‘العثماني’ خلال المؤتمر الإستثنائي لحزب المصباح “هل فشل الحزب أم أُفشل”

كلمة ‘سعد الدين العثماني’ خلال المؤتمر الإستثنائي لحزب العدالة والتنمية:

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

الأخ رئيس المؤتمر الوطني الاستثنائي
الإخوة أعضاء لجنة رئاسة المؤتمر
الأخوات والاخوة المؤتمرات المؤتمرون
السيدات والسادة الصحفيون المحترمون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
نلتئم اليوم، بحمد الله وتوفيقه، في مؤتمر استثنائي ينعقد بدعوة من الأمانة العامة بعد انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني يوم 18 شتنبر المنصرم. وهي الدورة التي كانت مناسبة لتدارس واستعراض الوضعية السياسية وتقييم استحقاقات يوم الثامن من شتنبر وما تلاها من وقائع ومعطيات، وترتيب ما يتعين القيام به من تدابير، كان أبرزها تقديم أعضاء الأمانة العامة لاستقالتهم تحملا منهم لمسؤوليتهم في تدبير المرحلة، والدعوة إلى تنظيم مؤتمر وطني استثنائي من أجل انتخاب قيادة جديدة للحزب، في أفق المؤتمر الوطني التاسع. وهو الأمر الذي ثمنه المجلس الوطني في بيانه الختامي.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستقالة الجماعية لأعضاء الأمانة العامة، تؤطرها قانونيا المادة 102 من النظام الداخلي للحزب التي تؤكد ما يلي بالحرف: “تستمر هيئات الحزب في ممارسة صلاحياتها إلى حين اختيار الهيئات التي تخلفها. يستمر رئيس هيئة في الحزب أو عضو فيها في ممارسة صلاحياته إلى حين اختيار من يخلفه”.
ووفقا لهذه المادة اشتغلت الأمانة العامة من أجل توفير شروط انعقاد هذا المؤتمر في أسرع وقت ممكن بهدف انتخاب قيادة جديدة للحزب.
الأخوات والاخوة
نعقد مؤتمرنا هذا بعد ما يزيد عن ربع قرن من انطلاق دورة إصلاحية جديدة لحزب العدالة والتنمية منذ المؤتمر الوطني الاستثنائي المنعقد يوم 2 يونيو 1996، والتي تيسر له خلالها أن يسهم إسهاما مقدرا في مسيرة الإصلاح السياسي والنضال الديمقراطي وتجديد المشهد الحزبي وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين.
وقد خضنا هذه التجربة الإصلاحية بوعي وإرادة وأمل:
أ‌. بوعي كامل بطبيعة ومقومات وخصائص النسق السياسي المغربي، وباستيعاب عميق لمحددات وأطر الاشتغال من داخله والتفاعل مع مختلف مستويات تكوينه، وبإدراك أوسع لممكنات الإصلاح من خلاله؛
ب‌. بإرادة صلبة موقنة بأن الإصلاح في سياقنا الوطني ممكن، وبأن تجديد الحياة السياسية والاستجابة للآمال والتطلعات الشعبية متيسر، إن توفرت أجواء الثقة بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية وتظافرت الجهود للنهوض بوطن مسنود بإرث حضاري ضارب في التاريخ، ومرتكز على أمة أصيلة وموحدة وقوية استطاعت أن تجابه مختلف المشاكل والصعاب الداخلية والخارجية التي واجهتها؛
ت‌. وبثقة وأمل في الله أولا، ثم في مؤسسات البلاد الوطنية المستندة إلى ثوابت الأمة، وفي مقدمتها المؤسسة الملكية، إضافة إلى الإمكان الإصلاحي الكبير الذي يزخر به مجتمعنا.
ولله الحمد، فقد تهيّأت لحزبنا العديد من الأسباب الذاتية والموضوعية التي مكّنته من المشاركة في هذه المرحلة والقيام بأدوار طلائعية واعدة، من خلال نضالاته المبدئية والواضحة، والمخلصة للثوابت الوطنية، والصادقة مع عموم المواطنات والمواطنين. والتي تحرينا فيها طرح البدائل الممكنة من دون تزييف للواقع أو تقديم شعارات طوباوية.
وبفضل وضوح وصدق خطابنا السياسي، والانخراط الجاد لمناضلينا ومناضلاتنا في مختلف المبادرات المجتمعية والسياسية، استطاع الحزب أن يُراكم مكتسبات إصلاحية كبيرة ومهمة يشهد بها الخاص والعام. رغم كل المؤامرات والمناورات والإكراهات.. وتقلب السياقات .. وكثرة التحديات.. وتناسل الإشكاليات.. وتعاظم التطلعات.

مؤتمر وطني استثنائي في ظل سياقات استثنائية

معشر الأخوات والإخوة
لا شك أنكم تعون معي جيدا، الظروف الاستثنائية والشروط غير العادية التي نعقد فيها هذا المؤتمر الوطني الاستثنائي.
فهناك أولا سياق دولي مضطرب عنوانه الأبرز تراجع الاهتمام بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
وهناك ثانيا سياق إقليمي عنوانه الأبرز إقفال قوس الحراك الديمقراطي ومحاصرة القوى التي تمخضت عنه والعمل من اجل عرقلة وتفكيك التجارب الانتقالية بالمنطقة.
كما أن هذا المؤتمر ينعقد في سياق سياسي وطني عنوانه الأبرز ما أفرزته العملية الانتخابية من نتائج غير منطقية وغير معقولة، ولا تعكس، كما عبّر عن ذلك البيان الصادر عن اجتماع الأمانة العامة يوم 9 شتنبر وأكده المجلس الوطني للحزب في بيانه الختامي لدورة 18 شتنبر، حقيقة الخريطة السياسية والإرادة الحرة للناخبين، وتشكل إضرارا بتجربتنا الديمقراطية وبما راكمته بلادنا من مكتسبات في هذا المجال.
كما ينعقد هذا المؤتمر في سياق وطني يطبعه تصاعد التحديات والمؤمرات التي يواجهها المغرب، والتي تستهدف وحدته الوطنية والترابية، وهو ما جعل منه هدفا دائما لسياسات عدائية وعمليات عدوانية مقصودة من طرف دول ومنظمات معروفة بعدائها لبلادنا ولمصالحه الحيوية. وهو الأمر الذي أكده بشكل قوي جلالة الملك حفظه الله في خطابه بمناسبة الذكرى 68 لثورة الملك والشعب، حيث قال:
“أن المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب. والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات، التي يعرفها العالم”.
وهكذا في ظل سياقات دولية وإقليمية متقلبة ومتضاربة، وفي ظل سياق وطني يعيش فيه المغرب تحت وطأة المؤامرات الخارجية من جهة، ومن جهة أخرى تحت ضغط طموح الشعب المغربي لبناء صرح دولة ديمقراطية حامية للحقوق والحريات، وضامنة للكرامة والعدالة الاجتماعية بما يقتضيه ذلك من تحقيق منجزات تنموية. في ظل كل هذه السياقات المتقاطعة حرص حزب العدالة والتنمية دائما أن يجد التوازن اللازم بين حفظ مصالح الدولة وتمنيعها وبين تحقيق أكبر قدر ممكن من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية استجابة للانتظارات الكبيرة للمواطنات والمواطنين.
بعيدا عن خطاب التبرير.. بعيدا عن جلد الذات، ما الذي وقع؟

أيها الإخوة والأخوات
إننا نؤكد مرة أخرى، وبالرغم من مرور كل هذه المدة عن إعلان نتائج استحقاقات الثامن من شتنبر، ما أكده كل من بياني الأمانة العامة للحزب المجلس الوطني، أن تلك النتائج لا زالت نتائج غير مفهومة وغير منطقية، ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا، ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي، والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية.
كما أن ما تلا تلك النتائج من إفراز للأغلبيات سواء على مستوى الحكومة والجماعات الترابية، وما نتج عن ذلك من بعض المظاهر المسيئة للديمقراطية المغربية ولصورة ومصداقية مؤسساتنا المنتخبة. كل ذلك يؤكد ما عبرنا عنه من أن النتائج المعلنة كانت ولا زالت تطرح تساؤلات لا أجوبة سياسية منطقية لها، وتفرز تداعيات وارتباكات برزت منذ الأيام الأولى لتعيين الحكومة.
ولذلك تحتاج المرحلة للتداعي الجماعي من أجل قراءة موضوعية تستجمع جميع المعطيات الذاتية والواقعية التي تمكننا من استنتاج الخلاصات الموضوعية لهذه الاستحقاقات. كما أن ذلك سيمكننا من تحديد حجم مسؤولياتنا الذاتية، التي لا شك أنها موجودة ولا يمكن إنكارها أو التهرب منها. كما ستمكننا من التحديد الموضوعي لحجم التدخلات العابثة بالعملية الانتخابية والمتلاعبة بإرادة الناخبين والمتغاضية عن الاستعمال الكثيف للمال الانتخابي المشبوه وكافة آليات الإفساد الانتخابي.
إن القيام بهذا التمرين الجماعي سيمكننا من استخلاص الدروس اللازمة مما وقع يوم الثامن من شتنبر، وما يترتب عنه من تقييم صريح ونقد ذاتي حقيقي لتجربتنا وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مراجعات وتجديد واسعين لمشروعنا الإصلاحي من حيث أسسه النظرية وخياراته الإصلاحية وخطه وخطابه وسلوكه السياسي والنضالي، وضبط علاقاته مع مختلف القوى والفاعلين بما يسهم في حفظ المصالح الاستراتيجية لبلادنا، وبما يمكن من الإسهام في استكمال المسار الديمقراطي والتنموي الوطني وخدمة المواطنين والمواطنات بما يستحقونه من عدل وحرية وكرامة.
هل فشل حزب العدالة والتنمية أم أُفشل؟
معشر الأخوات والإخوة
ونحن بصدد هذه الكلمة، قد تتبادر إلى أذهاننا العديد من الأسئلة والإشكالات التي تستلزم أن نتصدّى لها بكل جرأة وحزم. وكلها أسئلة متعلقة بما حدث في الأمس القريب أو مآلات ذلك على ما يجري حالا وسيجري مستقبلا.
ومن الأسئلة التي لا يمكن أن نتجاوزها في هذا المقام، ماذا حدث يوم الثامن من شتنبر؟ وكيف حصد حزب العدالة والتنمية هذه النتائج الانتخابية غير المتوقعة وغير المنطقية؟ وهل حقيقة فشل حزب العدالة والتنمية في الحفاظ على موقعه في المشهد السياسي والحزبي أو أنه قد أُفشل؟
الواقع، أننا ومع الاحتفاظ بحق الحزب ببذل المجهود المناسب في المرحلة المقبلة استعدادا للمؤتمر الوطني التاسع، وما سيفرزه من إعادة قراءة الواقع السياسي وتقييم معطياته، تمهيدا لاتخاذ ما يناسب من القرارات والمواقف والتموقعات. فإن ذلك لا يمنع من التفاعل مع بعض المحاولات المتسرعة التي ما فتئ يتداولها بعض الأكاديميين والإعلاميين المنحازين، والذين ما فتئوا يسارعون إلى الركوب على نتائج الحزب الانتخابية والترويج لبعض الوصفات الجاهزة والقراءات المستعجلة غير المسنودة بمقومات النظر الموضوعي والرزين.
في هذا السياق، يثير البعض فرضية التصويت العقابي للمواطنين تعبيرا منهم عن موقف سلبي من الأداء التدبيري للحزب.
والواقع أن تحمل قيادة الحزب للمسؤولية لا يقتضي بالضرورة إقرارا ضمنيا بأن النتائج التي نُسبت للحزب طبيعية أو عادية. فحتى لو سلمنا جدلا بفرضية التصويت العقابي، فإن ذلك يفترض أن هذا التصويت لن يتوجه إلى فاعل حزبي واحد بل يلزمه أن يشمل مختلف مكونات الأغلبية الحكومية، وهو ما لم يقع.
كما أن منطق التصويت العقابي يقتضي أن تتجه أصوات الناخبين لفائدة أحزاب سياسية تتصدى للتطبيع أو تناصر اللغة العربية أو تقف ضد ما وصف بـ ” قانون فرنسة التعليم”، وهي أمثلة نوردها باعتبار ما أثارت هذه القضايا الثلاث من نقاش. والواقع غير ذلك تماما.
ومما يثيره البعض أيضا، استدعاء القول بـ “أفول الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية”،محاولة منهم للتدليس عن حقيقة ما حصل، وإرسال حكم عام بفشل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في تدبير الشأن العام. والواقع أنه ليس من باب العلمية أو الموضوعية في شيء المقايسة بين جميع تجارب المشاركة السياسية للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، على قلتها، دونما مراعاة للسياقات والشروط الخاصة التي عملت أو تعمل فيها هذه الأحزاب.
وبغض النظر عن أن أغلب هذه الأحزاب قد ووجهت بالعنف في العديد من دول المنطقة، بل إن بعضها لم تُمنح له حتى فرصة المساهمة في تدبير الشأن العام، فإن تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي هي تجربة خاصة لا يمكن المجازفة بإصدار هذا الحكم العام عليها في تجاهل تام لطبيعة النسق السياسي المغربي وتوجهه إلى استيعاب مختلف الحساسيات والمكونات.
أيها الإخوة والأخوات
دون مصادرة على المطلوب، فإن أردنا أن نبحث عن بعض العوامل التي يمكن أن نفسر بها نتائج الحزب في الانتخابات الأخيرة، فإنه يمكننا أن نجملها في:

  1. عبء ارتدادات الخريف الديمقراطي المسنود من بعض القوى الإقليمية المناهضة لمخرجات حراك الشعوب والمتموقفة سلبا من مشاركة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في تدبير الشأن العام؛
  2. عبء المسؤولية الذاتية للحزب في تحصيل هذه النتائج بسبب ما يمكن أن يكون قد وقع فيه من أخطاء أو ارتباك في التدافع السياسي من خلال مواقعه التدبيرية، فضلا عن اضطراب خطابه وسلوكه السياسيين في بعض اللحظات وما نتج عن ذلك من خلافات داخلية، كثير منها تم تناقله خارج مؤسسات الحزب في خرق للقواعد التي جرى العمل بها داخل الحزب.
  3. ومن ذلك أيضا ما قررته الأمانة العامة من تحمل المسؤولية على المضي في خيار المشاركة في هذه الانتخابات رغم ظهور مؤشرات واضحة على استهداف الحزب والتحكم المسبق في نتائجها، وتحمل المسؤولية في عدم تقدير أن استهداف الحزب كان يمكن أن يذهب إلى حدّ إحداث تغيير جذري غير منطقي في الخريطة السياسية.فضلا عن ضعف مقاومة الحزب للحملات الموجهة ضده خصوصا في الجانب الإعلامي.
  4. هذا دون إغفال الإضرار الكبير الذي لحق الحزب بسبب مظاهر التنازع التنظيمي وتأثيرها على صورة الحزب ومتعاطفيه، خاصة ما يتعلق بالإخلال أحيانا بنهج التدبير المؤسساتي للخلافات، وما استهلكه من طاقات وجهود لاحتوائه، بل شكل في مناسبات عديدة مواد خام للمتربصين بالحزب وللإعلام المناوئ للضرب فيه وفي أبنائه.
  5. ومن ذلك ما نعتبر أنه كان حاسما أيضا ولا يستقيم القفز عليه في تفسير ما وقع يوم 8 شتنبر من خلال حجم الخروقات والاختلالات التي شهدتها هذه الانتخابات، سواء ما تعلق بالتعديلات التراجعية التي طالت القوانين الانتخابية، أو ما ارتبط بالتشطيبات والتسجيلات المكررة بمناسبة المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية، أو الاستعمال الكثيف للمال، أو التلاعب بالمحاضر، وعدم تسليم بعضها، وتسليم بعضها الآخر خارج مكاتب التصويت، أو التوجيه المباشر للناخبين يوم الاقتراع، أو التأخر غير المبرر في الإعلان عن أسماء الفائزين، وغيرها من أشكال الإفساد الانتخابي التي أفضت –كما يقول بيان المجلس الوطني – “إلى إعلان نتائج لا تعكس حقيقة الخريطة السياسية والإرادة الحرة للناخبين”.

معالم دالة في الكسب الإصلاحي والإضافات النوعية للحزب

الاخوة والأخوات
لا شك أن تراجعنا الانتخابي بناء عن النتائج المعلنة للانتخابات الأخيرة، قد ساء العديد من بنات وأبناء الحزب والمتعاطفين معه والمقتنعين بنهجه الإصلاحي وخطه النضالي. وقد يكون كثير منهم قد تلبس به بعض الإحباط واليأس من العمل السياسي أو التنافس الانتخابي.
غير أني أريد أن أتوجه إلى كل هؤلاء، ومن خلالهم إلى عموم المواطنين، لأقول إن العمل السياسي في عرف حزب العدالة والتنمية لا يقتصر على اللحظة الانتخابية، وأن قيمة كسبه لا تتوقف عند حجم المقاعد البرلمانية التي قد يحوزها في هذه الانتخابات أو تلك، على أهمية ذلك ودروره في الإصلاح والتدافع السياسي.
غير أن حزب العدالة والتنمية ليس مجرد دكان انتخابي يلجأ إليه البعض برسم كل استحقاق، كما هو حال كثير من الأحزاب للأسف الشديد. بل هو مشروع إصلاحي كبير، وحزب سياسي حقيقي ينظر إلى العمل السياسي والالتزام الحزبي في أبعادهما المختلفة وأدوارهماالشاملة.
والحمد لله، فإن حزبنا خلال هذه الخمسة وعشرين سنة الماضية، بما فيها العشر سنوات الأخيرة التي تحمّل فيها مسؤوليات تدبيرية كبيرة، قد تسنى له الإسهام في العديد من الإصلاحات النوعية، وما نتج عنها من مكتسبات مشهودة للوطن والمواطنين، والتي يمكن أن نجملها فيما يلي:

  1. الاسهام في ترصيد الحياة الوطنية، من خلال تقديم عرض إصلاحي منسجم مع الثوابت الوطنية، مدافع ومعزز لها ومستجيب لتطلعات المجتمع، ومسهم، انسجاما مع مرجعيتنا الإسلامية، في نشر قيم الوسطية ومحاصرة نزوعات التطرف، مما أسهم في تعزيز وخلق شروط مواتية للإصلاح وحفظ المصالح الوطنية؛
  2. الاسهام في توطيد المسار الديمقراطي، من خلال المساهمة النوعية للحزب في إثراء الحياة السياسية وإعطاء معنى للسياسة بمضامين فكرية وأخلاقية فتحت المجال لإشراك فئات اجتماعية واسعة ومتنوعة من نساء وشباب ونخب. وهي الفئات التي انخرطت بقوة وجد في مسار تعزيز الدمقرطة والإسهام في عودة المعنى والثقة تدريجيا في العمل السياسي والمشاركة السياسية ومقاومة النكوص ونزعات الهيمنة الرامية إلى الاستبداد بمفاصل القرار والاستئثار بموارد الثروة؛
  3. الاسهام في تجويد تدبير الشأن العام، من خلال القيام بالوظائف السياسية والتمثيلية والتدبيرية، والحرص على الجدية في تنزيل وتفعيل الأوراش الإصلاحية الكبرى، فضلا عن إعمال مبادئ الشفافية والنزاهة والحرص على المال العام والحضور الدائم في تأطير المجتمع وتقريب المواطنين من قضايا الشأن العام. كل ذلك في إطار من الحرص على تفعيل مبدأ الشراكة مع مختلف الفرقاء والوفاء بالالتزامات والعهود.
    لقد استطاع حزب العدالة والتنمية خلال ولايتيه الأولى والثانية أن ينجز إصلاحات جوهرية توقف عندها جلالة الملك، حفظه الله، في خطابه بمناسبة افتتاح الولاية التشريعية الحالية بكثير من الإنصاف والتنويه. وهي الإصلاحات التي كان من بين مؤشراتها:
    a. الانتعاش الملموس للاقتصاد الوطني رغم الآثار غير المسبوقة للأزمة الصحية، وتوقع تحقيق نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة سنة 2021. وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى، على الصعيدين الجهوي والقاري.
    b. الارتفاع الملحوظ في الصادرات، في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية وارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة؛
    c. زيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بحوالي 46 في المائة، إلى غاية شهر غشت الماضي، والتوفر على احتياطات مريحة، من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات؛
    d. التحكم في نسبة التضخم في حدود 1 في المائة، بعيدا عن النسب المرتفعة لعدد من اقتصادات المنطقة؛
    ومن دون شك فإن هذه المكتسبات وغيرها، هي نتيجة عمل لكل مؤسسات الدولة ومن بينها الحكومة.
  4. الإسهام في ترشيد الممارسة الحزبية، من خلال النهوض بمختلف المهام المسنودة، ديمقراطيا ودستوريا، إلى الأحزاب السياسية. أو من خلال الحرص على استقلالية المؤسسة الحزبية وسيادية القرار الحزبي، والالتزام بقواعد الديمقراطية الداخلية واحترام حرية التعبير عن الآراء والأفكار والتقديرات والاجتهادات، والالتزام بقرارات المؤسسات؛
  5. الاسهام في تجديد تجربة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، من خلال تقديم نموذج واقعي لحزب ظل وفيا لتوجهاته المذهبية ناهض بأدواره الإصلاحية في انسجام مع خصوصيات محيطه التاريخية والاجتماعية، وبتفاعل سلس ضمن النسق السياسي بتدرج وواقعية وإيجابية.
    الاخوات والاخوة الكرام
    إن تتبع المسار الطويل والممتد لحزب العدالة والتنمية، يجعل المرء يقف عند تجربة سياسية مغربية متميزة لحزب إصلاحي وطني كابد ظروفه السياسية والتنظيمية في أفق أن يكون واحدا من القوى المنخرطة في مختلف جهود الدمقرطة والتنمية والعدالة. وهو الأمر الذي مكنه من أن يستجمع طيلة مساره شرعيات ومنجزات تؤكد صدقية وواقعية توجهه الإصلاحي وتشهد على مقدرا الجهود والنضالات التي بذلها رجاله ونساؤه من أجل الدفع بعجلة الإصلاح قدما.
    خلاصات:
    المؤتمر الوطني، فرصة لإعادة قراءة المسار
    واستئناف الانطلاق بإصرار واستبصار

أيها الإخوة والأخوات
إن المأمول من مؤتمرنا هذا هو أن يكون فرصة لاستئناف انطلاقة جديدة قوامها الإصرار والاستبصار، من خلال الاعتزاز بالدور الذي اضطلع به حزب العدالة والتنمية خلال مساره الطويل خدمة للوطن والمواطنين وخدمة للمصالح العليا لبلادنا وجعلها فوق المصلحة الحزبية. وكذلك التأكيد على أن ثقتنا في وطننا لن تتغير. ولن نفسح لخصومه للإضرار به والمس بمصالحه، كما لن نفسح لهم المجال لأن يستغلوا بأي شكل من الأشكال اختلاف وجهات نظرنا وانتقاداتنا لبعض السياسات الخاطئة أو بعض الممارسات المضرة بالاختيار الديمقراطي. ونؤكد أن الحزب سيبقى، دائما وأبدا، وفيا للثوابت الوطنية الجامعة والمتمثلة في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية والترابية، والملكية القائمة على إمارة المؤمنين، والاختيار الديمقراطي.
وأعيد التذكير هنا بمنهج العدالة والتنمية القائم على الثقة في الله أولا والثقة فيما بيننا والحرص على الوحدة والمؤسساتية، بالإضافة إلى استقاء الأخبار من مصادرها، ولا يفوتي أن أذكّر أيضاً أن آراءنا هي اجتهادات تتراوح بين الصواب والخطأ وليس بين الحق والباطل.
وأتصور أن الحزب سيظل ثابتا على خيار المشاركة الفاعلة والإيجابية في الحياة السياسية من مختلف المواقع، وأنه سيواصل القيام بأدواره السياسية والنضالية من أجل استكمال البناء الديمقراطي والدفاع عن الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لعموم الشعب المغربي، بعزم وقوة وصمود.
وفي الختام، أريد أن أتوجه لجميع أعضاء الحزب من النساء والرجال ليحرصوا على وحدة الصف وتماسكه، وأن يستفرغوا الجهد من أجل استيعاب ما حدث واستخلاص الدروس منه لكي نستأنف مسارنا النضالي بعزم وإصرار.. ووعي وإبصار والتمسك بالمؤسساتية.
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

About محمد الفاسي