مداغ: 13-12-2021
القيم الأخلاقية ودور الأسرة في تربية الناشئة عليها، والمسؤولية الاجتماعية وأهمية الإحساس بها وتحقيقها وضرورة التأهيل الروحي، وعلاقة كل ذلك بالتنمية، محاور تناولها الدكتور منير القادري خلال مداخلته، السبت 11 ديسمبر 2021، في الليلة الرقمية الثانية والثمانين، ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال.
أكد في بدايتها أن القيم الاخلاقية بأبعادها الاجتماعية والعملية تعتبر أحد أهم المكونات الأساسية للشخصية الإنسانية، وأنها معايير وأهداف تمثل ضرورة اجتماعية، يشمل تأثيرها سلوك الأفراد، واتجاهاتهم، وعلاقاتهم، وتابع أنها توفر إطارا مهما لتوجيه وتنظيم سلوك الأفراد والجماعات، وانها تقوم بدور المراقب الداخلي الذي يراقب أفعال الفرد وتصرفاته، وأورد مقولة عالم الاجتماع أميل دوركايم “…الإنسان لا يوصف بأنه أخلاقي بمجرد تبنيه لبعض القيم الأخلاقية في داخله، بل لأنه يعيش في مجتمع مرتبط بهذه الأخلاق والقيم”.
وأوضح رئيس مؤسسة الملتقى أن الإسلام ربَط بين أفراد الإنسان برباط قلبي يوحِّد بينهم في الاتجاه والهدف، ويجعل منهم وَحدة قوية متماسكة، يأخذ بعضها برقاب بعض، وأضاف ان سُداها المحبة، ولُحْمتها الصالح العام، وهدفها السعادة في الدنيا والآخرة، وتابع شارحا أن هذا الرباط هو رباط الإيمان والعقيدة المتَّصلة بمبدأ الخير والرحمة.
وشدد الدكتور منير على أن الأسرة هي القوة الموجهة والمؤثرة في غرس هذه القيم والاتجاهات في نفوس أبناءها، إلى جانب المؤسسات الأخرى، وأن هناك حاجة ملحة لاستعادة الأسرة دورها في التربية وغرس الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة المستمدة من ثقافتنا النقية وشرعنا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية المنضبطة.
وأضاف أن مباشرة العملية التربوية تعني أن نكون قدوة لمن حولنا ونجعل من الشعارات أفعالا ملموسة تترجم ذاتها وفاعليتها ويتعلّم منها أطفالنا، مستشهدا بأحاديث نبوية منها قول النبي صلى الله عليه وسلم ’’مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ”.
وبين أن الشعور بالمسؤولية من الأمور التي بنت التربية الإسلامية ركائزها عليها، مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”.
واستطرد أن الأفكار والرؤى والمواقف تتغيّر بفعل عامليْ الزمان والمكان، و السياق الاجتماعي والحضاري، موردا قول الإمام علي ابن طالب (ض) “لا تربوا ابناءكم كما رباكم اباءكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”.
وشدد على أن كل إنسان يبقى مسؤول إجتماعياً عن نفسه وعن الجماعة، والجماعة مسؤولة عن نفسها وعن المجتمع ككل، مضيفا أن التربية على مقاصد المسؤولية الإجتماعية كتربية بأبعاد قيمية وأخلاقية، هي تكوين ذاتي يقوم على نمو الضمير -كرقيب داخلي- ونتاج اجتماعي يتم تعلّمه واكتسابه، منذ أن يعي الناشئ تحمّل والديه المسؤولية في رعايته وتربيته وإشباع حاجاته المادية والمعنوية، تم تنمو هذه المسؤولية تدريجياً عن طريق التربية والتنشئة، وتابع انه في كلا المستويين يظلّ الهدف واحداً، وهو إعداد الفرد ليكون مواطن المستقبل ويكون راعياً وواعياً لذاته ومسؤولياته.
وبين أن تحمل أعباء المسؤولية الإجتماعية هي إحدى أهم القنوات التي تدعم المصلحة العامة، وأن هذا سرّ قوتها كعنصر أساسي مطلوب لتمتين روابط العلاقات الإنسانية، في التعاطى مع ذواتنا ومع الآخرين ومع مجتمعنا بروح مسؤولة.
وأشار الى أن كبريات الشركات صارت تمتلك حالياً نظاماً خاصاً للمسؤولية الاجتماعية تتناسب مع بيئة عملها، غايتها ضمان الموازنة بين أهداف الحفاظ على سلامة المجتمع وحماية بيئة العمل، وتحقيق الغايات الاقتصادية للشركة.
وأضاف أن تحمل أعباء المسؤولية الاجتماعية هو في حد ذاته قيمة شاملة لكل الجوانب الحياتية، وانه يشمل الجانب الاجتماعي والروحي والمادي والسياسي، وأن تعاليم ديننا الحنيف لم تمنع الإنسان من النظر في حاجاته المادية وطلب الرزق، بل دعت إلى التوازن بين الحاجات المادية ومتطلبات حياته في المجتمع.
ونوه الى أن تماسكَ المجتمع وصلاحه واستقراره من أهم الخطوات الداعمة إلى التقدّم والرّقي نحو المستقبل، وأن هذا الدور هو الذي يضطلع به المكون القيمي والروحي في المجتمع، واستطرد أن منهج التربية الأخلاقية يدور حول تهذيب النفس والسمو بها لتحقيق مراد الله من حيث العبادة والتزكية والعمران ويدور منهجها أيضا حول مفاهيم الإصلاح، والمصلحة، والتكافل الاجتماعي، وتحقيق منافع الناس.
وأكد أن تأهيل المجتمع روحياً هو المدخل الحقيقي لبناء مواطنة صادقة صالحة كمعنى روحي يتميز بالتوجه إلى جوهر الإنسان ليزيل عنه العوائق المثبطة، فيصبح قادراً على جلب الإصلاح المبتغى و تقلد المسؤولية أمام الحق والخلق، فتشغله عن النظر إلى حظوظه الذاتية والأنانية، وينصرف إلى خدمة الصالح العام ونفع مجتمعه.
و اختتم مداخلته بقوله: “لدينا كامل اليقين بأن هذا الأفق الاستشرافي لمنظومة القيم في ثابت التصوف يمكن أن تضمن للمغرب مكانة رائدة في عالمنا المعاصر ما بعد جائحة كورونا ان شاء الله، مع ضرورة التعاون والتعاضد والعمل جميعا كل من موقعه: حكومة و شعبا مجندين تحت القيادة الراشدة لمولانا أمير المؤمنين نصره الله من اجل تحقيق اهداف التنمية الشاملة والمستدامة، بلوغ مقاصد المشروع التنموي الجديد وإعلاء مكانة وطننا إلى مصاف الدول العظمى”.