كتاب و آراء – دولة قطر مساحتها صغيرة، لكن فعلها كان كبيرا. لقد أبهرت العالم بتنظيمها الجيد لمونديال 2022. فكل شيء كان على ما يرام في هذا المونديال بشهادة الفيفا نفسها، وباعتراف الدول التي تحاملت على قطر وهاجمتها بضراوة قبل شهور من انطلاق العرس الكروي العالمي؛ كما أن هذه الدول سبق لها أن لامت الفيفا على إسناد تنظيم كأس العالم لهذه الدولة العربية الخليجية الصغيرة.
وقد نجحت قطر في ترويج صورة جميلة لها على كل المستويات؛ فعلى المستوى المادي، كل شيء كان رائعا: البنيات التحتية، الملاعب، المواصلات، شروط الإقامة، الأمن وغير ذلك من المرافق التي ساهمت في ضمان تنظيم جيد للمونديال. وقد نال ذلك إعجاب الجماهير الكبيرة التي حجت من كل حدب وصوب إلى هذا البلد الصغير مساحة، الكبير إنجازا. أما على المستوى المعنوي، فقد نجحت البلاد المنظمة في التعريف بمؤهلاتها، وعملت على ترويج موروثها الثقافي بشكل جيد، وتميزت أيضا بالحفاظ على قيم مجتمعها العربي المسلم، رغم كل الضغوطات التي مورست عليها.
أمام هذا النجاح الذي حققته قطر بشهادة العالم، أتوقع أن تراجع الفيفا قرارها بشأن كأس العالم 2026. فبدل التنظيم الثلاثي (الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، كندا) – الذي سوف يطرح عدة مشاكل للفرق التي ستتأهل لهذا الاستحقاق الأممي وللجمهور الرياضي، سواء من حيث التنقل أو من حيث الإقامة (تغيير مكان الإقامة من بلد إلى آخر أو من ولاية إلى أخرى سوف يتسبب في مشاكل ويُشعر الجميع بعدم الاستقرار)، ناهيك عن التعب النفسي والجسدي الذي سوف يلحق باللاعبين والجمهور، دون أن ننسى تكاليف كل ذلك – كل هذا قد يدفع الفيفا إلى تعديل قرارها وإسناد المونديال القادم إلى دولة واحدة تتوفر فيها مواصفات قطر، أو بعضها على الأقل؛ وذلك من أجل تجنيب اللاعبين والجماهير هذه المشاكل المتوقعة.
واعتبارا للمكانة الرفيعة التي تتمتع بها الدولة الجزائرية (كقوة ضاربة، وأقوى دولة في المنطقة)، سواء في العالم العربي والإسلامي، أو في إفريقيا وأوروبا وحتى أمريكا؛ ونظرا لما لها من إمكانيات مادية، وما أبانت عنه من روح رياضية عالية، سواء في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الأخير (المباراة مع الكاميرون، على سبيل المثال)، أو خلال أطوار كأس العالم في قطر حيث كان للجمهور الجزائري حضور متميز شد إليه الأنظار بطريقته الاستثنائية في التشيع؛ لقد استمات هذا الجمهور في الدفاع عن الفرق العربية والأفريقية (بالرغم من أن فريقه الوطني لم يكن حاضرا)؛ اعتبارا لكل هذا، فلن تجد الفيفا، في رأيي المتواضع، أفضل من جارتنا الشرقية لتنظيم مونديال 2026.
فإلى جانب كل ما ذكرت من الحسنات، فإن موقعها المتميز (قربها من أوروبا) ومساحتها الشاسعة (دولة قطر تعتبر مجهرية بالنسبة للجزائر)، وثرواتها الطاقية التي تفوق ثروات قطر بكثير (فدولة الجزائر، أو الخسائر، تجني من الطاقة أكثر من 80 مليار دولار سنويا؛ بينما قطر دخلها السنوي يتراوح ما بين 10 و12 مليار دولار). يضاف إلى كل ما سبق، الباع الطويل في تنظيم التظاهرات الكبرى، الذي يميز جارتنا الشرقية؛ إنها تتوفر على خبرة وتجربة كبيرة في هذا المجال. وسوف أكتفي بألعاب البحر الأبض المتوسط في وهران ومؤتمر القمة العربية في الجزائر العاصمة. فنجاح هاتين التظاهرتين فرض على العالم احترام النظام الجزائري. لقد أثبت هذا الأخير قدرته على حسن التنظيم وحسن الاستقبال والكرم الحاتمي تجاه ضيوفه الرياضيين والسياسيين. ويكفي أن نُذكِّر بإعلان عبد المجيد تبون عن “العشاء فورا في فندق الشيراطون”، في ختام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية، الذي نجح في لم شمل العرب قادة وشعوبا.
وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر تتوفر على مؤهلات كبيرة قد تتجاوز أمريكا والمكسيك، سواء تعلق الأمر بالبنيات التحتية (الطرق السيارة، السكك الحديدية والميترو، الموانئ، المطارات …) أو بنيات الاستقبال (الفنادق المصنفة الموجودة في كل مكان)؛ ناهيك عن الملاعب ذات الجودة العالية والسعة الكبيرة. كل هذا وغيره قد يشجع الفيفا على اتخاذ قرار يقضي بتغيير مكان تنظيم كأس العالم 2026، وإسناده للجزائر، إذا ما عرف الإعلام الجزائري، المتميز بمهنيته وشفافيته، كيف يُسوِّق الجزائر كقوة ضاربة. ومن حسن حظ هذا البلد أن له عارف مشاكرة، صاحب المصادر القريبة من الفيفا وأصحاب القرار فيها. فالجزائر يمكن أن تعتمد على هذا الرجل الخارق للحلم بتعويض أمريكا والمكسيك وكندا في تنظيم كأس العالم المقبل. وقد تكتفي الفيفا، إرضاء لصوفيا وأمثالها، وهم كثر في بلاد الكابرانات، بإعادة مباراة الجزائر والكاميرون بدون الحكم جساما حتى يلعب الفريق الوطني الجزائري مباراة الافتتاح في مونديال 2026 على أرضية ملعب 5 جويي في الجزائر العاصمة.
خلاصة القول، عندي إحساس كبير أن هذا الحلم سيتحقق؛ وليس في التنظيم فقط؛ بل وحتى في الإنجاز الكروي. فالنظام الحاكم في الجزائر وكل أبواقه والمخدوعين بشعاراته ومزاعمه لن يقبلوا بالنصف النهائي. فلا بد من تجاوز “المروك”؛ فإن لم يكن بنيل الكأس، فعلى الأقل بالوصول إلى النهائي؛ المهم، هو أن يتم تجاوز”المروك” بكل وسيلة؛ خصوصا وأن أسود الأطلس قد خطفوا الأضواء في قطر وأصبحوا على كل لسان في أرجاء العالم؛ مما نغص على جيراننا حياتهم وأقض مضجعهم، بدء من عبد المجيد شيراطون وسعيد شنقريحة إلى آخر جزائري مُبرْدَع، سواء كان في الداخل أو الخارج. ولا شك أن التتويج الشعبي والملكي الذي حظي به الأسود، قد فعل فعلته في النفوس. ولا عزاء للمرضى بعقدة المغرب.
المصدر : فاس نيوز ميديا