النيابة العامة في حماية تلك الحقوق.
وإيمانا من رئاسة النيابة العامة بضرورة التكوين بصفة عامة وبتنمية الوعي بحقوق الإنسان بصفة خاصة وإعمال معاييرها بالنسبة للقضاة بمن فيهم قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة، وبخصوصية هذا البرنامج وتميزه عن أي برنامج آخر، فإننا سنواصل، بالتعاون مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، توفير كافة الشروط الكفيلة بمواصلة تنفيذه وإنجاحه آملين أن يحقق الأهداف المرجوة منه وأن يستفيد منه كل قضاة المملكة أو جلهم على الأقل.
حضرات السيدات والسادة؛
اسمحوا لي في ختام هذه الكلمة أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إعداد هذا البرنامج وتنفيذه وإلى كل الأساتذة الأجلاء المتدخلين والمكونين والساهرين على هذا التكوين، آملين أن يحقق الأهداف المرجوة منه وأن يساهم في تقوية دور القضاء في حماية حقوق الإنسان، طبقا لمقتضيات دستور المملكة المغربية وإعمالا للمعايير الدولية المنبثقة عن اتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها بلادنا.
كما أحث السادة المستفيدين من هذا التكوين استغلال هذه الفرصة لنهل ما أمكنهم من مجالات حقوق الإنسان.
ولا يفوتني أن أتوجه بشكر خاص للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على العناية الخاصة التي أولاها لهذا البرنامج وللسيد الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة ولكافة مسؤولي وأطر رئاسة النيابة العامة والمسؤولين والأطر بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على ما يبذلونه من جهود لإنجاحه.
كما أتقدم بالشكر والامتنان لمجلس أوربا وللاتحاد الأوربي على التحاقهما بنا في هذا البرنامج الذي حظي بدعمهما بدءً من الفوج الرابع وكذلك بالنسبة للمرحلة الثانية منه التي نعتزم إطلاقها في أقرب الأوقات.
حفظ الله مولانا المنصور بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له العز والتأييد بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده المحبوب الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
والله ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.