انطلقت، اليوم الإثنين 28 فبراير 2022، أشغال اجتماع رفيع المستوى من الدورة العادية الــ49 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، ذلك بمشاركة وفد مغربي يترأسه وزير العدل “عبد اللطيف وهبي“.
وحضر في أشغال هذا الإجتماع، كل من رئيس مجلس حقوق الإنسان، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان، أصحاب المعالي والسعادة.
وهنّأ وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ” فيديريكو فيليجاس ” وبلده الأرجنتين على تولي رئاسة مجلس حقوق الإنسان، وإنني على ثقة بأن التجربة التي راكمها ستساهم، لا محالة، في تعزيز عمل هذا المجلس الموقر.
وأعرب ذات المُتحدث، عن فائق تقدير إلى الأمين العام للأمم المتحدة والسيدة المفوضة السامية لحقوق الإنسان على الجهود التي يبذلانها لتعزيز حقوق الإنسان، ولاسيما وأن جسامة التحديات التي تواجه حقوق الإنسان في الظرفية الراهنة تتطلب من الجميع مضاعفة العمل لتمكين المجلس من أداء مهامه، والانخراط في الجهود الدولية للتخفيف من الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا وتداعياته على التمتع بحقوق الإنسان.
وأفاد المُتحدث، أن المملكة المغربية تتابع بقلق تطورات الوضع بين فيدرالية روسيا وأوكرانيا، وتجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما تؤكد المملكة تشبثها بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول، باعتبارها احدى أسس الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وتشجع المملكة المغربية جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.
وأضاف، أن جائحة كوفيد 19، أعادت للنقاش قضايا حقوقية كبيرة، تهم أولا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت شعاراً يتعين التعامل معه في ظل ظروف الوباء بكثير من الجدية والمصداقية. فشعوب دول الجنوب عانت كثيرا، ليس فقط من الوباء، ولكن من عدم القدرة على مواجهته، فأصبحت أمام انتهاك صريح وصارخ لمبدأ الحق في الصحة. وهذا ما أكد أن مبدأ التضامن الذي كان إحدى الأسس الجوهرية لثقافة حقوق الإنسان، أصبح يفرض نفسه من جديد كمبدأ أساسي لمواجهة هذه الإخفاقات، وتهديد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمام تنامي هيمنة ثقافة السوق والمصالح؛ لذلك ندعو إلى المزيد من تكاثف الجهود وتنمية التعاون والتضامن الدولي، لا سيما من خلال تعميم اللقاحات وضمان الولوج إليها بشكل عادل ومنصف خاصة لدول الجنوب.
وفي هذا السياق، وبإشراف وتوجيه من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، تبنت المملكة المغربية مقاربة شمولية لمواجهة تبعات هذا الوباء على جميع الأصعدة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، ترتكز على صيانة الحقوق وحفظها وتكثيف الجهود من أجل حماية الحق في الحياة والصحة، باعتبار موقعهما في هرم الحقوق. حيث عملت على تأمين التلقيح ضد الفيروس بشكل مجاني لفائدة جميع المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب، علاوة على إطلاق مشروع وطني طموح لتصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكوفيد-19 ولقاحات أخرى، بما يمكن من تأمين السيادة اللقاحية للمملكة ولمجموع القارة الإفريقية. بل إن المغرب وفي إطار التضامن الإفريقي مكن بعض شعوب دول القارة الإفريقية بجرعات من التلقيح ضد الوباء وبالمجان.
إن البعد الحقوقي لمسارنا الديمقراطي، جعل المملكة المغربية تلتزم بشكل واضح بحق الاختيار السياسي وضمان دورية الانتخابات، ورغم الظروف الوبائية نظمت المملكة في شهر شتنبر 2021 انتخابات برلمانية وجهوية وجماعية، كان للمرأة المغربية دورا محوريا فيها، وشكلت حضوراً كبيراً، سواء من خلال مشاركتها في الانتخابات أو من خلال نتائجها، وأفرزت هذه الاستحقاقات تشكيلة حكومية جديدة، ربما تختلف في رؤيتها عن الحكومة السابقة، ولكن في ظل دستور متوافق عليه، وديموقراطية منفتحة على جميع الأحزاب السياسية تحت مراقبة القوى المدنية والحقوقية الوطنية والدولية، شكلت مجالاً لترسيخ الكثير من الإصلاحات والحقوق.
وفي نفس الإطار توجهت المملكة المغربية بشكل جماعي لخلق تصور تنموي جديد، كرافد من روافد صون الحريات وضمان الحقوق، سواء المدنية والسياسية، أو الاقتصادية والاجتماعية؛ وفي نفس السياق اتجهت المملكة المغربية نحو تعميم الحماية الاجتماعية لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وصون الحقوق الاجتماعية للمواطنين، خاصة المتقاعدين والفئات الهشة المحتاجة للكثير من الخدمات الاجتماعية.
وفي سياق متصل، تعتبر المملكة المغربية أن قضية المرأة أصبحت التحدي الأكبر للمجتمع المدني والدولة على حد سواء، ونحن نتعامل معها بكثير من الجدية والجرأة والمصداقية، حتى قد نكون منصفين.
إن المملكة المغربية ظلت منفتحة على الحوار البناء مع كافة الآليات الأممية المعنية بحقوق الانسان، انسجاما مع التزاماتها الدولية ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، ننكب على الاستعداد لتقديم ومناقشة تقريرنا الوطني برسم الجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل خلال السنة الجارية. كما نستعد لمناقشة تقاريرنا الدورية المقدمة خلال السنتين الأخيرتين، إلى هيئات المعاهدات المعنية، ويتعلق الأمر بالتقرير الوطني الجامع للتقارير 19 و20 و21 المتعلق بإعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتقرير الجامع للتقريرين 5 و6 بشأن إعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكذا التقرير الأولي بشأن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. إضافة إلى انخراطنا في مسارات إعداد تقارير أخرى حل أجلها.
وبنفس الإرادة، نواصل تعاوننا على الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وقمنا بتوجيه دعوة رسمية للمقرر الخاص المعني بالحق في الحصول على مياه الشرب، والمقررة الخاصة المعنية بالجذام، والمقرر الخاص المعني ببيئة سليمة، وآلية الخبراء بشأن الحق في التنمية، للقيام بزيارة رسمية إلى المغرب خلال السنة الجارية للوقوف على الجهود والتحديات في المجالات المرتبطة بولايتهم.
وتعزيزا للدينامية التي تعيشها المملكة المغربية، وبغية الإسهام في تعزيز الأدوار الطلائعية لمجلس حقوق الإنسان، قدمت المملكة المغربية ترشيحها لعضويته للفترة ما بين 2023 2025-، وهي إشارة واضحة على رغبتها الأكيدة والتزامها الراسخ بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودعمها للمجلس وآلياته، وكذلك استعدادها للمساهمة في الجهود الجماعية لتعزيز عمل وفعالية هذه المؤسسة. حيث يحظى هذا الترشيح بدعم الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية وعدد من التجمعات الجهوية الأخرى والدول الصديقة.
وعلاقة بالنزاع المفتعل والوهمي حول حقوقنا التاريخية والمشروعة لمغربية الصحراء، تؤكد المملكة المغربية من جديد على تشبثها بالمسلسل السياسي تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، بغية التوصل إلى الحل السياسي الواقعي، البراغماتي، المستدام، والمبني على التوافق، وفقا لقرارات مجلس الأمن وخصوصا القرار 2602 المعتمد بتاريخ 29 أكتوبر 2021.
وفي هذا الإطار استمرت المملكة المغربية في دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي السيد ستافان دي ميستورا الهادفة إلى إعادة إطلاق مسلسل الموائد المستديرة التي عقدت في دجنبر 2018 ومارس 2019 بمشاركة كل الأطراف، بما في ذلك الطرف المسؤول عن إفتعال هذا النزاع الإقليمي واستمراره، علما أن هذا الحل السياسي كما أكد جلالة الملك محمد السادس في عدة مناسبات وخطب أنه “لا يكمن إلا في إطار الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة”.
لذلك قدمت المملكة المغربية مقترح الحكم الذاتي الذي ثمنه الكثير من الأصدقاء والملاحظين، بل اعتبره مجلس الأمن مبادرة جادة وذات مصداقية في قراراته ال 18 الأخيرة، والأفق الوحيد للمسلسل السياسي الأممي.
وما يعزز صدقية مقترح المملكة المغربية هو أن ساكنة الصحراء شاركت بشكل كبير وموسع في الاستحقاقات الأخيرة، حيث تصدرت أقاليم الصحراء المغربية نسبة المشاركة المسجلة في هذه الاستحقاقات، فاقت بكثير المعدل الوطني المسجل في 50.35 بالمائة، حيث بلغت نسبة المشاركة 66,94 بالمائة في جهة العيون – الساقية الحمراء، و58,30 بالمائة في جهة الداخلة – وادي الذهب، في استحقاقات انتخابية شفافة ونزيهة، مكنت ساكنة الصحراء المغربية من تدبير شؤون جماعاتهم الترابية ومؤسساتهم المنتخبة محليا، وتمثيل ساكنة الصحراء في المؤسسات الدستورية الوطنية كمجلس النواب ومجلس المستشارين.
وفي المقابل يلاحظ سكان المنطقة أن إخوانهم المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر، لايزالون يعانون من الانتهاكات والحرمان من الحقوق الأساسية، ويرفض الطرف الآخر ليومنا هذا إجراء إحصاء ساكنة مخيمات تندوف منذ سنة 2011، حين صدور قرار مجلس الأمن والذي قضى بالفصل بين البعد الإنساني والبعد السياسي في التعاطي مع الأوضاع الإنسانية لساكنة هذه المخيمات، ويظهر بجلاء مسؤولية هذا البلد عن الأوضاع اللاإنسانية التي تعاني منها هذه الساكنة، ولاسيما في ظل الفساد والتلاعب والتحويل الممنهج للمساعدات الإنسانية المخصصة للمحتجزين بهذه المخيمات، واستمرار المتاجرة فيها.
وفي هذا الصدد نندد بشدة بعملية تجنيد الأطفال بالمخيمات، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية ذات الصلة، التي تصنف تجنيد الأطفال في القوات المقاتلة جريمة دولية يعاقب عليها القانون الدولي، ومن جرائم الحرب التي تُرتكب ضد الإنسانية، ويصنف في خانة أسوأ أشكال عمل الأطفال.
إن المغرب بحضوره الدائم داخل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، وخطواته الجادة والمسؤولة، يجدد دعوته المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية أطفالنا وجميع مواطناتنا ومواطنينا المحتجزين بمنطقة تندوف، ويحمل الطرف الآخر المسؤولية الكاملة على انتهاكات حقوق الإنسان والمساس بالحريات الأساسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء.
وتؤكد المملكة المغربية التزامها بمواصلة جهودها الرامية إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين ومكافحة التهديدات الجديدة، وعلى رأسها الإرهاب والتطرف العنيف والتحريض على الكراهية ومعاداة الأجانب، باعتبارها أكبر المخاطر المهددة لحقوق الإنسان.
كما تتعهد المملكة بمواصلة تعاونها مع الدول الصديقة في مجال تأهيل الحقل الديني وإذكاء قيم الإخاء والاعتدال والتسامح. وانطلاقا من انتمائها المتجذر لإفريقيا، فإن المملكة لن تدخر جهدا في الدفاع عن القضايا الإفريقية، خاصة تلك المتعلقة بالتنمية، ومكافحة الفقر، وإشكالات الهجرة، وفي هذه الأخيرة، تجدد المملكة المغربية دعوتها إلى اعتماد مقاربة جديدة لقضايا الهجرة، باعتبارها ليس تحديا فحسب، بل كذلك مصدرا هائلا للفرص.
وفي الختام، أؤكد لكم أن المملكة المغربية ستواصل بكل حزم ومسؤولية التعاون البناء والمستمر مع مجلسكم الموقر وباقي آليات الأمم المتحدة وكافة الأطراف الدولية والإقليمية المعنية باحترام حقوق الإنسان وتعزيزها تحقيقا للكرامة الإنسانية وخدمة للسلم والأمن والتعايش والتضامن الدولي.