أجرى الحوار: د.فاطمة الديبي /ذ نصر سيوب
“المبدع والمعاناة”: ليس الشعراء فقط هم من يعانون من التشظي والألم والغربة، بل كل مبدع في مجاله، كل مبدع خلاق مبادر بنشر إبداعه أو محاولة الكشف عنه وإظهاره، فالناس في أي مجتمع يرتاحون لما يألفونه ويستصعبون التغيير أو حتى مجرد الاعتراف بالجديد الذي يرونه غريبا غير مألوف. فكل مبدع في مجتمعه غريب وربما يصفونه بالعته والجنون والغرائبية. وربما يظن الناس أن الشاعر بما هو متصل بالشعور والتعبير عنها هو أرق خلق الله وأكثرهم حساسية وقدرة على التعبير عن المشاعر. والحقيقة أن المبدع في أي مجال هو كذلك، فما تقول في الموسيقار أو الرسام أو المغني؟ وأنا أرى أن العالم أو المخترع أو الباحث المبدع هو بذات الحساسية التي يتمتع بها الشاعر، ولذا هو يستشعر ذات الغربة والألم والتشظي فهو غريب في مجتمعه، غريب بين أصدقائه، وقد يكون غريبا بين أهله ذاتهم. وهنا الغربة تكون غربة روحانية إذ يستشعر أنه يعايش من لا يتفهمون احتياجاته الروحانية تلك. لا يستوعبون حالات يمر بها، أو يلزمونه بما لا يود الالتزام به، أو أقله لا يشعر هو بأهميتها. هذا اللاتوافق يؤدي به فيما بعد الى غربة حقيقة قد يعيشها المبدع. حقيقة بالنسبة لي كل ما سبق أعطاني المزيد من الوقت لأنفرد بذاتي وأعمل على الارتقاء بها، لأكون أنا ذاتي دون أن أتأثر بمن هم حولي وأحافظ على أصالتي العميقة كما هي. كل تلك المعاناة في النهاية أعطتني مزيدا من الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المختلف ورفض الذوبان في محيط عام أنا ذاتي أرفضه. كانت ردة فعلي ليس العمل على التماثل بل الإصرار على المضي بعيدا في الاختلاف مهما كان الثمن. وربما أن الحزن منحني مزيدا من رهافة الحس، والقدرة على الإحساس بالآخرين وبخاصة من يمرون بما مررت به حتى نضجت تجربتي نوعا ما. وأما التشظي فقد منحني أن أعيد تركيب ذاتي كما أريد أنا ذاتي.
- “تحفيز الطاقة الإبداعية”: بالنسبة لتحفيز الطاقة الإبداعية لدى المبدع فنحن لا نعلم بالضبط أي العوامل التي قد تحفزه، ويبقى أي حديث في هذا الموضوع إن هو إلا استنتاج من مجريات الأحداث التي يعيشها، يختبرها أو تمر به. فالمبدع لديه حساسية فائقة إلى درجة أن كلمة واحدة قد تدفعه إلى الأمام أميالا وأخرى تقعده مكانه دون حراك، ولذا كان إيمانه بذاته هو أهم العوامل التي تصلب عوده وتمنحه الطاقة للاستمرار. ما قدمه الناقد أيوب صابر حول دور المعاناة في تحفيز الطاقة الإبداعية وجهة نظر تستحق الاهتمام، لكن وجهات النظر في هذا الموضوع عديدة بتعدد النقاد وقدرتهم على التقاط المؤثرات والمحفزات لدى مبدع أو أكثر. ولا شك أن المعاناة متجذرة في حياة كل إنسان، ولذا لن يغيب تأثيرها عن ذات المبدع فقد تلون إبداعه بلون معين أو تعطيه طابعا معينا ما، وقد يعي المبدع هذا الأمر في ذاته وعلى الأغلب لا يدرك حتى يأتي ناقد متمرس فيلتقط تلك المؤثرات ويعلن عنها، ولكنها تبقى اجتهادات. وإن لم نعتبرها كذلك لتَوقّف النقد وتوقف النقاد عن الإبداع في مجالهم.
- “المكوّن الفني نِتاج المكوّن النفسي”: بالتأكيد أن المكون الفني هو نتاج المكون النفسي، ونفس الفنان أو المبدع هي البئر الذي يستنبط منه إبداعه، فكل ما شكل هذه الذات له تأثير مباشر أو غير مباشر على إبداعاته. أما بالنسبة لي فتجربتي ما زالت في بدايتها وعندما تأخذ طابعها المتميز والثابت يمكن للنقاد أن يقولوا كلمتهم فيها. أما أنا فأقول أن تحليلي ونقدي لما قد تراه أنت إبداعا لي، فهذا يحتاج مني دراسة معمقة وهي ممكنة بالطبع.
- “الرقابة الذاتية”: بالطبع أمارس رقابة ذاتية على كتاباتي، لكنها تكون حاضرة في أعماق وعيي وأنا أكتب، ولذا لا أحتاج أن أكتب وأشطب أو أتحايل. ولذا أجد أنني أقول ما أريد أن أقوله ويمكنني الدفاع عنه بكل ثقة.
- “التّقصّد والعفوية في الكتابة”: بكل صراحة عندما أتقصد الكتابة لا تكون بالمستوى ذاته التي تكونه حين تأتيني عفو الخاطر كأنما هي تملى علي، لذا أجدني أسارع إلى تسجيل ما يطرأ لي في ذهني حال وروده وإلا لضاع وانمحت تفاصيله كما تنمحي تفاصيل حلم “منام” إذ نصحو.
- “الشاعر والجنون”: أليس غريبا أن يتهم المبدع عامة أو الشاعر خاصة بالجنون، ثم يتشدق المتشدقون بأنه يعيش غربة وآلاما ونرجسية و.. وهم من يغلفونه بغلالات واحدة بعد أخرى. كيف لمجنون أن يعبر إلى ذاته يستخرج ما في أعماقها بأجمل العبارات أو اللوحات الفنية أو.. ثم هو يقيم هذا الجسر الروحي بينه وبين نفوس الآخرين للدرجة التي يستشعر القارئ كأنما المبدع يقرأ ما في أعماقه هو. بل الشاعر إنسان عاقل إلى الدرجة التي أصبح فيها العقل ذاته شاعرا والعاطفة فيه عاقلة.
- “الجمال في الشعر”: إنني امرأة تحب الجمال، والجمال في الشعر أو الكتابة الأدبية مصدرها الأساسي هو في تلك التشبيهات والاستعارات، كما تستهويني الرموز فهي تضفي عمقا وسحرا على الكتابة فيحلق معها الذهن في فضاءات خيالية ممتدة، يحلق فيها القارئ كيف يشاء حسب ثقافته ومعارفه وقدرات مخيلته.
- “الصعوبات”: حقيقية لم أواجه صعوبة في كوني زوجة وأم وطالبة في وقت واحد، الصعوبة بدأت عندما أصبحت جدة، أخذني أحفادي من دراساتي وأبحاثي كما السحر، وبدأت أهمل العمل فيها، وتحولت إلى سلحفاة تكاد لا تحقق تقدما ملموسا في العمل بهذه الأبحاث. وها أنا أحاول استعادة نشاطي.
فكوني جدة هو من أجمل مراحل حياتي، وهم كما قلت -أي الأحفاد- ذاك السحر الذي أخذني من عالمي الخاص الذاتي الشديد الخصوصية إليه، لكنه جعلني أعيش صراعا حقيقيا بينهم وبين انشغالي بتحقيق ذاتي، ينتصرون هم حينا وتنتصر تطلعاتي وطموحاتي حينا آخر. وحقيقة هما يكادان يتكافآن أهمية بالنسبة إلي ولهذا كان الصراع.
- “الطبيعة”: بالتأكيد أحب الطبيعة والطبيعة البكر بالذات. أحب البحر والصحراء، الجبال والوديان والحقول والبساتين.. أحب التمتع بالنظر إلى كافة مخلوقات الله. ولو كان لدي وقت لكتبت لك في ذلك شعرا، وكم أتمنى أن تكون حياتي كلها رحلة متواصلة في تلك الأماكن.
- “اللحظات العربية التاريخية والراهنة”: بالتأكيد هذه اللحظات التاريخية العربية والراهنة تطالب بما هو أكثر من موقف شعري وأدبي مني ومن غيري، وأنا أحاول جهدي أن أقوم بدوري ولكن ليس عن طريق الشعر والأدب فقط رغم أني أحاول ذلك من خلال خواطري، إضافة إلى أداة أراها أقدر هي أداة البحث العلمي.
عن موقع: فاس نيوز