البيان الختامي للدورة العادية للمجلس الوطني
لحزب العدالة والتنمية
دورة طوفان الأقصى
يناير 2024
عَقَدَ بعون الله وحسن توفيقه المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية دورته العادية برسم سنة 2024: دورة طوفان الأقصى، يومي السبت والأحد فاتح و2 رجب 1445هـ الموافق لـ 13 و14 يناير 2024، بمجمع مولاي رشيد للشباب والطفولة ببوزنيقة. وتحضيرا لهذه الدورة اجتمعت، عن بُعْد، اللجان الأربع الدائمة للمجلس الوطني يومي السبت 06 والأحد 07 يناير 2024، لمناقشة الأوراق المعروضة على المجلس الوطني واقتراح التوصيات بشأنها من طرف كل لجنة في مجال اختصاصها.
وفي جو أخوي طبعه الحماس والشعارات المساندة للقضية والمقاومة الفلسطينية والداعمة لطوفان الأقصى، انطلقت الجلسة الافتتاحية بكلمة للأخ رئيس المجلس الوطني الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، توقف فيها عند الدلالات والمعاني التي تميزت بها بعض الأحداث الكبيرة التي شهدتها سنة 2023 على صعيد وطننا وأمتنا وحزبنا، والتي جمعت بين الآلام والآمال، سواء تلك المتعلقة بزلزال الحوز وَالْهَبَّةِّ الشعبية والرسمية التضامنية المشهودة، أو بملحمة طوفان الأقصى التي أحيت القضية الفلسطينية وأيقظت الضمائر الشعبية عبر العالم. وذكر بفقدان حزبنا لمجموعة من أعضاء الحزب والمجلس الوطني، وعلى رأسهم الأخت الوزيرة والقيادية الحزبية والنسائية سمية بنخلدون، والحاج أبو بكر بلكورة رئيس جماعة مكناس سابقا، والمقاوم الحاج حماد زهير، وهو من رفاق الدكتور عبد الكريم الخطيب والأستاذ بن عبد الله الوكوتي رحمة الله عليهم جميعا. وتمت بهذه المناسبة قراءة الفاتحة ترحما عليهم وعلى شهداء زلزال الحوز، وشهداء الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسهم الشيخ المجاهد الشهيد صالح العاروري، وتوسلا للمولى عز وجل بأن ينصر المجاهدين في غزة وفلسطين ويثبت أقدامهم ويسدد رميهم.
كما تميزت الجلسة الافتتاحية بالتقرير السياسي الهام الذي تقدم به الأخ الأمين العام الأستاذ عبد الاله ابن كيران، والذي خَصَّصَ جزءا معتبرا منه لتحليل الأبعاد الإيمانية والسياسية والاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى، معتبرا أن هذا الحدث غير المتوقع وغير المسبوق أحيا القضية الفلسطينية التي كان يراد تصفيتها، وأحيا قضية القدس الشريف والمسجد الأقصى الذي كان على وشك أن يسيطر عليه العدو الصهيوني، وهزم الجيش الذي زعم أنه لا يقهر، وأوقف موجة التطبيع، وأثبت أن الأمة يمكن أن تنتج قيادات عبقرية وأن تقوم بأعمال بطولية وأن تضرب الأمثال في التضحية والصبر والصمود، وأكد أن دولة الاحتلال الصهيوني بطبيعتها العنصرية، وبارتكابها لهذه الجرائم الفظيعة تبرهن أنها لا تملك ولم تعد تملك مقومات الدولة القادرة على القيادة والحكم، ومعتبرا أن صمود المقاومة لمدة 100 يوم أمام العدوان الصهيوني الهمجي معجزة حقيقية تستحق الاعتبار وتعلمنا أن الشعوب تريد الكرامة أولا وأخيرا وهي مستعدة للتضحية من أجلها، وداعيا النخب السياسية في العالم العربي والإسلامي إلى التمسك والاعتزاز بالمرجعية الإسلامية التي هي مصدر عزة وقوة الأمة وسبب انتصاراتها.
كما توقف الأخ الأمين العام عند القضية الوطنية مجددا نداءه للأشقاء الجزائريين بالوحدة وإصلاح ذات البين في إطار الأخوة وحسن الجوار وتجنب الفرقة والتقسيم والكف عن دعم الانفصال، معتبرا أن المقترح المغربي القاضي بالحكم الذاتي في الأقاليم المغربية الجنوبية هو مقترح واقعي ذو مصداقية وكفيل بإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبعد استعراضه لمضامين التقرير السياسي الذي تطرق للوضعية السياسية بالبلاد بشكل مفصل وخصوصا ضعف أداء الحكومة وعجزها في إيجاد الحلول لمختلف التحديات والملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها سواء تعلق الأمر بملف التعليم أو بغلاء الأسعار أو بغيرها من الملفات، ختم الأخ الأمين العام كلمته بدعوة أعضاء الحزب إلى الاستمرار في عملهم والاعتزاز بحزبهم وبتجربته الرائدة سواء في العمل السياسي الجاد والمسؤول أو على مستوى التدبير العمومي أو من موقع المعارضة، كما دعاهم إلى الانفتاح على المواطنين والمواطنات وشرح مواقف الحزب لهم.
وعلى مستوى التدبير والتنظيم الحزبي، قدم كل من الأخ سعيد خيرون، المدير العام للحزب، تقريرا حول أداء الحزب برسم سنة 2023؛ والأخ بهاء الدين أكدي، أمين المال الوطني للحزب، تقريرا حول تنفيذ ميزانية الحزب لسنة 2023؛ والأخت حكيمة فصلي، رئيسة لجنة مراقبة مالية الحزب، تقريرا حول مراقبة تنفيذ ميزانية الحزب برسم سنة 2022.
كما تم تقديم تقارير حول أشغال اللجان الدائمة للمجلس، ولاسيما في شقها المتعلق بمشروع برنامج الحزب لسنة 2024؛ ومشروع ميزانية الحزب لسنة 2024؛ والتوصيات المقترحة بشأنها.
كما تم تقديم والمصادقة بالتصويت على برنامج عمل الحزب لسنة 2024؛ وميزانية الحزب لسنة 2024؛ والتوصيات ذات الصلة بناء على اقتراحات اللجان الدائمة للمجلس.
كما صادق المجلس الوطني بالإجماع على مقترح الأمانة العامة بعقد المؤتمر الوطني العادي التاسع للحزب خلال الفترة بين أبريل وماي 2025 إن شاء الله؛ وصوت المجلس الوطني على انتخاب رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر؛ وعلى مسطرة تحديد صلاحيات ومنهجية اشتغال اللجنة التحضيرية للمؤتمر.
وفي جو من الإحساس بالمسؤولية اتجاه طبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا وأمتنا وحزبنا، وما تستوجبه من وضوح في التشخيص وصراحة في تدقيق المسؤوليات وجرأة في اقتراح البدائل، وبعد المناقشة المستفيضة من طرف أعضاء المجلس الوطني لمضامين التقرير السياسي ومختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية والمستجدات على مستوى قضايا أمتنا وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ والعدوان الصهيوني الوحشي المتواصل على غزة وفلسطين؛ والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني البطل والأداء البطولي للمقاومة الفلسطينية الباسلة في معركة طوفان الأقصى، ومدارسة المستجدات والقضايا الحزبية، يؤكد أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية على المواقف التالية:
⦁ يثمن المجلس الوطني عاليا مضامين التقرير السياسي للأخ الأمين العام ويحيي جهود الأمانة العامة للحزب التي وقعت على سنة متميزة من الأداء النضالي والحزبي وإنتاج المواقف السياسية المناسبة من موقع المعارضة الوطنية الجدية والصادقة والمسؤولة، كما يحيي الأداء البرلماني المتميز للمجموعة النيابية بمجلس النواب ومختلف الأنشطة الحزبية الوطنية والمحلية التي تنظمها مؤسسات الحزب وهيئاته الموازية والمجالية، ويشيد بالدور الذي يقوم به منتخبو الحزب في مجالس الجهات وباقي الجماعات الترابية.
بخصوص رأس السنة الأمازيغية:
⦁ يتقدم المجلس الوطني بالتهنئة الخالصة لجلالة الملك حفظه الله ولعموم الشعب المغربي، بمناسبة احتفال بلدنا -لأول مرة- برأس السنة الأمازيغية بعد أن تفضل جلالة الملك حفظه الله، في 03 ماي 2023، بإقرارها عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، باعتبار الأمازيغية جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة والغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
بخصوص القضية الفلسطينية وملحمة طوفان الأقصى:
⦁ يعتز المجلس الوطني أيما اعتزاز ويفتخر عاليا بمعركة طوفان الأقصى التي تعتبر منعطفا تاريخيا أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وأسهم في وضعها في إطارها الصحيح، وهو إصرار شعب فلسطين البطل والأبي على التحرر من الاحتلال الاستيطاني العنصري الصهيوني الجاثم على الأراضي الفلسطينية منذ 76 سنة، ومواجهة المحاولات المتكررة والماكرة للكيان الصهيوني في سعيه للاستيلاء على المقدسات وعلى رأسها القدس الشريف والأقصى المبارك، مما يستوجب على جميع الدول العربية والإسلامية والشعوب وكافة أحرار العالم، دعم المقاومة الفلسطينية وحقها الثابت والمشروع في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي كشف عن وجهه الدموي الشنيع، وهو يواصل بوحشية حرب الإبادة ضد شعب أعزل، ويرتكب المجازر اليومية في حق المدنيين العزل ويستهدف الأطفال والنساء والأطقم الطبية والصحافيين وعائلاتهم، ويقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ويقوم بتجريف المقابر وسرقة أعضاء القتلى، ويحرم ساكنة غزة من الطعام والشراب والدواء والوقود والماء والكهرباء، وبعد فشله وعجزه في مواجهة المقاومة الباسلة في غزة، امتدت أياديه الآثمة لاستهداف قيادات المقاومة في الخارج والاعتداء على سيادة دولة مستقلة باغتيال الشيخ المجاهد صالح العاروري رحمه الله وإخوانه في القسام، في الضاحية الجنوبية لبيروت بدولة لبنان الشقيقة.
⦁ يحيي المجلس الوطني الموقف التاريخي لدولة جنوب إفريقيا وكل الدول والمنظمات الداعمة لها برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بإدانة الكيان الصهيوني بممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ويتمنى أن يقوم قضاة المحكمة بما يمليه عليهم ضميرهم المهني والإنساني وإدانة الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها هذا الكيان، وبما يوقف حرب الإبادة التي يمارسها يوميا ومنذ سنوات ضد المدنيين في غزة وفلسطين عموما.
⦁ يستنكر المجلس الوطني تخلف الأنظمة العربية والإسلامية عن تنفيذ ما التزمت به في قمة الرياض بما فيه تحرك اللجنة الخماسية المنبثقة عنها، وكسر الحصار وفتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية والعمل على إقرار وقف إطلاق النار واكتفائها بالتفرج على الإبادة المتواصلة لشعب أعزل، ويدعو عموم الدول العربية والإسلامية وكافة أحرار العالم التحرك العاجل من أجل الوقف الفوري للعدوان الصهيوني على غزة، ووضع حد لجريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، وتوظيف كافة أشكال الضغط الممكنة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، ويدعوها إلى قطع جميع علاقات الاتصال والتواصل والتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، أمام هذه الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
⦁ يجدد المجلس الوطني التأكيد على أن موقف الحزب كان وسيظل دوما ثابتا برفضه للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومحذرا من مخاطر الاختراق الصهيوني، وهو ما تجسده مواقف المجلس الوطني للحزب، وأمانته العامة عبر بياناتها المتتالية بهذا الخصوص، وموقف المجموعة النيابية للحزب التي صوتت ضد اتفاقيات التعاون مع الكيان الصهيوني، ورفضت الانخراط فيما يسمى باللجنة البرلمانية الصداقة المغربية مع الكيان المحتل، ودعت إلى حلها.
⦁ وفي هذا السياق، يؤكد المجلس الوطني بوضوح مطالبته بإلغاء التطبيع ويدعو إلى قطع جميع علاقات الاتصال والتواصل والتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وإغلاق ما يسمى “مكتب الاتصال الإسرائيلي” بالرباط وطرد رئيسه وجميع ممثليه بشكل رسمي، والاستجابة لنبض المجتمع المغربي الرافض للتطبيع، ويستنكر المجلس الوطني ما أقدم عليه ما يسمى مكتب الاتصال المغربي “بتل أبيب” بنشر إعلان مستفز ومعاكس لمطالب الشعب المغربي وللمسيرات والوقفات والفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني والْمُطَالِبَةِ بقطع كل أنواع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، وفي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني الشقيق الأعزل للتقتيل والإبادة الجماعية والتجويع أمام استكبار غير مسبوق للكيان المحتل.
⦁ يستغرب المجلس الوطني منع الحكومة لمجموعة من الشخصيات الوطنية والنشطاء الجمعويين من ممارسة حقهم الدستوري في تسليم عريضة إلى رئيس الحكومة وقعها الآلاف من المواطنين والمواطنات للمطالبة بإلغاء “اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل”، و”الإغلاق النهائي لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط”، ويدعوها إلى الامتثال إلى المقتضيات الدستورية والقانونية والممارسة الحكومية في مجال التعامل مع العرائض وطريقة تسليمها لرئيس الحكومة.
بخصوص قضيتنا الوطنية الأولى:
⦁ يتابع المجلس الوطني تطورات القضية الوطنية وما شهدته من تقدم على طريق الحسم النهائي لقضية وحدتنا الترابية انطلاقا من المقترح المغربي للحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية تحت سيادة المغرب وفي إطار وحدته الترابية، وهو ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في أكتوبر 2023 ثم زيارة مبعوثه الشخصي للمنطقة ووقوفه على المجهود التنموي والاستثماري المتواصل لتنمية الأقاليم المغربية الصحراوية في مقابل انهيار الطرح الانفصالي وتأكد عدم واقعيته، وفي هذا السياق، يؤكد المجلس الوطني أن الصخرة التي تتحطم عليها جميع المؤامرات الخارجية التي تستهدف النيل من وحدتنا الوطنية هي تماسك جبهتنا الداخلية في إطار مؤسسات ديموقراطية حقيقية ومصالحة حقوقية نهائية، والتشبث بالثوابت الوطنية الجامعة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك أمير المؤمنين حفظه الله ضامن دوام الدولة ورمز وحدتها.
بخصوص قضايا الحقوق والحريات الدستورية:
⦁ يثمن المجلس الوطني عاليا انتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما يؤكد المكانة التي يحظى بها المغرب على الصعيد الدولي، نتيجة مختلف الإصلاحات والمجهودات التي يبذلها في مجال حماية واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يجعل مسؤوليتنا أكبر ويدعونا إلى بذل المزيد من الجهد لتكريس الحقوق والحريات الدستورية والحفاظ على المكتسبات الحقوقية، وتجنب كل ما من شأنه أن يمس بهذا المسار وهذه المكانة.
⦁ ويدعو المجلس الوطني في هذا الصدد، إلى اعتبار هذه المناسبة فرصة مواتية وسانحة لبث دينامية ونفس سياسي وحقوقي جديد باستحضار روح الإنصاف والمصالحة، وإعمال فضيلة العفو الملكي الكريم والطي النهائي لملفات المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والصحفيين وكتاب الرأي المدونين، بما يحصن المكتسبات والتراكمات التي حققتها بلادنا، ويساهم في تمتين الجبهة الداخلية ويرسخ حرية التعبير والصحافة والإعلام، ومختلف الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، ويعزز صورة بلادنا في المجال الديمقراطي والحقوقي.
بخصوص ورش إصلاح مدونة الأسرة:
⦁ يتابع المجلس الوطني باهتمام كبير ملف إصلاح مدونة الأسرة الذي أعلن عنه جلالة الملك أمير المؤمنين حفظه الله من أجل “تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك”، باعتبار أن الأسرة كما قال جلالته هي “الخلية الأساسية للمجتمع، حسب الدستور، لذا نحرص على توفير أسباب تماسكها. فالمجتمع لن يكون صالحا، إلا بصلاحها توازنها. وإذا تفككت الأسرة يفقد المجتمع البوصلة”، ومؤطرا هذه المبادرة الإصلاحية النبيلة بالمحافظة على مؤسسة الأسرة وتعزيز مكانتها داخل المجتمع، وتعزيز قيم الإسلام السني المالكي، وبمقولته التاريخية: ّ”وباعتباري أمير المؤمنين فإني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”، لكون المقتضيات الشرعية تبقى من اختصاص جلالته بصفته أمير المؤمنين.
⦁ يؤكد المجلس الوطني موقف الحزب الرافض لبعض المواقف النشاز من الداخل أو التي وردت في توصيات دولية في اتجاه محاولة إبعاد المرجعية الإسلامية وعلمنة نظام الأسرة وخدمة سياسات تفكيكها وإضعافها وتحقيق ما تم الفشل فيه قبل حوالي عشرين سنة، ويحيي انخراط الحزب في هذا الورش ويشيد بالمذكرة التي قدمها الحزب بتاريخ 29 نونبر 2023 أمام الهيئة المكلفة بإعداد تعديلات مدونة الأسرة، والتي تنطلق في مقترحاتها من المرجعية والمرتكزات التي ينبغي أن تحكم أي إصلاح والمتمثلة في ضرورة التزام المرجعية الإسلامية واعتبار المقتضيات الدستورية واحترام التوجيهات الملكية وقناعات الشعب المغربي المسلم.
⦁ وفي هذا السياق، يستنكر المجلس الوطني بقوة مقترحات وتوصيات المذكرة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة يوم 20 دجنبر 2023، بمضامين غريبة عن ثوابت وهوية المجتمع المغربي المسلم ومستفزة للشعور الوطني، ومتجاوزة بشكل فج لمقتضيات الدستور وللتوجيهات الملكية السامية المؤطرة لورش مراجعة المدونة ولمرتكزات الممارسة الاتفاقية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، التي تتحفظ وترفض جميع التوصيات المخالفة للشريعة الإسلامية وللثوابت الجامعة لبلدنا، مع العلم أن مدة انتداب رئيسة المجلس قد انتهت منذ 06 دجنبر 2023، بعد تعيينها بتاريخ 06 دجنبر 2018، وفقا لمقتضيات المادة 37 من القانون رقم 15.76 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان.
بخصوص الوضعية السياسية والعمل الحكومي:
⦁ يحذر المجلس الوطني من خطورة الفراغ السياسي غير المسبوق الذي تعيشه البلاد وتجلياته الواضحة على مستوى فقدان الثقة في السياسة وفي الأحزاب السياسية والنقابات الممثلة للطبقة الشغيلة، وتراجع أدوارها في الوساطة المؤسساتية وفي عقلنة المطالب الاجتماعية، وهو ما أفرز العديد من الاحتجاجات الفئوية التي أكدت صوابية تحليلنا الذي نبهنا له منذ تشكيل هذه الحكومة التي تعاني منذ اليوم الأول من أزمة مركبة وهي أزمة مشروعية وأزمة ثقة وأزمة فعالية وأزمة تواصل، وهو ما حول المؤسسات المنتخبة إلى مؤسسات شكلية عاجزة عن التواصل السياسي المسؤول واتخاذ القرار الواجب في الوقت المناسب، ويؤكد أن ما يجري من انتكاسة وتردي في تدبير الشأن العام سببه بالأساس إضعاف الأحزاب الوطنية الحقيقية واستهداف المناضلين والشرفاء من أبناء الوطن، في مقابل التمكين لكائنات انتخابية فاسدة لا تتقن سوى نهب المال العام والسعي نحو الإثراء غير المشروع، وترسيخ زواج المال بالنفوذ السياسي مع محاولة السطو على مقدرات الدولة واختراق مؤسساتها، وهي نتيجة حتمية للمقاربة الخاطئة التي اعتمدت في تدبير نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وفي الهندسة الانتخابية التي اعتمدت في تنظيم الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية ل08 شتنبر 2021 وما أفرزته من مؤسسات مغشوشة.
⦁ يعبر المجلس الوطني عن محدودية وقصور وضيق نظر الحكومة في تدبير ملفات الحوار الاجتماعي من خلال اعتمادها لمقاربة قطاعية ضيقة ومنهجية لا تستحضر الأولويات وواجب الإنصاف والعدالة بين مختلف موظفي الدولة، وهو ما أدى في النهاية إلى فقدان الثقة في الحكومة وتزايد الاحتجاجات الفئوية وبروز ظواهر يصعب معها إدارة الحوار الاجتماعي والقطاعي بشكل هادئ ومسؤول يراعي المصلحة العامة وإمكانيات الدولة ومصلحة عموم المواطنين والمواطنات وحقوق وواجبات هذه الفئات، ويحفظ استمرارية المرافق والخدمات العمومية.
⦁ وفي هذا السياق، توقف المجلس الوطني عند التدبير المرتبك والمتعثر للحكومة للنظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، ويعتبر أن تعطيل الدراسة لمدة ثلاثة أشهر يعتبر كارثة وطنية غير مسبوقة ترهن حق الأجيال القادمة في التعلم والمعرفة وتتحمل مسؤوليتها الحكومة بالدرجة الأولى بسبب تدبيرها الارتجالي لهذا الملف، ويدعو الحكومة إلى التسريع بإخراج مرسوم جديد يكرس نظاما أساسيا عادلا ومنصفا لموظفي التربية الوطنية، والتراجع الفوري عن قرارات التوقيف المؤقت للأساتذة المضربين، كما يدعو رجال ونساء التعليم ويعول كثيرا على حسهم الوطني والمهني إلى العودة الفورية إلى المدارس والعمل على استدراك الزمن البيداغوجي المهدور بما يحفظ مصلحة التلاميذ ويعيد الطمأنينة إلى الأسر.
⦁ ينبه المجلس الوطني الحكومة الى ضرورة تسريع استكمال تنزيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، نظرا للوضعية المائية الصعبة لبلدنا مع ضرورة وضع تدابير استعجالية لتوفير الماء الصالح للشرب للمناطق الناقصة التزويد القروية والجبلية والمناطق المتضررة من زلزال الحوز، والتعامل بما ينبغي من المسؤولية لتسريع إنجاز مختلف المشاريع المهيكلة ذات الصلة، واعتماد خطاب مسؤول والكف عن تحميل المسؤولية للحكومات السابقة، خصوصا ما يتعلق بالتبذير في المجال الفلاحي، والذي ما فتئ تحت مسؤولية نفس الوزير ونفس الحزب منذ سنوات عديدة.
⦁ كما يدعو المجلس الوطني الى تسريع إصدار المخطط الوطني للماء، ومراجعة مقاربة تدبير الثروة المائية التي تعرضت للإجهاد والتبذير مما صار يشكل خطرا حقيقيا على الأمن الغذائي الوطني ويهدد القدرة على الاستجابة للطلب الوطني من الماء، ويؤكد على ضرورة تطوير السياسات الفلاحية بدليل تصاعد نسب تصدير المنتوجات الفلاحية المستهلِكة للماء، وهو ما أدى الى استنزاف الفرشة المائية والمُقَدِّرات الوطنية من الماء، كما أدى إلى غلاء غير مسبوق في أسعار الخضر والفواكه في السوق الوطنية.
⦁ ويدعو المجلس الوطني بهذه المناسبة عموم المواطنات والمواطنين ومنهم مناضلات ومناضلي الحزب الى الانخراط المسؤول في الحملات الوطنية لترشيد استعمال الثروة المائية، سائلين الله عز وجل أن يسقينا غيثا صيبا نافعا.
⦁ ينبه المجلس الوطني الحكومة إلى عدم المس بالمكتسبات الاجتماعية المعتبرة التي حققتها بلادنا لصالح الفئات الفقيرة والهشة؛ بالحفاظ على كل الحقوق المكتسبة للمستفيدين الحاليين من مختلف البرامج القائمة أو السابقة (راميد؛ الأرامل؛ تيسير، مليون محفظة، المنح الجامعية…) من خلال تسجيل المستفيدين تلقائيا في السجل الاجتماعي الموحد، ويدعو إلى تصحيح المسار الخاطئ في تدبير عملية تحويل المستفيدين من نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض “تضامن” والذي يتم بفاتورة تفوق أربع مرات فاتورة استشفاء 60% من المستفيدين سابقا، حيث ترتب عن هذا التحويل تحمل الدولة لمبلغ سنوي قدره 9,5 مليار درهم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مقابل التكفل ب11 مليون مستفيد ومستفيدة فقط، في مقابل المبلغ السنوي الذي كانت تتحمله الدولة في السابق برسم نظام المساعدة الطبية “راميد”، والذي ورغم بلوغه أوجه في 2022، لم يتعد 2 مليار درهم لفائدة 18,44 مليون مستفيد ومستفيدة، وهو وبقدر ما يدعم القطاع الخاص على حساب تهميش ومواصلة القضاء على القطاع العام، فإنه يبذر إمكانيات مالية ضخمة كان بالإمكان أن تقتصد وتستثمر لإصلاح المنظومة الصحية العمومية وإحداث التوازن والتكامل المطلوبين بين القطاعين العام الخاص في هذا المجال.
⦁ يثمن المجلس الوطني مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي المباشر باعتباره مشروعا ملكيا ووطنيا كبيرا ممتدا في الزمن، بنص القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية الصادر الظهير الشريف بتنفيذه في مارس 2021، وشكل أحد عناصر البرنامج العام لحزب العدالة والتنمية ودافع عنه الحزب باستماتة وشرع في تنزيله من موقعه في الحكومة عبر دعم الأرامل والمطلقات والزيادة المهمة في عدد المستفيدين وفي الميزانية المخصصة للمنح الجامعية، وتوسيعها لتشمل طلبة التكوين المهني، والزيادة في عدد المستفيدين وفي الميزانية المخصصة لبرنامج تيسير لدعم التمدرس، ويذكر المجلس الوطني رئيس الحكومة بموقفه السابق الرافض للدعم المباشر الذي وضعه كشرط من أجل المشاركة في حكومة عبد الاله ابن كيران الثانية، وعليه فإن المجلس الوطني وهو يقدر هذا التوجه الاستراتيجي الوطني، يدعو إلى الانخراط في توفير شروط نجاحه، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بمعايير الاستفادة، وتعبئة الموارد اللازمة للتمويل وضمان استدامتها، وتدبير العلاقة مع البرامج الأخرى، وحكامة هذا النظام، والشفافية والإنصاف المطلوبين، وهو ما يدعو إلى تعبئة وطنية شاملة لإنجاحه وضمان استدامته.
⦁ يسجل المجلس الوطني الارتباك الكبير في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة بعد التعثر في تفعيل مقتضيات ميثاق اللاتمركز الإداري من جهة، وفي ظل التأخر الحاصل في تفعيل برامج التنمية الجهوية وتنزيل مشاريعها، بما يشكل إفرازا طبيعيا يعكس التلاعب بالإرادة الشعبية الذي عكسته انتخابات 8 شتنبر 2021، وبهذه المناسبة يدعو المجلس الوطني إلى ضرورة تسريع وضمان شفافية تنزيل برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز، ومراجعة برنامج الفوارق المجالية والاجتماعية وإعادة الصياغة والجدولة المالية والزمنية والمجالية لهذا البرنامج ليشمل باقي المناطق غير المستفيدة.
⦁ ينبه المجلس الوطني إلى قصور ومحدودية وفشل المقاربات الحكومية لمعالجة موجة غلاء الأسعار وآثار الجفاف ودعم الفلاحين ولاسيما الصغار منهم، عبر إعلان قرارات جوفاء باعتمادات مالية ضخمة لا يتم صرفها أصلا، أو يتم تصريفها عبر قنوات لا تصل من خلالها إلى المواطنين المحتاجين والمعنيين مباشرة بقدر ما يستفيد منها كبار الفلاحين والاستغلاليات الفلاحية والفلاحة التصديرية، ولا يكون لها أي أثر يذكر على الأسعار وعلى القدرة الشرائية للمواطنين.
بخصوص ملفات الفساد والمتابعات التي تطال بعض المنتخبين:
⦁ ومع تأكيده على احترام قرينة البراءة وسرية التحقيق والمساطر والقضائية ذات الصلة، يعتبر المجلس الوطني من الناحية السياسية بأن المتابعات القضائية الجارية في حق عدد من المسؤولين في إطار ما يسمى ب”قضية إسكوبار الصحراء” تؤكد التخوفات التي سبق أن عبر عنها الحزب في عدة محطات ومنذ سنوات عديدة، والتي نبه فيها إلى المحاولات الجارية من أجل السطو على مؤسسات الدولة من طرف بعض مافيات الفساد وتجار المخدرات تحت غطاء بعض المشاريع الحزبية التحكمية الهجينة، ويطالب المجلس الوطني بأن تكون هذه المتابعات مندرجة في إطار مقاربة شمولية لمحاربة الفساد، تمر عبر ضمان مراقبة مسالك المال العام، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمساواة أمام العدالة وتجريم الإثراء غير المشروع -وهو مشروع القانون الذي سحبته الحكومة للأسف مباشرة بعد تنصيبها- وفصل النفوذ السياسي عن الثروة، وقبل هذا وذاك فتح المجال وعدم التضييق على الأحزاب الوطنية الحقيقية والمناضلين الشرفاء وإفراز نخب حقيقية تمثل الإرادة الشعبية عبر انتخابات حرة ونزيهة.
⦁ وفي الختام، يدعو المجلس الوطني كافة أعضائه ومناضليه في جميع المدن والقرى إلى التعبئة الشاملة من أجل التنزيل الفعلي للبرامج الحزبية المسطرة، وتجديد العهد من أجل المضي قدما في مسيرة النضال الديموقراطي وإعادة الاعتبار للسياسة النبيلة القائمة على الصدق والجدية والمعقول، وجعل سنة 2024 سنة التحضير الجيد للاستحقاقات الوطنية والحزبية ومواصلة النضال الفكري والسياسي، وتجديد النيات والعزائم على مواصلة العمل من أجل مصلحة الوطن والمواطنين.
“فَأَمَّا اَ۬لزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءٗ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ اُ۬لنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِے اِ۬لَارْضِۖ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اُ۬للَّهُ اُ۬لَامْثَالَۖ “
صدق الله العظيم (الرعد:19).
وصادق عليه المجلس الوطني ببوزنيقة
يوم الأحد 2 رجب 1445هـ الموافق لـ 14 يناير 2024م
عن موقع: فاس نيوز