يبدو أن الساعات الأولى من حرب روسيا على أوكرانيا أثبتت بالفعل امتداد تأثيرها على كل أصقاع العالم، وسط تباين للردود الدولية بين مؤيد لهذا الطرف أو ذاك، وبين من يلتزم الحياد مخافة الدخول في مواجهة مع أحد الأطراف.
بطبيعة الأطراف هنا، واضحة ولسنا نتحدث سوى عن الصراع الدائر بين روسيا وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة أخرى. صراع يدور حول نقطة واحدة، إنه المخاض الذي يسبق ولادة نظام عالمي جديد سمته البارزة تعدد الأقطاب ونهاية زمن هيمنة القطب الواحد.
فور إعلان الرئيس الروسي بوتين عن شروع بلاده في القيام بما أسموه ” عمليات عسكرية ” في دولة إوكرانيا، وبعد سويعات قليلة تصدرت النشرات الإقتصادية حول العالم أنباء سقوط حاد في الأسواق الأوروبية إلى جانب تخطي سعر برميل النفط حاجز 100 دولار، أمر يحدث لأول مرة منذ سنة 2014.
بعد ذلك تناسلت ردود الفعل الدولية، والتي جاء أغلها بصيغة العقوبات على جانب الروسي، وظهرت حزمة جديدة من العقوبات تلت الأولى التي صدرت بعد اعتراف روسيا باستقلال إقليمي دونباس وهولنسيك الأوكرانيين.
وشاهدنا على مختلف شاشات التلفزيون والصحف العالمية أنباء قيام أمريكا والغرب (حلف الناتو) بتنفيذ سلسلة من العقوبات الإقتصادية والمالية، بل إن زعماء تلك البلدان كانوا يتحدثون بلسان العالم بأكمله عن عقوبات جد قاسية على روسيا، والحقيقة أن تلك العقوبات تخفي تأثيرا يتجاوز روسيا إلى كل العالم، خاصة وأن روسيا ليست قرية معزولة عن العالم.
العقوبات الاقتصادية الموجهة للضغط على الدب الروسي من أجل التراجع عن إحراج حلف موحد ظاهريا ولكن عمقه يثبت العكس، استثنت الغاز والبترول والقمح، وهنا يلاحظ قوة الجانب الروسي وحاجة العالم إليه على مستوى هذه القطاعات، ويعتبر المزود الرئيسي لحاجيات كثير من بلدان العالم لها بما فيها الأوروبيين.
هناك مطالب أوروبية بالتفكير في البحث عن بدائل جديدة للغاز الروسي، وفي الحقيقة هذا الأمر صعب ومعقد، لأن التفكير في الغاز القطر أمر شبه مستحيل، خاصة وأن هناك إحصائيات من منظمة الدول المنتجة للغاز تثبت أن روسيا تزود بمفردها العالم بحوالي 30% من حاجياته من الغاز، وهذا رقم يصعب على أي دولة في العالم أن توفره بمفردها.
وحتى التفكير في الغاز الجزائري أمر غاية في الصعوبة هو الآخر، لأن الجزائر لها علاقات جد قوية مع الإتحاد الروسي، لأن واردات الجزائر من القمح مصدرها الرئيسي روسيا وأوكرانيا، فضلا عن صفقات الأسلحة بين روسيا والجزائر التي تستورد بموجبها الجزائر سنويا مليارات الدولارات من الكرملين.
والملاحظ اليوم اليوم هو ظهور بعض شظايا هذه الأزمة والمتناثرة حول العالم فيما يتعلق بارتفاع أسعار بعض المواد من قبيل الذهب والبترول والقمح وغيرها من المواد الأساسية، التي في الأصل لوحظ ارتفاع ثمنها قبل بداية هذه الأزمة.
في المحصلة تظل تلك العقوبات الاقتصادية لن تنجح في تغيير في الموقف الروسي، لأنه لا يمكن الحديث في ظل هذه الأزمة عن تضرر طرف واحد، بل إن الضرر سيطال كل الأطراف مهما كان موقعها مؤيدة أو معارضة وحتى محايدة، خاصة وأن روسيا لم تستعمل بعد أوراقها (حلفاؤها) في هذه الحرب.
كما أنها تمتلك وسائل ضغط أخرى قد تكون مفاتيح فعالة لمواجهة العقوبات الإقتصادية، والتي يظل اتفاق مجموعة (BRICS) أبرزها، خاصة وأن هذه المجموعة انقسمت بين من ذهب إلى المطالبة بتهدئة تخفي تأييدها للموقف روسيا (الصين والهند)، وبين من يفضل الصمت والانتظار وعدم التسرع (البرازيل وجنوب افريقيا).
ويبقى التساؤل المطروح في ظل ما يراه الرئيس الأوكراني زيلنكي خذلانا وبيعا لأوكرانيا من طرف الأوروبيين الذين عول عليهم لحمايته من الهجوم الروسي عليه، ماذا إن تجاوزت الأزمة أوكرانيا نحو تايوان؟ ماذا لو ظهرت أزمة أخرى في آسيا في ظل وجود رئيس كوريا الشمالية الأكثر قسوة ومغامرة من بوتين؟؟ هل نحن إذن أمام بوادر حرب عالمية ثالثة تغير معالم النظام العالمي وتنهي أسطورة دول عظمى سيطرت وهيمنت على هذا العالم؟؟؟
بقلم الصحفي سيدي اسباعي