قال الشاعر: (إذا الشعر لم يَهززْك عند سماعه= فليس حَرِيًّا أن يُقالَ له شعرُ)
“العولمة ودور الشاعر”:
أما العولمة فهي، قبل كلّ شيء، سيطرة ثقافة من الثقافات على غيرها من الثقافات الأخرى .. أو هي “عولبة” (بالباء) الثقافة المسيطرة وتصديرها إلى البلاد الأخرى، بهدف الهيمنة عليها وسلبها هُويّتها وخيراتها وثقافاتها لمصلحة الثقافة المهيمنة…
ويتم هذا التصدير من خلال وسائط متعددة أبرزها القنوات التلفازية ومواقع الانترنت والمناهج المدرسية والمجلات التربوية وغيرها… وما من أحد يمكنه أن يوقف اجتياح ثورة المعلومات التي أصبحت بها كل المعلومات مشاعة لكل البشر…
هذه المعلومات والعمل بها والتقليد الأعمى لها ألغت الحدود بين الدول وزادت نسبة التشابه بين المجتمعات والمؤسسات على أنواعها… حتى كاد العالم بأسره فعلاً يتموقع في بيئة واحدة أطلقوا عليها “القرية الكونية”..
وما تسعى إليه اليوم الدول المهيمنة لدراسة الظروف المختلفة في بلدان العالم الثالث ليس إلا من أجل تحديد عوامل التفكك الاجتماعي والثقافيّ، لصياغة برامج في مجالات التنمية المختلفة، تقوم على توجيه بوصلة التغييرات داخل هذه الدول الوجهة التي تريد، وضبط اتجاهات التغيير فيها بالشكل الذي يصبّ في مصلحة الدول المهيمنة!
وبكلمة أخرى العولمة هي تسلّطٌ ثقافيٌّ لمحاولة إذابة الثقافات الأخرى وحضاراتها ضمن الثقافة الجديدة المتسلّطة.
بالإضافة إلى كونها سيطرة اقتصادية رأسمالية سياسية عسكرية، تظهر من خلال فرض آليات معيّنة من التعامل على الدول النامية والضعيفة، وذلك في سبيل الاستهلاك التجاري لمصلحة الشركات التجارية الكبرى والدول العملاقة .
وإن كانت تتداخل في “العولمة أمور السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والتربية والسلوك، فإن التحدّي يطاول الفكر والثقافة واللغة والهوية … وما لم نتنبّه إلى هذا فنحن سننجرف أمام التيار الأقوى ولن تقوم لنا قائمة بعد ذلك…
لذا أرى أن دور الشاعر في أقطارنا، كغيره من الأدوار الفاعلة في التصدي لذلك الذوبان، لا يقتصر على قوله الشعر، بل يتعدّاه إلى أهداف أخرى سامية تخدم العالم العربي والإسلامي بفكره ولغته وثقافته… حتى نواجه هذا التحدّي على الأقل بالمحافظة على هوّيتنا وثقافاتنا وفكرنا ولغتنا بما أوتينا من قوّة … ولا أعتقد أن تمازج الحضارات وانفتاحها على بعضها والاستفادة من ذلك سيلغي لدينا هذه الهوية…
ولا ننسَ أننا مع هذه العولمة بات يقال عنّا – نحن العرب-: يكفي أن يقال “قال فلان” فنتوقف عن التفكير، ويكفي أن ينتج غيرنا فنتوقف عن الإنتاج فيقتصر دورنا على الاستهلاك، ويكفي أن تُثار بيننا الخلافات العرقية والطائفية والسياسية لنقوّي غيرنا … ويكفي أن يقوى غيرنا بمجرّد قتال بعضنا….
نعم .. للشاعر دور المعلم الذي به نصنع التفكير ونصنع القوّة والحرية الملتزمة ومقوّماتها، ونصنع الهوية ونصنع الإبداع ونصنع تربية احترام الآخر، ونصنع التاريخ … ونصنع شعراً يخلّد ذكر أمّتنا كما خلّدها على مدى الأجيال…
- “شعراء العراق”:
طبعاً.. كان لشعراء العراق أثر كبير في تجربتي الشعرية وما زال.. ولا سيّما في السنوات الأخيرة.. في أثناء كتابتي لأول قصيدة مطوّلة من شعر التفعيلة وهي “بين العقل والقلب” ..
وقد لفتتني عبقرية الشاعرة العراقية نازك في إرساء قواعد هذا النوع من الشعر في كتابها (قضايا الشعر العربي) وتطبيقه في ديوانها (شظايا ورماد)..
كما كان لشعراء التفعيلة من مختلف الأقطار العربية – سواء كانوا من الجيل الأول أو من الجيل الثاني – أثر في توجيهي نحو التفعيلة ولكن دون أن أبتعد عن الشعر العمودي الذي بدأت معه تجربتي الشعرية.. من هؤلاء: محمود درويش، سميح القاسم، ، نزار قباني، سليمان العيسى، صلاح عبد الصبور، خليل حاوي، فدوي طوقان ، أمل دنقل.. - “الأسطورة والرموز الغامضة”:
لكلّ نوع من أنواع الشعر أهله وكاتبوه ومتذوّقوه، وقبل أن أكون شاعرة، فأنا متذوّقة… ولم يكن للأسطورة حظّ في شعري ولا أُكثِرُ من تذوّق الشعر الغامض :
أولاً لأنني لا أكتب القصيدة من أجل فئة خاصّة مختصّة في اللغة والأدب.. بل كتبتها من أجل أن تبقى بمتناول الجميع.. فيتذوّقها كل من استمع إليها، أو قرأها لعلّها تفعل به شيئاً من التغيير…
وفي هذا يقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
إذا الشعر لم يَهززْك عند سماعه= فليس حَرِيًّا أن يُقالَ له شعرُ
وثانياً لأنني أعتبر “الأسطورة” هروباً من المستحيل إلى المستحيل… والشعر – في رأيي – إن لم يفعل شيئاً في أكبر عدد من الجمهور وفي الواقع فهو سيبقى في ذاكرة الشاعر وبعض المختصين .. أو كمن يكتب الشعر من أجل الشعر.. مع العلم أنّ بيتاً من الشعر عند العرب في ما سبق من العصور الماضية كان له تأثير – في الحرب وفي السلم- في الأخلاق وفي المعاملات و… – كما كان أقوى من تأثير السلاح والجيوش والأمم المتحدة ومجلس الأمن اليوم… وما زال هذا مخترقاً عباب البحور إلى كل العصور!
لهذا كان أكثر ما أبتعد عنه في الشعر هو الغموض المبهم… كما أنني لم أحاول أن أكتب شيئاً من هذا النوع (قصيدة النثر)، بل كتبت بعض خواطر لا تمتّ إلى الشعر بِصلة… وأشرت سابقاً إلى أن الشعر شعر، والنثر نثر ولا منطقة متوتّرة لي بينهما… وما كتبته من الشعر هو القصيدة العمودية بدايةً وما زلت… ومؤخّراً قصيدة التفعيلة… متأثرة بالنظام التفعيلي الذي بدأ في العراق وما زال… رغم أني لم أخرج في شعر التفعيلة عن كلّ قواعد الشعر العموديّ… فما زلت محتفظة بالرويّ ولكن متعدّداً، وبتنوّع القوافي… وساويت أحياناً في عدد التفعيلات المتقاربة في المقطع.. حتى إنني أحياناً وأنا أكتب القصيدة أنسى نفسي فأسترسل في كتابة أبيات كاملة وكأنها من الشعر العموديّ… ثم أعود إليها أزيد تفعيلة هنا أو تفعيلة هناك لأعيدها إلى سرب التفعيلة… هي تداعيات الخلق الشعري والوعي معاً… - “إكسير كتابتي الشعرية”:
نعم… هو الألم والحزن وما يُلْحق بهما كالخوف والظلم والقهر… وقد سبق أن أشرت إلى ذلك حيث قلت: “من الألم ينبعث الأمل، ومن بستان المشاعر المشبعة بالحزن والأسى تخرج ورود الشِّعر من أكمامها”…
“فالشعر لا ينبع إلا من جراح القلب، ولا يولد إلا من رحم الأحزان، ولا تتفتّح أزهاره إلا بعد عواصف هائلة من الألم والوجع… “ - “القصيدة بين الشعر والنثر”:
جاء في معاجم اللغة: والشِّعْرُ: منظوم القول، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية، وقال الأَزهري: الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، …
وليس بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي فارق كبير.. إلا أن هذا المصطلح “الشعر” يختلف اختلافاً تامًّا عن مصطلح “النثر” من عدة وجوه …
أما أن تجتمع في هذا المصطلح كلمة “قصيدة ” وكلمة “النثر” فهو من باب التعويض عن مركّب النقص، وهذا لا يمكن أن يجعل النثر شعرًا.. فـ”قصيدة النثر” مصطلح مستحدث يُطلق على “نصّ من النثر الفنّي” الذي لا تتوافر فيه علامات “القريض” أو “القصيد” أو “الشعر”… وهذا لا ينقص من قيمة النص النثريّ، كما أن إطلاق مصطلح “قصيدة” على النص النثري لا يزيده شرفًا أو رفعة.. وفي المقابل فإن مصطلح “النظم” وحده بما يعنيه من إيقاع ووزن وقافية ورويّ لا يعني أن النص هو من الشعر.. وقد صنّف المختصون مراتب الشعر.. كما صنّفوا مراتب النثر، فكم من نصّ أدبيّ نثري فاق قصائد منظومة، وكم من من قصيدة منظومة لم تتعدَّ كونها تقطيعًا وأوزانًا..
فلنبْقِ الشعر شعرًا والنثر نثراً.. وكل منهما قد يفوق الآخر بجودة التزامه بقواعده من حيث المعنى واللفظ والأسلوب والعلامات التي تميزه من الآخر! - “هل الوزن قيد”:
لا، أبداً، فالسباح الماهر لا يضيره في أي بحر يسبح، فهو يختار البحر الذي يناسب أفكاره وشعوره… (فالأوزان كثيرة تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة وتفعيلة..). بل إن الشعر نفسه يختار أين ينزل من قلب الشاعر ومن فكره، أما مَن يقيّده الوزن فذاك الذي يقف على الشاطئ وينظر إلى العمق ويتمنّى لو يسبح بمهارة ولكن لا حول له ولا قوة.. حتى يأتي من يأخذ بيده ليصقل له موهبته وينمّي له رغبته.. أو يبقى “سابحاً في مياه الشاطئ”، وإن كانت سباحته جميلة وسهلة إلا أنها لا تسمّى “سباحة في البحر”!
ومن يُجبر على اختيار كلمات دون أخرى فهو الناظم.. وقد لا يجد صعوبة في ذلك لما يتوافر في مفردات العربية من لين وطواعية ومترادفات وبدائل تجعله يختار ما يشاء وبسهولة.. أما الشاعر الشاعر فهو من تختاره الكلمات والمعاني وتكتبه فيكتبها…
عن موقع: فاس نيوز