كلمة السيد الأستاذ عبد اللطيف وهبي وزير العدل في أشغال الندوة الدبلوماسية الموازية حول موضوع “الآثار القانونية والسياسية للاعتراف الدولي بمغربية الصحراء”
الداخلة في 9 نونبر 2021
يشرفني أن أشارك معكم اليوم في أشغال النسخة الثالثة من الندوة الدبلوماسية الموازية، بهذه المدينة المتميزة، مدينة الداخلة جوهرة أقاليمنا الجنوبية، حول موضوع “الآثار القانونية والسياسية للاعتراف الدولي بمغربية الصحراء المغربية”، هذا الحدث العلمي والفكري، يتزامن مع تخليد بلادنا للذكرى السادسة والأربعين لحدث المسيرة الخضراء، في محطة وطنية تدعونا للاعتراف والامتنان والتأمل في عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله تراه، صانع هذا الحدث التاريخي الهام، الذي أسس لانطلاقة مختلفة واستباقية في مسيرة الدفاع عن عدالة وحدة بلادنا الوطنية والترابية.
وفي نفس السياق يتميز عقد هذا اللقاء العلمي بخطاب ملكي نوعي، بل غير مسبوق، وجه عبره جلالة الملك محمد السادس نصره الله رسائل وطنية داخلية دقيقة، جوهرها أن الصحراء المغربية (تعرف نهضة تنموية شاملة ، من بنيات تحتية، ومشاريع اقتصادية واجتماعية.… وأن المجالس المنتخبة، بأقاليم وجهات الصحراء، بطريقة ديمقراطية، وبكل حرية ومسؤولية، هي الممثل الشرعي الحقيقي لسكان المنطقة. وإننا نتطلع أن تشكل قاطرة لتنزيل الجهوية المتقدمة، بما تفتحه من آفاق تنموية، ومشاركة سياسية حقيقية) يؤكد جلال الملك في خطابه السبت الماضي.
وأما الشركاء والخصوم وباقي المنتظم الدولي، فقد خصهم الخطاب الملكي كذلك برسائل خارجية استراتيجية، قوامها أن ( المغرب لا يتفاوض على صحرائه. ومغربية الصحراء لم تكن يوما، ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات، وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل …….. والتقدير، للدول والتجمعات، التي تربطها بالمغرب اتفاقيات وشراكات، والتي تعتبر أقاليمنا الجنوبية، جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني. كما نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، بأن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية.) يؤكد جلالة الملك بشكل أكثر وضوحا المواقف الثابتة، كما القرارات الجديدة للمغرب في قضية الصحراء المغربية، هذه القضية -كما تعلمون- التي تقع في صلب اهتمام جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، الذي ما فتئ يعتبرها “قضية مصيرية”، يشرف على تدبير ملفها بصفة شخصية داخليا وخارجيا، بل اعتبرها في خطاب 6 نونبر 2018 من القضايا الكبرى للبلاد التي يجب التعامل معها (بمقاربة ناجعة، ترتكز على العمل الجاد وروح المسؤولية داخليا، وعلى الوضوح والطموح كمبادئ لسياستنا الخارجية). انتهى كلام جلالة الملك.
حضرات السيدات والسادة:
تمر قضيتنا الوطنية بمرحلة دقيقة على المستويين الداخلي والدولي، فداخليا نعتز بالمشاريع التنموية الكبيرة التي تحققها بلادنا داخل مختلف الأقاليم الجنوبية، اعتزازا لا يقل ابتهاجا على الروح الوحدوية الوطنية العالية التي ما فتئ يعبر عنها مواطنينا بالأقاليم الجنوبية، وما مشاركتهم المكثفة وانخراطهم الإرادي الكبير في مسلسل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إلا دليل قاطع على تشبتهم المتين بوطنيتهم المغربية الأصيلة، وبوحدة بلادنا الترابية.
أما على المستوى الخارجي، فقد أتمرت التوجيهات الملكية السامية للدبلوماسية المغربية، عن تسجيل مكاسب هامة، وانتصارات دولية محققة خلال السنوات الأخيرة، رفعت من منسوب قوة حق وشرعية وعدالة قضيتنا الوطنية، بل عززت دفوعات الموقف المغربي في مختلف المحافل الدولية، في جهود تكللت بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الأمر الذي شكل دفعة دبلوماسية وسياسية قوية لوحدتنا الترابية ولموقفنا الوطني، وهو ما عزز من سيادة بلادنا على أقاليمها الجنوبية وكافة التراب الوطني.
وفي نفس السياق، تقوى مسلسل الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، بإقامة عدد مهم من الدول الأجنبية لقنصلياتها وتمثيلياتها الدبلوماسية بمدينتي العيون والداخلة، بل تعداه إلى شراكات اقتصادية واستراتيجية كبرى، شملت دون تحفظ أو استثناء، الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي.
وإضافة إلى ذلك، لابد من الإشارة إلى التغييرات الكبيرة التي بدأنا نلمسها في القرارات الأممية الأخيرة، حيث تتجه تدريجيا إلى تفتيت الأطروحات الواهية لخصوم المغرب، مقابل إضفاء المزيد من الشرعية على مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل السياسي الواقعي والأمثل لقضية الصحراء المغربية، بعيدا عن الأطروحات المتجاوزة للخصوم التي سارت تتلقى ضربات قوية، من أبرز تجلياتها سحب الاعتراف بالكيان الوهمي الذي أصبحت تتبناه 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لا تعترف نهائيا بالجمهورية الوهمية.
حضرات السيدات والسادة:
استحضارا من الحكومة لقدسية السيادة الكاملة لبلادنا على ترابها الوطني، وانطلاقا من التراكمات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا تحت القيادة الدبلوماسية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، ستعمل الحكومة ومعها وزارة العدل تحت التوجيهات الملكية السامية، على الاستثمار الأفضل للإجماع الوطني حول سيادتنا ووحدتنا الوطنية والترابية، وعلى الحضور القوي للمملكة المغربية داخل مختلف المحافل والتكتلات، والقوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الدولية، كما سنعمل بالموازاة مع ذلك على تعزيز قدرات الدبلوماسية الموازية التي يقوم بها المجتمع المدني، بشكل لا يقل أهمية على الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية، نصرة لقضيتنا الترابية، وتقوية للدور الذي تضطلع به بلادنا على الصعيد القاري والدولي. وما حضورنا اليوم بجانبكم لهذا اللقاء الهام إلا تجسيد فعلي لسبل التعاون والتشاور وتحسين صيغ الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية، وتعزيز قدرات دفاعنا على عدالة قضية وحدتنا الترابية.
حضرات السيدات والسادة
لا شك أن قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وارتفاع وثيرة التمثيل الدبلوماسي بمدننا الجنوبية، والذي سيشكل لامحالة دفعة سياسية وقانونية قوية لقضيتنا الوطنية. له مبرراته من الناحية السياسية والأمنية، المتمثلة أساسا في الصورة الديمقراطية المشرقة للمملكة، وفي استقرارها السياسي والأمني وتطورها التنموي، كمقومات دولة قوية تسير بثبات نحو التقدم، الأمر الذي مكن من تقوية حضور المغرب في المنطقة والإقليم والجهة، بل في العالم، وتمكينه من لعب دوره كاملا إلى جانب دول الجوار في تعزيز الحوار الديمقراطي الإقليمي والدولي، وفي دعم علاقات التعاون شمال جنوب، وجنوب جنوب، وفي الحفاظ على الأمن، والقضاء على تنامي المنظمات الإرهابية بالمنطقة.
ومن هذا المنطلق فإن الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء يشكل أرضية سياسية وقانونية مواتية، بل مقوما إضافيا آخرا لتعزيز الموقف المغربي في الساحة الدولية، وتعزيز شرعية ومشروعية قضيتنا الوطنية سياسيا وقانونيا، وعلى الجميع، حكومة وبرلمانا، محامون ومجتمع مدني، استقراء بعمق هذه التطورات المتسارعة، واستثمارها دوليا وبشكل مكثف لصالح عدالة قضيتنا الوطنية.
وفي هذا الصدد لن تدخر وزارة العدل من موقعها داخل الحكومة، جهدا في استغلال جميع مساحات الدفاع سياسيا وقانونيا على عدالة قضيتنا الوطنية، داخليا عبر تعزيز الوحدة الوطنية ودعم قدرات دفاع المجتمع المدني، وخارجيا من خلال استغلال المجالات التي تفتحها علاقات التعاون الدولي أو الثنائي في مجال العدل، أو من خلال الحضور داخل مختلف المحافل الدولية.
حضرات السيدات والسادة
انطلاقا من الأدوار والمهام الموضوعة على عاتق العدالة عموما، فإن الرهان كبير على هذه الاخيرة لتعزيز الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء داخليا، من خلال دورها الهام في تعزيز الأمن القضائي وأسس دولة الحق والقانون، وتحصين الحماية الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز الثقة لدى المستثمرين بمختلف ربوع المملكة عموما وبمناطقنا الجنوبية خصوصا.
وفي سياق تعزيز قدرات عدالتنا لتلعب هذه الأدوار الوطنية على أحسن وجه، شرعت الحكومة منذ سنين في تعزيز البنية التحتية لجهاز العدالة بمختلف مدننا الصحراوية، وفي هذا الإطار تم العمل على تقوية البنية التحتية للعدالة بمختلف مدننا الجنوبية، وتم في هذا السياق مؤخرا إنشاء محكمة استئناف جديدة بمدينة كلميم، لتقريب القضاء من المتقاضين في الأقاليم الجنوبية. كما تم بناء محاكم أخرى بمدننا الصحراوية وتجهيزها بأحسن التجهيزات التي توفر الظروف الملائمة للعمل بالنسبة للقضاة والمحامين والموظفين.
حضرات السيدات والسادة
بالنظر للأدوار الهامة التي يلعبها السيدات والسادة المحامون داخل المجتمع، عبر مسؤوليتهم الدقيقة داخل منظومة العدالة، باعتبارهم أحد الركائز الأساسية للعدالة، لإقرار الحقوق والحريات في القضايا المجتمعية العامة وفي القضايا المعروضة أمام القضاء، وبالنظر لقدسية هذه المهنة المستمدة من دورها في الدفاع عن الحق ومواجهة الظلم، وسعيها الدائم لإظهار الحقائق وإثباتها، والتأكيد على سيادة القانون وجعله فوق الجميع. فهي خير شاهد على عدالة القضايا.
فالمحامون ظلوا يحملون هم الدفاع عن الحقوق والحريات، وانشغالات المحاكمة العادلة، وهذه الأهداف من عمق الديمقراطية، بل هي كنه التوجه الديمقراطي الذي اختارته بلادنا، والذي أسس فكرة الجهوية المتقدمة، كإطار عام لتنزيل مشروع الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية، لذلك فالأشياء مرتبطة، ودور المحامي فيها محوريا، بل دوره يظل هاما في عملية التطور الدستوري والقانوني في بلادنا.
إن هذا الدور المحوري الذي يلعبه المحامي، هو الذي يجعلنا جميعا أمام مسؤولية كبرى في مواجهة قضايا المحاماة، لأن الإصلاح يرتبط بقرارات جريئة وشجاعة بعيدا عن الذاتية والمجاملات المهنية، أو غض الطرف عن بعض الانزلاقات، بل الحقيقة تقتضي إعادة النظر في عدة قضايا كي نعيد لمهنة المحاماة توهجها القانوني، بناء على اجتهادات قانونية تساعد المشرع في تقوية البناء القانوني، وتساعد السياسي في بلورة سياسة جنائية تضمن للمواطن الأمن النفسي والأمن القضائي، فتعالوا جميعا نشتغل بروح المسؤولية والسمو، لنساهم جميعا في إصلاح نظامنا القضائي من خلال إصلاح مهنتنا الرائعة والعظيمة.
وانطلاقا من كل ذلك، وكذلك من الأدوار الحقوقية الهامة التي تلعبها هيئة الدفاع في مختلف القضايا وطنيا ودوليا، فإن الرهان كل الرهان على السيدات والسادة المحامون، ليسهموا بدورهم وكما هو معهود فيهم، في الدفاع عن عدالة قضيتنا الوطنية داخل مختلف المحافل الدولية بالخارج بشكل لا يقل أهمية على دورهم في تقريب الخدمات القانونية لفائدة المتقاضين داخليا.
فهم في واجهة جبهة الدفاع عن عدالة قضيتنا الوطنية داخل مختلف المحافل الدولية، فالمحامون ظلوا دوما في الصفوف الأولى للمدافعين عن القضايا الوطنية والقضايا المرتبطة بالشأن المهني. وقد ساهم الجيل الأول من المحامين المغاربة في تعزيز استقلالية المهنة وتعزيز أدوارها الحقوقية داخل المجتمع، سواء داخل المنظومة القضائية المغربية والمجتمع المغربي في ظل الحماية، أو أيضا من خلال الإسهام بقوة في خوض المعارك التاريخية للدفاع عن حرية المغاربة ونيل استقلال المغرب.
وفي نفس السياق سجلت مهنة المحاماة الوطنية حضورا وازنا داخل المنظمات الدولية والجهوية، سواء داخل رئاسة الاتحاد الدولي للمحاماة، أو رئاسة اتحاد المحامين العرب وغيرها من الهيئات والمنظمات الدولية ذات الصلة بالمهنة، أو ذات الاهتمام بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وقد مكن حضور المحامين المغاربة في تلك المحافل من لعب دور مهم في التعريف بعدالة قضايانا الوطنية الدمقراطية والحقوقية والمهنية، والدفاع عنها دوليا وجهويا، ومن بين تلك القضايا قضية الصحراء المغربية. وهي مناسبة لنجدد التأكيد على أننا في وزارة العدل مؤمنون وبقوة، بضرورة إصلاح قانون مهنة المحاماة حتى نمكن هيئة الدفاع من جميع الميكنزمات والآليات والوسائل لتكون قوة حقيقية، وطرفا وازنا داخل منظومة العدالة، وفي نفس الوقت جعلها مهنة راقية تحمل في ذاتها الكثير من مقومات مواجهة بعض الاختلالات والشوائب التي تؤثر على صورتها لدى الرأي العام.
ختاما. لا يسعني ونحن نتناقش أحسن السبل للدفاع عن حقنا الوطني المقدس في صيانة وحدتنا الوطنية والترابية، إلا التأكيد على ما جاء في خطاب جلالة الملك يوم 7 نونبر 2020 حيث قال جلالته (سيظل المغرب ثابتا في مواقفه.. ولن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، والتي تعد مجرد هروب إلى الأمام، بعد سقوط أطروحاتها المتجاوزة) انتهى كلام جلالة الملك.
أشكركم مجددا على هذه الدعوة الكريمة، متمنيا لأشغال ندوتكم العلمية المتميزة هاته كامل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.