لاشك أن التقدم الذي أحرزه الطب الحديث و طرق التشخيص للأمراض النفسية سواء من حيث الدقة أو من حيث العلاج من أدوية فعالة و مرافقة الحالات جعلت المرض النفسي كغيره من العلل يعرف و يشخص و يرجى شفائه كل هذا جعل المريض النفسي في كثير من الحالات يكسر جدار الصمت ليعلن معاناته في الوسط الطبي المؤهل لتشخيص مرضه و تتبع حالته.
ألا أن الوصم الاجتماعي الذي ينال من هؤلاء المصابين تجعلهم ضحية اتهامات و تصنيفات أقل مايقال عنها أنها ظالمة قاسية مستفزة.
راودتني غير مامرة قصص و حكايات تتنوع من اكتئاب حاد الى وسواس قهري إلى غير ذلك من الأمراض النفسية، شاب في مقتبل العمر أحاله الاكتئاب الحاد إلى شبح متثائب الحركات فاقد الرغبة في كل شيء وسط أسري رافض لكل سبل العلاج، لا لشيء إلا هروبا من وصمة العار، هل يعقل أن يقال عنه مجنون لا يمكن فبذلك لن يجد فرصة عمل حياته المستقبلية مهددة بالضياع، أحد المقربين أقنع العائلة بان العلاج ممكن و الدواء متاح ، تأثير الدواء كان ناجعا أحال الشاب من شارد بائس إلى إنسان طموح مقبل على الحياة.
قصة أخرى لطالبة عانت الأمرين من أعراض الوسواس القهري الذي استوطن جسمها وأحال حياتها جحيما لا يطاق تردد مستمر و انفعالات قلق متزايدة، ساعات و ساعات من التنظيف وإعادة التنظيف بدأ الأمر بسيطا عاديا فتطور شيئا فشيئا ليصبح هاجسا مستمرا ،هي تعرف أن تصرفاتها غير منطقية و غير معقولة لكنها مدفوعة لسلوكيات قهرية متكررة تستنزف طاقتها، حياتها أصبحت سلسلة من التصرفات المتكررة البليدة و قلق مزمن دائم تجاوز حدود المعقول، لم يكن في مقدورها البوح بما تعانيه حتى لأقرب الأقرباء خوفا من أن تنعت بالجنون و تكون محط سخرية و ازدراء، إلى أن هداها تفكيرها أن تعرض حالتها على مختص، لم تصدق مدى التأثير الإيجابي و التحسن الذي طرأ عليها فشيئا فشئا بدأت تستعيد عافيتها.
حالتين على سبيل المثال لا الحصر تلقيان الضوء على الاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان ومدى ثقل الوصم و التمييز الذي يصاحبهما ،ونحن بصدد تخليد اليوم العالمي للأمراض النفسية لابد أن نحيي مجهودات الأطقم الساهرة على التطبيب و الاستشفاء و المرافقة النفسية، دور لا يستهان به تقوم به فعاليات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لتنوير الرأي العام من أجل رفع الوصم والتمييز ومحو الصورة النمطية المغلوطة التي ترسخت عبر العقود في أذهان المجتمعات، مفاهيم خاطئة شاعت بين الناس حول المرض النفسي، نشر الوعي بأن المرض النفسي كغيره من الأمراض تشخيصه ضروري و علاجه ممكن و الأمل في شفائه كبير كفيل بأن يزرع بذور الثقة و يزيل الوصم و التمييز عن هاته الفئة من الناس.