مداخلة الدكتور عبد الله بووانو
رئيس مجموعة العدالة والتنمية
بمجلس النواب
في جلسة مناقشة البرنامج الحكومي 2021 – 2026
الذي عرضه السيد رئيس الحكومة المعين
أمام مجلسي البرلمان
في إطار الفصل 88 من الدستور
الجلسة العامة ليوم الأربعاء 06 ربيع الأول 1443 هـ الموافق لـ 13 شتنبر 2021
دورة أكتوبر 2021-السنة التشريعية الأولى
الولاية التشريعية 11- 2021/2026
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
الرسول الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
السيد الرئيس المحترم؛
السيد رئيس الحكومة المعين المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
نناقش البرنامج الحكومي ونحن نستقبل بعد أسبوع بحول الله ذكرى مولد خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ونغتنم هذه المناسبة المباركة لنتقدم بأزكى التهاني وأطيب التبريكات لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وللشعب المغربي وللأمة الإسلامية قاطبة، رافعين أكف الضراعة للعلي القدير ليمتع جلالته بموفور الصحة والعافية، وراجين منه سبحانه وتعالى أن ينعم على بلادنا وشعبنا وأمتنا بالأمن والاستقرار والمزيد من الرقي والازدهار.
السيد رئيس الحكومة المعين،
التعيين تكليف
بداية ندعو لكم ولكل الوزراء والوزيرات بالتوفيق والنجاح في مهامكم، لأن نجاح الحكومة هو نجاح للوطن، وهو ما نتمناه صادقين، ونذكركم بأن هذا التعيين هو تكليف بإدارة الشأن العمومي ورعاية المصالح العامة وخدمة المواطنين والمواطنات، من موقع قيادة العمل الحكومي والحكومة، وليس موقعا لتحصين مصادر الريع ومراكمة الثروة، وليس للعمل بالمنطق الذي سماه ابن خلدون الجاه المفيد للمال، وهو كذلك تكليف للوفاء بالوعود والإنصات العميق لآمال المغاربة وآلامهم وليس موقعا لدغدغة أسماعهم وشراء ولائهم بالكلام المعسول، كما تم ذلك للأسف من خلال شراء الأصوات بالأمس القريب في انتخابات يعرف الجميع حجم الأموال التي نزلت فيها، والتي كانت محل تنديد من مختلف المكونات السياسية، بمن فيهم من يشاطركم الأغلبية اليوم، هذه الأموال التي لا يمكن ان تكون إلا مما يطلق عليه “المال السهل”.
السيد الرئيس،
المعارضة التي نريد
نناقش اليوم البرنامج الحكومي الذي تعتزم الحكومة تطبيقه خلال هذه الولاية الحكومية والمقدم أمام البرلمان طبقا لأحكام الفصل 88 من الدستور، وهنا لا بأس أن نحدد في البداية المعارضة التي نريد والتي ستمارسها مجموعة العدالة والتنمية في إطار ما خوله لنا الدستور من صلاحيات وأدوار وانطلاقا من المكانة السياسية لحزب العدالة والتنمية ومواقفه الوطنية التاريخية.
وهنا، لا ضير من تذكيركم بأننا خبرنا المعارضة ودروبها لسنوات عديدة أبلينا خلالها البلاء الحسن لفائدة وطننا وشعبنا، ولن تنقص من عزيمتنا وعطائنا سنوات التدبير العشر التي تحملنا مسؤوليتها بنجاح، ولا أدل على ذلك من تقديم برنامجكم هذا الذي وجدنا فيه استمرارية وتنزيلا للأوراش الكبرى الاقتصادية والاجتماعية التي دشنتها حكومتي الأستاذ عبد الإله بنكيران والدكتور سعد الدين العثماني، والتي كنتم جزءا منها، ولم يزد عليها إلا البعض مما جاء من توصيات في تقرير لجنة النموذج التنموي.
ونعتبر اصطفافنا في المعارضة، بعد الانتخابات الأخيرة وما أعلن عنه من نتائج والتي سنعود لها، هو اصطفاف في الموقع الطبيعي، وسنمارس المعارضة بحزم ومسؤولية ووطنية، معارضة وطنية تنصت بإمعان واهتمام لهموم وانتظارات المواطنين وتدافع وتترافع بقوة عن مصالحهم، وتنتصر لقضايا الوطن وتدافع عن ثوابته الراسخة ومصالحه العليا لا نخشى في ذلك لومة لائم ولاتثنينا عن ذلك العقبات والمضايقات.
تثمين وترصيد المكتسبات
السيد رئيس الحكومة المعين،
نغتنمها مناسبة لنعبر كمجموعة نيابية لعدالة والتنمية عن اعتزازنا بما حققته الحكومتان السابقتان بقيادة العدالة والتنمية من المساهمة في إشعاع المغرب وتعزيز تميزه كبلد مستقر وآمن يتقدم في مسلسل الإصلاح ويتمكن من جلب استثمارات نوعية وضخمة وإنعاش الاقتصاد الوطني ويهتم بفئاته ومجالاته الهشة والمهمشة.
وهنا لا يسعنا المجال لتعداد هذه الإصلاحات والإنجازات، ونكتفي في مقامنا هذا بإيراد ما جاء في خطاب جلالة الملك حفظه الله في افتتاحه هذه الولاية التشريعية من اعتراف وتنويه بالنتائج التي حققتها الحكومة السابقة ومن ذلك:
o أن الاقتصاد الوطني عرف انتعاشا ملموسا، رغم الآثار غير المسبوقة التي خلفتها الجائحة حيث تراجع الاقتصاد العالمي عموما.
o من المنتظر أن يحقق المغرب، إن شاء الله، نسبة نمو تفوق 5.5 في المائة سنة 2021. وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى، على الصعيدين الجهوي والقاري.
o تسجيل القطاع الفلاحي، خلال هذه السنة، لنمو متميز فاق 17 في المائة، بفضل المجهودات المبذولة لعصرنة القطاع، والنتائج الجيدة للموسم الفلاحي.
o تحقيق الصادرات لارتفاعا ملحوا، في عدد من القطاعات، كصناعة السيارات، والنسيج، والصناعات الإلكترونية والكهربائية.
o تواصل الثقة في بلادنا، وفي دينامية اقتصادنا رغم تداعيات هذه الأزمة؛ كما يدل على ذلك ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يقارب 16 في المائة؛ وزيادة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بحوالي 46 في المائة، إلى غاية شهر غشت الماضي.
o مساهمة هذه النتائج في تمكين المغرب من التوفر على احتياطات مريحة، من العملة الصعبة، تمثل سبعة أشهر من الواردات.
o التحكم في نسبة التضخم، في حدود 1 في المائة رغم الصعوبات والتقلبات، التي تعرفها الأسواق العالمية، بعيدا عن النسب المرتفعة لعدد من اقتصادات المنطقة.
”وهي كلها مؤشرات تبعث، ولله الحمد، على التفاؤل والأمل، وعلى تعزيز الثقة، عند المواطنين والأسر، وتقوية روح المبادرة لدى الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين.”. الخطاب الملكي
وعليه أمر جلالة الملك إلى “باستكمال المشاريع الكبرى، التي تم إطلاقها، وفي مقدمتها تعميم الحماية الاجتماعية.” .
كل هذه المؤشرات نعتبرها خط انطلاقة بالنسبة لكم، لا يمكنكم التراجع عنها وسيأتي يوم الحساب مع المواطن الذي لن ينسى الوعود الكبيرة التي قدمتموها.
قضية وحدتنا الترابية
بداية، لا بد أن نذكر بما سجلته قضية وحدتنا الترابية، خلال 2017-2021، من انتصارات كبرى بقيادة جلالة الملك حفظه الله توسعت معها دائرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، وترسخت شرعية وجدية المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل دائم وعادل للنزاع الإقليمي المفتعل، وتسفهت الأوهام المضللة للمشروع الانفصالي وتعمقت أزمته في مخيمات تندوف.
وهي مناسبة لنتوجه بالتحية والتقدير والإكبار إلى أفراد قواتنا المسلحة الملكية وكل المرابطين على الثغور، كما نحيي وندعم جهود رجال ونساء الأمن الوطني والدرك الملكي ومختلف الأجهزة الأمنية والقوات المساعدة والوقاية المدنية التي تسهر بتفان ويقظة على أمن الوطن والمواطنين تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
كما لا ننسى الدعوة إلى مزيد من العناية بأسرة المقاومة وجيش التحرير، لما قدمته من خدمات جليلة لاستقلال الوطن، سائلين الله العلي القدير أن يتغمد برحمته الواسعة كل شهداء الوطن، ممن وهبوا حياتهم وأرواحهم في سبيل الدفاع عن وحدة وأمن ورفعة الوطن وعزة وكرامة المواطنين.
الدعم الثابت للقضية الفلسطينية
كما لا يمكن أن ننسى، كما نسيتم في برنامجكم وعرضكم، التأكيد على المواقف الثابتة لبلدنا من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في العودة وفي إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي مناسبة لنجدد موقف حزبنا الرافض للاختراق التطبيعي والتحذير من مخاطره على نسيجنا الوطني وإدانتنا للاعتداءات المتكررة للكيان الصهيوني على القدس وقطاع غزة والضفة الغربية، ودعوتنا لمواصلة جهود بلدنا بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في دعم الفلسطينيين والمقدسيين والذود عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطين المستقلة و عاصمتها القدس الشريف .
نتائج 8 شتنبر والإضرار بالاختيار الديمقراطي
السيد رئيس الحكومة المعين،
لابد قبل الخوض في مناقشة البرنامج الحكومي، من التذكير ببعض الوقائع التي تدحض ما جاء في تصريحكم بشأن حرصكم على تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته، لقد كنا ننتظر أن تكون انتخابات 2021 انتخابات حقيقية تنهي حالة التردد والتذبذب الديمقراطي الدائم في بلدنا بين إرادة الانحياز المطلق للديمقراطية ومبادئها وقيمها والاحتكام للإرادة الشعبية في إطار انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وبين إرادة إعمال منطق التوجيه والضبط المسبق للحياة السياسية ومخرجاتها، لكن للأسف كرست هذه الانتخابات انتكاسة ديمقراطية واستدعت ممارسات قديمة تصورا وتنظيما وممارسة، كنا نعتقد أننا قطعنا معها بعد دستور 2011 وانتخابات 2011 و 2015 و 2016.
لقد أسهمتم في إفساد معاني التمثيلية الديمقراطية بدعمكم خارج منطق التوافقات السياسية لتعديلات قانونية تراجعية، وهنا نؤكد أن نتائج حزب العدالة والتنمية الانتخابية كيفما كانت لن تمنعنا من التأكيد المبدئي لموقفنا الرافض للقاسم لانتخابي الجديد والدعوة إلى التراجع عنه، لأن ما يحرك حزبنا ليس هو الحسابات الانتخابية ربحا كانت أو خسارة وإنما ما يحركنا هو ارساء قواعد الديمقراطية السليمة والانتصار للخيار الديمقراطي وللإرادة الشعبية.
فضلا عن مختلف الاستهدافات المباشرة للحزب، من خلال:
o الاستهداف الواسع للحزب ورموزه وتبخيس حصيلته وإنجازاته، من خلال حملات رقمية وواقعية ممولة بتمويلات ضخمة، لا يدري أي واحد منا مصدرها؛
o التوظيف الفج للعمل الاجتماعي توظيفا سياسيا من خلال إنشاء جمعيات موازية لحزب سياسي معين وربط عمليات الدعم الاجتماعي بالدعوة للانخراط في حزب معين، واستغلال الجائحة وتداعياتها وحاجة المواطنين التي خلفتها؛
o تواصل ظاهرة الترحال السياسي أو الميركاتو الانتخابي مما يطرح بجدية سؤالا حول الطابع السياسي لانتخابات 2021 وترجمتها لخيارات سياسية وبرنامجية ومن ثم تعبيرها عن توجهات مذهبية وسياسية وبرامج انتخابية.
إضافة إلى الخروقات والاختلالات الثابتة بالدليل والحجة القاطعة والتي تم تسجيلها بالعديد من أقاليم المملكة ومن ذلك:
o الوقائع الثابتة في عدد من الأقاليم والدوائر للضغط على المئات من أعضاء الحزب ومناصريه من أجل عدم الترشيح في لوائح الحزب وتهديد بعضهم في مصالحهم ومصالح أقاربهم؛
o التضارب الحاصل بين لوائح الناخبين المسلمة للأحزاب السياسية وتلك المعتمدة في مكاتب التصويت في عدد من الدوائر؛
o ظاهرة الأسماء المكررة في اللوائح الانتخابية، والتي قد تصل إلى 5 بالمئة منها في العديد من الدوائر، مما كان مجال احتجاج للحزب مركزيا ومجاليا؛
o حجم الأموال التي ضخت لشراء الصحف والمواقع والمدونين، وصار تبخيس المؤسسات المنتخبة التي يحوز فيها الحزب على الصدارة أول وأكثر شيء يطل على هواتف المواطنين، إضافة إلى التوزيع الفظيع للمال السياسي قبل الحملة وخلالها ويوم الاقتراع بشكل مكثف لشراء ذمم الناخبين مما استنكرته عدد من الأحزاب.
o الامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب، في عدد كبير من مكاتب الاقتراع وطرد بعضهم الآخر، علما أن المحاضر تعد الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج المحصل عليها، إضافة إلى رفض كثير من رؤساء المكاتب تضمين ملاحظات المراقبين وتحفظاتهم في تلك المحاضر. (ما بين 6 بالمئة إلى 60 بالمئة هو نسبة المحاضر المسلمة في أغلب الأقاليم)
كما تم إفساد العملية الانتخابية بممارسات غير مشرفة اشتكت منها العديد من الأحزاب بما فيها تلك التي تشارككم اليوم التدبير الحكومي، من خلال استعمال أموال طائلة بمبالغ غير مسبوقة، والضغط على المنتخبين وتهريبهم لتشكيل مجالس جماعية قائمة على القرابات العائلية والزبونية الحزبية وانعدام الكفاءة، لقد دفعتم طويلا بوهم “حزب الأطر” فإذا بكم تغرقون حزبكم بالمرحلين من مختلف الأحزاب.
كما عمقتهم هذا الإفساد الانتخابي من خلال محاولة سخيفة للتدارك والتغطية على ما وقع يوم 8 شتنبر، من خلال ابتداع أسلوب تصويت غريب وعجيب يوم 5 أكتوبر جمع على عجل وبطرق مشبوهة أصوات بشكل غير منطقي ليتبوأ حزب العدالة والتنمية الصدارة ويحصل على عدد كبير من الأصوات لا علاقة لها نهائيا بعدد مستشاريه بالجماعات الترابية بلغ إلى حدود 800 في المائة من أصواته، وهو ما رفضه الحزب بقوة لأنه بكل بساطة لا يمكن ان يقبل أن يزور له او ان يمس بالاختيار الديمقراطي وبمصداقية العمل السياسي ولو كان هو المستفيد.
ولذلك فإننا نجدد التأكيد على ما ورد في البيان الصادر عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بتاريخ 9 شتنبر 2021 من “أن النتائج المعلنة نتائج غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية “.
كما نؤكد كذلك على أن ثقتنا في وطننا لن تتغير، وأننا لن نكون معول هدم أو تشكيك فيه وفي مؤسساته مستقبله، ولن نفسح لخصوم المغرب أن يشككوا فيها أو يستغلوا انتقادنا للممارسات الخاطئة أو النزوعات النكوصية عن الاختيار الديمقراطي، سنواصل من شعارنا “الوطن أولا” نضالنا من أجل تعزيز البناء الديمقراطي وبناء مغرب التنمية والعدالة من منطلق غيرتنا عليه الوطن وتقديم التضحيات من أجله.
وكانت أول إشارة دالة على هذه الثقة هو إعلان الأمانة العامة بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الاقتراع المرتبطة بانتخاب أعضاء مجلس النواب من خلال ما ورد في البيان المشار إليه أعلاه عن مسؤوليتها في تدبير المرحلة، وقررت بناء على ذلك الإعلان عن تقديم أعضائها وفي مقدمتهم الأمين العام الاستقالة، والدعوة لعقد مجلس وطني استثنائي ثم الدعوة للتعجيل بعقد مؤتمر استثنائي، من منطلق مواصلة الاحتكام لمنطق المؤسسات، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وستشكل المرحلة الانتقالية للسنة المقبلة تحت القيادة التي ستنتخبها قواعد حزب العدالة والتنمية فرصة لاستجماع كل المعطيات المتعلقة ب 8 شتنبر 2021، والتفكير العميق في الأسباب والمسببات واقتراح الخيارات والتصورات والأولويات لمرحلة ما بعد المؤتمر العادي.
تشكيل وتركيبة الأغلبية والحكومة ومكاتب الجماعات الترابية
السيد رئيس الحكومة المعين،
لقد استمر مسلسل التمييع والإفساد السياسي والهيمنة، إبان تشكيل الأغلبية الحكومية والأغلبية بالجماعات الترابية؛
لقد تنكرتم بطريقة فجة لالتزاماتكم مع حلفاءكم السابقين بمن كان فيهم حليفكم الأساسي في مسلسل البلوكاج وفي معركة القاسم الانتخابي؛
ومارستم الهيمنة بشكل غير مسبوق في تاريخ تشكيل الحكومات، فجمعتم في آن واحد بين رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان واستثئرتم بأكبر عدد من الوزارات وأهمها؛
وغيبتم وحقرتم السياسة والأحزاب والمناضلين والقيادات السياسية” في تشكيل الحكومة، فشكلتم حكومة تكنوقراط ببعض ألوان السياسة الباهتة، في ضرب لمصداقية الأحزاب ومناضليها وقياداتها واشعاعها المجتمعي وكأنها أحزاب عقيمة عاجزة عن احتضان وإنتاج الكفاءات المختلفة، غير أنه من الصعب عليكم استيعاب هذا الكلام الذي لا يستوعبه إلا أبناء الأحزاب السياسية الذين قضوا سنوات طويلة من النضال السياسي والحضور الحزبي؛
وفتتم الأقطاب الحكومية وتراجعتم عن تقليص عدد المناصب الوزارية، في الوقت الذي تتكون فيه الأغلبية من 3 أحزاب فقط: تمت الزيادة في عدد الوزارات ومازال العاطي يعطي من خلال اقتراح كتاب الدولة، بالإضافة إلى تفتيت الأقطاب: تفتيت “وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة” إلى 3 وزارات، تفيتت “وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء” إلى وزارتين، وتفتيت “وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي” إلى 4 وزارات…
وتراجعتم عن حقيبة حقوق الإنسان والحريات العامة خاصة في ظل التزام دولي للمغرب بخصوص تنزيل “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان”. فما هي الإشارة السياسة التي يجب التقاطها بخصوص قضايا الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان والحريات بالنسبة لبلادنا؟
كما نستغرب جمع قطاعين كبيرين وهما التعليم والرياضة في وزارة واحدة؛ فأي فلسفة أو منظور حكم هذا الاختيار؟ ما هي مبرراته العلمية والعملية؟ ما هي غاياته وأهدافه؟ وما هي آثاره المنتظرة؟
ولعل نفس الأسئلة تطرح حول خلفيات تسمية الوزارة بالتربية الوطنية والتعليم الأولي؟
ونسجل بكل اسف تعدد المسؤوليات لدى مجموعة من وزراء حكومتكم وأنتم على رأسها فلأول مرة في تاريخ المغرب نشهد رئيس حكومة يجمع بين منصب الرجل الثاني في الدولة ورئيس جماعة حضرية (رئيس حكومة ورئيس جماعة يعقد اتفاقيات مع نفسه)، كما أن الشعار الذي لوحتم به بخصوص تجديد النخب لم نلمسه على أرض الواقع كما كنتم تعدون به.
كما لم نفهم التفرقة بين قطاع التواصل ومنصب الناطق الرسمي باسم الحكومة، وتكليف وزير آخر به.
وكرستم الهيمنة والإقصاء وغلبتم منطق الأغلبية الحكومية في تشكيل الحكومة والجماعات الترابية في تغييب لاستقلالية الجماعات الترابية وللطابع الخاص للتنمية الترابية وساهمتم في عودة الأساليب القديمة بقوة وبالوجه المكشوف وبالصوت والصورة في تشكيل مكاتب الجماعات الترابية (شراء الذمم، البلطجة، عودة الوجوه المعروفة بالفساد الانتخابي والمالي).
مناقشة البرنامج الحكومي:
البرنامج الحكومي وحقوق الإنسان والحريات العامة
بقدر ما سجلنا اختفاء قطاع حقوق الإنسان والحريات من تسميات وزرائكم، بقدر ما سجلنا غياب أي التزامات في برنامجكم الحكومي يتعلق بتحصين المسار الحقوقي لبلادنا، وتعزيز مناخ الحريات، وذلك على عكس بعض الوعود التي أطلقها بعض مكونات حكومتكم المعينة لمعالجة بعض الملفات العالقة وخلق شروط انفراج حقوقي بلادنا في أمس الحاجة إليه، خصوصا ما يتعلق بالعمل على إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية بالريف وإطلاق سراح بعض الصحافيين المعتقلين، خاصة وأن هناك العديد من التوصيات العامة أو القرارات الفردية التي تنتظر التفعيل العاجل، ومنها ما يتعلق بالمحاكمة الجارية لأحد كبار الصحفيين وهو سليمان الريسوني.
كما اعتبرتم أن هناك حاجة ملحة لتحيين الخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان، بينما اعتبرتم أن ورش إصلاح العدالة يعتبر اليوم نموذجا يحتذى به في العالم، ونحن بقدر ما ندعو لتنزيل الخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان التي لازالت في بداية التنزيل ، بقدر ما نعتبر اليوم أن هناك حاجة مستعجلة لفتح ورش تقييم الميثاق الوطني لإصلاح العدالة، بعد أربع سنوات من تنزيله، فبقدر ما هناك عناصر قوية تستحق الإشادة، بقدر ما أبانت التجربة العملية عن اختلالات خطيرة تستحق المراجعة والتقييم، خصوصا في علاقة السلطة القضائية بالسلطة التشريعية، وتفلت بعض مقومات المنظومة القضائية عن المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما انكم لم تشيروا إلى كل ما يتعلق بالرقي بالإدارة القضائية وتحديثها والمكننة الشاملة للمحاكم من أجل الرفع من القدرات التواصلية للمحاكم مع المتقاضين وتعميم نشر المعلومة القضائية والقانونية، ناهيك عن غياب الحديث عن كل ما يتعلق بالمهن القضائية وتحديث منظومتها القانونية، وكل ما يتعلق بالحماية القانونية لممارسة الحريات ولاسيما مراجعة القانون الجنائي وضمنه تجريم الإثراء غير المشروع والمسطرة الجنائية وملائمتهما مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الانسان.
كما سجلنا بقلق كبير غياب الحديث عن سياسة المغرب اتجاه المنظمات الحقوقية الدولية وتفاعله المنتظم مع الآليات الأممية في مجال حقوق الإنسان والتي رآكم فيها المغرب خلال عشر سنوات علاقات متميزة وقوية مبنية على التعاون البناء، خاصة وأن هناك العديد من التوصيات العامة أو القرارات الفردية التي تنتظر التفعيل العاجل.
التعليم ورهان الإصلاح المنشود
بعد استغرابنا لجمع قطاعين كبيرين التعليم والرياضة، في ظل عدم تضمين التصريح الحكومي أي أجوبة أو معطيات على هذا المستوى، نقول أن بناء منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ببلادنا تحكمه مرجعيات جامعة كان على الحكومة أن تنطلق منها قبل ركوب أي مغامرة غير محسوبة العواقب، ونقصد هنا الرؤية الاستراتيجية 2030- 2015 التي تشكل خارطة الطريق المحددة لاختيارات المنظومة ولهيكلتها ومكوناتها وحكامتها، وهي الرؤية التي تم تحويلها بدعوة من جلالة الملك حفظه الله إلى قانون إطار متعاقد حوله وملزم للجميع.
ومما يبعث على الاستغراب في التصريح الحكومي أنه لم يشر نهائيا إلى الرؤية الاستراتيجية، ولا إلى القانون الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الذي حظي بإجماع كل المكونات السياسية في يوليوز 2019، واللذين يشكلان معا المرجعية الأساسية لأي إصلاح تربوي.
إن عدم الإحالة بأي شكل من الأشكال على هاتين الوثيقتين، أوقع الحكومة في خطإ فادح سبق ما لجلالة الملك التنبيه إليه، حين دعا جلالته إلى تخليص المنظومة من سياسة الإصلاح وإصلاح الإصلاح الذي لا ينتهي.
إن عدم الإحالة على القانون الإطار يعني أن الحكومة فاقدة للبوصلة منذ يومها الأول، وستؤدي لا قدر لها إلى تأزيم منظومة التربية والتكوين بدل تطويرها والارتقاء بها.
يرتكز البرنامج الحكومي على شعار واحد وهو ما سماه “مدرسة تكافؤ الفرص”، وقد جاء هذا الشعار فضفاضا وعاما ومفتقدا لأية إجراءات جديدة تعكس رؤية الفريق الحكومي لتحقيق هذه الغاية، بل إن أغلب ما ورد في التصريح الحكومي هي برامج وخطط عمل قائمة ويتم تنزيلها منذ مدة ومنها:
تعميم التعليم الأولي للأطفال البالغين 4 سنوات:
ليس هذا بالأمر الجديد، فخطة التعميم انطلقت منذ سنة 2017، بعد الرؤية الملكية الموجهة للمشاركين في لقاء الصخيرات الذي أعطى انطلاقة البرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم الأولي، حيث من المنتظر أن نبلغ هدف التعميم خلال سنة 2026 بدل 2028 المقررة في البرنامج، بالنظر لوتيرة التعميم المتسارعة في مختلف الجهات والأقاليم.
تعزيز الكفاءات الأساسية لدى التلاميذ:
ورد في البرنامج الحكومي سعي الحكومة إلى تعزيز قدرات التلاميذ في الكفاءات الأساسية وتحديدا في القراءة والكتابة والحساب والبرمجة، مما يستدعي إعادة النظر في المقررات والمناهج التربوية، وهذا مسلك مستغرب لأن عملية مراجعة المنهاج الدراسي انتهت قبل أسابيع فقط، وسيشرع في تطبيق المنهاج الجديد خلال السنة الجارية، وهي عملية معقدة وطويلة تطلبت سنوات، بالإضافة إلى استكمال تجديد الكتب الدراسية، وفضلا عن كل ذلك فمراجعة البرامج والمناهج مهمة بيداغوجية تشرف عليها اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج المنصوص عليها في القانون الإطار والتي ينتظر أن ترى النور قريبا، لذا فإن حديث الحكومة عن مراجعة البرامج والمناهج غير ذات معنى على الإطلاق.
خطة التعليم الرقمي:
ورد في البرنامج الحكومي الحديث عن خطة للتعليم الرقمي، وهذا ليس بالأمر الجديد، ذلك أن مأسسة التعليم عن بعد منصوص عليها في القانون الإطار وتأكدت الحاجة إليها إبان الجائحة بعد أن تعذر استمرار التعليم الحضوري، غير أن البرنامج الحكومي اكتفى ببعض الإشارات الشكلية ولم يشر إلى كيفية تحقيق المأسسة المنشودة، ولم يتحدث عن مشروع المدرسة الرقمية والجامعة الرقمية اللتين تشكلان النموذج المعتمد في التعليم الرقمي بالبلدان المتقدمة.
تعميم تجربة المدارس الجماعاتية:
هذا الهدف تضمنته وسعت إليه كل البرامج الحكومية، وكان على الحكومة أن تقدم تصورها لتطوير هذه المدارس وليس تعميمها فقط، ذلك أن الواقع أثبت أن مشاكل عدة تعترض هذا النموذج، وأوصت مختلف التقارير بتطويره، غير أن التصريح الحكومي اكتفى بالحديث عن تعميمه وهو ما يعد قصورا في استيعاب هذا النموذج وفهم إكراهاته.
النقل المدرسي:
تحدث البرنامج الحكومي عن نية الحكومة في مواكبة المجالس الإقليمية والمحلية من أجل تمويل وتدبير خدمات النقل المدرسي غير أنه لم يقدم أي مقترحات عملية تحدد طبيعة هذه المواكبة وآلياتها، ولا طرق التمويل ومصادره، ولا أيضا نماذج التدبير المقترحة.
رد الاعتبار لمهنة التدريس
تحدث البرنامج الحكومي عن مدخلين أساسيين لرد الاعتبار لمهنة التدريس، أولهما إعادة النظر في المسار التكويني للأساتذة، باعتماد الانتقاء القبلي للمترشحين وإخضاعهم للتكوين لمدة 3 سنوات بمؤسسات متخصصة ” كلية التربية” تليها سنتان بالمراكز الجهوية لمهن التربية، وهذا التصور ليس بجديد بل هو ذات التصور الذي تمت بلورته مع الحكومة السابقة بل وتم استقبال الأفواج الأولى من المترشحين للإجازة في سلك التربية، وقد أطلق على هذا المشروع الذي انطلق منذ أزيد من ثلاث سنوات تقريبا “مشروع مدرس الغد”، لذلك فما ورد في البرنامج الحكومي تكرار لنفس المشروع تحت مسميات جديدة.
الزيادة في أجور الأساتذة ب 2500 درهم:
وعد حزب رئيس الحكومة خلال حملته الانتخابية رجال ونساء التعليم بالزيادة في الأجر بما مقداره 2500 درهم شهريا، وهذا التعهد موثق ومسجل على لسان قيادات ومسؤولي هذا الحزب، وتتداوله وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، غير أن التصريح الحكومي الذي قدمه السيد رئيس الحكومة تضمن تراجعا واضحا عن هذا الالتزام، حيث جعل هذا الرفع تدريجيا، وربطه بالحوار الاجتماعي مع النقابات، وخص به من هم في بداية المسار المهني من حاملي شهادة التأهيل التربوي، وهذا تراجع واضح عن الوعود المقدمة خلال الحملة الانتخابية، فهل ستعيد الحكومة الاعتبار لرجال ونساء التعليم بزرع الفرقة بينهم؟ هل ستتنكر لتضحيات أجيال من الأطر التربوية والإدارية وغيرها من الفاعلين داخل المنظومة ممن أفنوا أعمارهم في خدمة المنظومة؟ ثم ماذا عن أطر التربية والتكوين الذين يمارسون مهاما أخرى غير التدريس؟ وماذا عن باقي الموظفين والمستخدمين في القطاعين العام والخاص؟ وما مآل وعود حلفائكم بإدماج المتعاقدين من الأساتذة؟
لعل من أبرز ما ورد في البرنامج الحكومي الذي قدمه السيد رئيس الحكومة التزامه بتصنيف المغرب ضمن 60 دولة الأولى عالميا في مجال التعليم، وهو الالتزام الثامن الذي من بين الالتزامات العشرة التي التزم بها السيد رئيس الحكومة، وهذا ما نتمناه، وسننتظر لنقف على حقيقته في قادم الشهور والسنوات.
البرنامج الحكومي والمرأة والأسرة
نستغرب غياب أي إشارة في البرنامج لاستكمال تنزيل المؤسسات الدستورية عموما وتلك المرتبطة بالمرأة والأسرة خصوصا الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كافة أشكال التمييز والتي ينتظر منها أن تقوم بدور حيوي في تعزيز حماية المرأة والأسرة داخل المجتمع، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة الذي من المنتظر أن يقوم بأدواره في ترصيد وتقوية حضور قضايا الاسرة والطفولة في السياسات والبرامج العمومية.
كما أن التمكين الاقتصادي للمرأة يتطلب أيضا الحرص على ملائمة شاملة لقانون مدونة الشغل والقانون الأساسي للوظيفة العمومية لمضامين الاتفاقيات المصادق عليها ذات الصلة بموضوع عمل المرأة؛ مع ضرورة العمل على مواصلة المملكة المغربية لمنحى المصادقة على جميع اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وليس فقط إطلاق الوعود بفتح حضانات في أماكن العمل.
البرنامج الحكومي وتعزيز حرية واستقلالية الإعلام وادوار المجتمع المدني
كما سجلنا باستغراب كبير غياب أي إشارة للنهوض بالإعلام وتعزيز حرية الصحافة وضمان تعدديتها ومهنيتها. وهو أمر غير مستغرب من طرف من عملوا على تأميم حرية الصحافة والإجهاز على حرية التعبير عن طريق سياسة الجزرة المتبوعة بالعصا إذا لم تنفع الأموال الهائلة المرصودة لتجريف الصحافة وجرها إلى مستنقع الرأي الواحد والخط التحريري الواحد اللهم من استثناءات قليلة تعاني اليوم من صعوبات مالية ومشاكل في الحصول على الإشهار، كل ذلك من تجليات ما نبهنا له سابقا من خطورة الجمع بين السلطة والثروة واستعداد البعض لشراء كل شيء بالمال.
كما انه ومن مظاهر التراجع الواضح عن المكتسبات الديموقراطية في بلادنا غياب الإشارة إلى المجتمع المدني سواء في تشكيلتكم الحكومية أو في البرنامج المقدم به من طرفكم وعدم التعاطي مع المجتمع المدني كفاعل في بلورة السياسات العمومية وتقييمها، اللهم إشارة يتيمة له إلى جانب التعاونيات، وهو ما يعكس النظرة الاختزالية التي تحملونها حول المجتمع المدني والاستخفاف الواضح بالأدوار الدستورية الجديدة للمجتمع المدني، ولا سيما أدواره الترافعية والاقتراحية فضلا عن أدواره النضالية والحقوقية.
البرنامج الحكومي وبداية التراجع عن الوعود الانتخابية
لقد تميزت هذه الانتخابات بانطلاق حملة انتخابية طويلة وسابقة لأوانها ومبينة على انتقاد الإصلاحات الهامة والنوعية والوطنية التي قامت بها الحكومتين السابقتين وتحميل العدالة والتنمية المسؤولية عنها والوعود بالتراجع عن هذه الإصلاحات، بالإضافة إلى توزيع وعود جديدة سخية وبالأرقام اكتسحت صفحات شبكات التواصل الرقمي.
لذا، فمسار الثقة والمسؤولية والمصداقية السياسية، وموقع رئيس الحكومة الذي كان ينقص “حزب”102 لتنفيذ برامجه، كل هذا يتطلب الوضوح وتضمين البرنامج الحكومي هذه الوعود.
لكن وللأسف، لم يتضمن البرنامج الحكومي مواقف واضحة وصريحة بالتراجع عن مختلف الإصلاحات والإجراءات السابقة التي كانت تنتقدها بشدة كل او بعض مكونات الأغلبية الحالية وتعتبرها مدعاة للتصويت ضد العدالة والتنمية.
فهل ستتراجعون وأنتم تتوفرون اليوم على رئاسة الحكومة وعلى الأغلبية المريحة عن استقلالية النيابة العامة، وهل ستتراجعون عن إصلاح المقاصة وتعيدون نظام دعم المحروقات، وهل ستسقفون أسعار المحروقات وهل ستفعلون مقترحكم بتاميم شركة لاسامير؛
وهل ستتراجعون عن إصلاح التقاعد وتعرضون مشروع قانون يعيد سن التقاعد إلى 60 سنة عوض 63 سنة، وتتراجعون فيه عن الزيادة في المساهمات وعن تخفيض المعاش، كما انتقدتم ووعدتم؛
وهل ستتراجعون عن نظام التعاقد في قطاع التعليم، وما مآل وعدكم بالزيادة في أجول نساء ورجال التعليم بما مقداره 2500 درهم شهريا، والتراجع عنه صراحة عبر ربطه بالحوار الاجتماعي مع النقابات، وتخصيص الحاصلين من هؤلاء الأساتذة على شهادة التأهيل التربوي بتلك الزيادة.
وما هو مآل وعودكم بمنح خصم ضريبي برسم نفقات التمدرس، وتقليص تكاليف الدراسة في المدارس الخصوصية.
برنامج حكومي بلغة الانشاء ومغيب للمؤشرات وآجال وكيفيات التنفيذ
لقد طغى على برنامجكم الحكومي الإنشاء وغابت المؤشرات والأهداف الاقتصادية والاجتماعية المقرر تحقيقها خلال عمر الولاية الحكومية، فلا حديث عن نسب النمو الاقتصادي، وعجز الميزانية، وحجم الاستثمارات العمومية، ونسبة البطالة، ونسبة التضخم، ….. ، ولا حديث عن الإجراءات والحكومية وآجال تنزيلها مقرونة بمؤشرات التنمية الاجتماعية والحكامة، فلا حديث نسبة الفقر والهشاشة، ومؤشرات محاربة الفساد، ومحاربة الرشوة ، وحكامة الصفقات العمومية، ولا حديث عن مخطط تشريعي يحدد القوانين التشريعية ذات الأولوية.
برنامج حكومي ووعود في غياب وسائل التمويل
لقد تعهدتم خلال حملتكم الانتخابية بتمويل البرنامج الحكومي دون الزيادة في المديونية أو الزيادة في الضرائب، كما تعهدتم بتخفيض عجز الميزانية إلى 3,6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، واليوم يأتي برنامجكم الحكومي دون أن يبين أوجه التمويل التي سيعتمدها ولا طريقة تخفيض عجز الميزانية، فما هو موقع القطاع الخاص والأبناك من برنامجكم، الأمر الذي سيبقي هذا البرنامج مثار تساؤل من حيث القابلية للإنجاز، والواقعية والمصداقية.
برنامج يكرس التطبيع مع الفساد،
حيث لم يشكل أولوية ضمن فقراته رغم حديثكم عن الحكامة، ولم تحدد آليات محاربته، وغياب آليات قياسه، وخاصة في المجال الاقتصادي والتنموي والمؤسساتي، بحيث لم تضعوا أي مؤشر من المؤشرات الدولية، فضلا عن عدم الحديث عن علاقتكم بمؤسسات الحكامة الجيدة، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وكيفيات الحد من الريع والاحتكار وتضارب المصالح.
السيد رئيس الحكومة لن ننسى مواقفكم بشأن عدد من قضايا محاربة الفساد وأنتم جزء من الحكومة السابقة، حيث وقفتم سدا منيعا إلى جانب البعض من حلفائكم حتى لا تتم المصادقة على مشروع قانون احتلال الملك البحري، وحتى لا يتم تعديل المقتضيات المتعلقة بالإثراء غير المشروع بمدونة القانون الجنائي.
برنامج الاستمرارية أم القطيعة
السيد رئيس الحكومة كنتم جزءا من الحكومتين السابقتين ولم تكلفوا أنفسكم عناء الثناء على منجزاتها ويكفينا في ذلك ما جاء الخطاب الملكي السامي الافتتاحي لهذه الولاية، بل استعملتم مصطلحات من قبيل البديل، والتغيير والقطيعة، ولكن لن يضركم أن تطلبوا من كفاءاتكم إجراء قراءة أفقية وأخرى عمودية لافتحاص جوانب الاستمرارية في برنامجكم وتقاطعه مع برنامجي الحكومتين السابقتين، بمواصلة الأوراش التي تم تدشينها سابقا من جهة، ومن ذلك ورش الحماية الاجتماعية، وتنزيل مقتضيات القوانين الاطار التي تمت المصادقة عليها، وإنشاء أوراش التجهيز الكبرى.
وبالالتزام حرفيا بتنزيل جزء مما جاء في تقرير لجنة النموذج التنموي من جهة أخرى، وستؤكد الأيام هذه الحقائق.
برنامج الأخطاء الجسيمة
o فكيف يعقل حديثكم عن إحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، وفي الحقيقة قد تم إحداثها بقانون رقم 20.82 على يد الحكومة السابقة في شهر يوليوز 2021،
o الحديث عن تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى اقل من 39% عوض 46,4% حسب مؤشر جيني، للتذكير فإن معامل جيني لقياس التفاوتات يبنى عموما على أساس الفوارق في الدخل، لكن في المغرب والعديد من الدول النامية، وفي غياب معطيات حول الدخل، فانه إلى حدود اليوم، يعتمد على مستوى الانفاق لدى الافراد. وبهذه الطريقة للاحتساب فإن المؤشر يعرف استقرارا منذ وقت طويل حوالي 40%. ومعروف أن هذا المؤشر يتغير ببطء شديد موازاة مع التغيرات في مستويات الدخل التي تتغير ببطء أيضا موازة مع تحقق أثر السياسات الدامجة. وللإشارة، ليس هناك أي قياس رسمي لمؤشر جيني يشير إلى مستوى 46,4%. وما هنالك، لاول مرة قامت المندوبية السامية ببحث حول الدخل لدى الاسر بتعاون مع معهد ايطالي، بين شهري دجنبر 2019 ومارس 2020، وهو بحث تجريبي، استنتجت منه ان معامل جيني، بالنظر إلى نتائج هذا البحث، يبلغ مستوى 46% عوض 39% المسجلة سابقا بالاعتماد على النفقات. وبالتالي فاعتمادكم على هذا المؤشر الذي لا زال قيد التجربة يعتبر خطئا جسيما خاصة وأن برنامجكم لم يورد الإجراءات المتعلقة بكيفية تخفيضه عبر معالجة الأسباب وراء تلك الفوارق الاجتماعية والمجالية ومن ذلك غياب العدالة الضريبية والاحتكار، وضمان الولوج لوسائل الإنتاج، والتفوق الدراسي.
وعليه ينبغي أولا تثبيت منهجية قياس المؤشر بالاعتماد على الدخل وأن يكون الالتزام بخفضه إلى 39% بنفس طريقة الاحتساب أي اعتمادا على الدخل.
o برنامج الحكومة والمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية لا سيا الغذائية والصحية والطاقية:
o جاء برنامجكم على ذكر مقتطف من خطاب صاحب الجلالة حفظه الله، ودون توضيح أي إجراءات أو تدابير أولية لأجرأة هذا المخزون، مما يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات، لأن جزء من تلك التدابير مرتبط بكم مباشرة، ومن ذلك سؤال من وقف ضد مقترح استثمار شركة لاسامير ل12 مليار درهم لتدبير المخزون الاحتياطي من المحروقات وكيف تم استبداله باستثمارات بكل من طنجة والجرف الأصفر على يد إحدى الشركات التي تعرفونها حق المعرفة. وما هو مآل 3 مليار درهم التي خصصتها حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران لهذا المخزون؟ وما تصوركم للاستثمار في التخزين واللوجيستيك في علاقته بالتجارب الدولية.
العلاقة مع البرلمان
غيب برنامجكم بشكل دقيق وواضح آليات التواصل مع البرلمان ولاسيما المعارضة، مع رسم المعالم الأولية للمخطط التشريعي لهذه الولاية.
السيد رئيس الحكومة المعين،
لقد أكدنا في البداية اننا اخترنا موقع المعارضة في هذه المرحلة من تاريخنا السياسي لأننا اعتبرنا ان موقعنا الطبيعي هو المعارضة في ظل ماشاب هذه الانتخابات من شوائب وممارسات منافية للاختيار الديمقرطي وللإرادة الشعبية الحرة والنزيهة.
كما اننا اليوم نجد انفسنا امام حكومة وبرنامج حكومي من جنس انتخابات 8 شتنبر و 5 أكتوبر:
حكومة جاءت بها انتخابات أفسدتها أموال لازال الرأي العام يتساءل عن حجمها وعن مصدرها؟ انتخابات شابتها الكثير من الاختلالات جعلت نتائجها بعيدة عن المنطق الديمقراطي؛
حكومة بدون روح سياسية؛ حكومة تجمع بين وزراء من التحالف الثلاثي، ووزراء تمت صباغتهم بألوان حزبية في آخر ساعة، ووزراء من لجنة النموذج التنموي، …
حكومة غيبت حقوق الإنسان عن اهتماماتها سواء ضمن هيكلتها أو في برنامجها؛
حكومة أبى حزبها الاغلبي الا ان يبصمها بالهيمنة والاقصاء حتى في مواجهة حلفائه بالأمس القريب؛ في الوقت الذي دعم فيه القاسم الانتخابي بدعوى الدفاع عن التعددية والتمثيلية والتنوع ومحاربة الهيمنة والإقصاء؛
حكومة “بداية التراجع عن الوعود”: تسجيل أول تراجع كبير عن الوعود والأولويات المعلنة من طرف الحزب الأغلبي الذي جعل من أولى أولويات برنامجه “التعليم” و”الصحة” الذي وعد بانه سيتحمل مسؤولية هذين القطاعين لتدارك الخصاص وتنفيذ الإصلاحات اللازمة. وفي أول امتحان له يتراجع الحزب الأغلبي ويتنازل عن وزارة التربية الوطنية وعن وزارة التعليم العالي.
حكومة تتنكر في برنامجها لبعض الوعود الانتخابية الكبيرة والجوهرية؛
لكل هذه الاعتبارات فإننا سنصوت في مجموعة العدالة والتنمية ضد برنامجكم الحكومي.
“وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته