كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة إطلاق دليل مسطرة تسليم المجرمين ودورة تكوينية حول موضوع :”تسليم المجرمين بين القانون الداخلي والاتفاقيات الدولية”
29 يوليوز 2021 بمراكش
بسم الله الرحمان الرحيم
حضرات السيدات والسادة
بكل اعتزاز وتقدير نيابة عن السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يسعدني مشاركتكم هذا اللقاء العلمي الرصين الذي تحتضنه هذه المدينة التاريخية مدينة مراكش الحمراء، ولا يفوتوني وأنـا أتشرف بالمساهمة في أشغال تقديـم الدليـل العملي لمسطرة تسليم المجرمين أن أستغل هذه المناسبة لأتوجه بالشكر الجزيل للسيدات و السادة قضاة وأطر إدارية برئاسة النيابة العامة على حسن اختيار الورشة التكوينية في موضوع إجراءات تسليم المجرمين بين القانون الداخلي و الاتفاقيات الدولية كحفل لإطلاق الدليل العلمي لمسطرة تسليم المجرمين يستفيد منها نخبة خيرة و ثلة متنورة من قضاة النيابة العامة بالمملكة .
واسمحوا لي أيضا أن أغتنم هذه المناسبة لأعبر عن شكر خاص للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة الأستاذ مولاي الحسن الداكي على كل ما أبان عنه كعادته من عمل وطني دؤوب وتكريس حقيقي لقيم التعاون والمقاربة التشاركية الناجعة التي نعتبرها الركن الأساس لتنزيل حقيقي لمشاريع الإصلاح وخدمة العدالة ببلادنا.
ونحن على مشارف يوم واحد عن تخليد الذكرى 22 لعيد العرش المجيد لا يمكننا إلا أن نستحضر نفائس صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطبه السامية بالمناسبة وهو يؤكد غير ما مرة على أن ما يريده المغاربة هو العيش الكريم والأمن والاستقرار على الدوام، وأن حرص المغرب على تنوع شركائه لا يوازيه إلا انخراطه القوي في مختلف القضايا والإشكاليات الدولية الراهنة وأن بلادنا بدبلوماسيتها ستظل وفية لثوابتها العريقة في التعامل مع العالم الخارجي على أساس الثقة في الذات واحترام الشرعية الدولية والالتزام بكل ما يعزز السلم والأمن الدوليين ومناصرة القضايا العادلة، وتقوية علاقات التعاون الدولي في كل مجالاته وهي المعاني التي تشحذ عزائمنا دوماً لتكثيف المبادرات من هذا النوع.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
إن الحضور اليوم لمشاركتكم هذا الحفل ،لنعتبره رسالة ثقة واعتزاز بالجهود الكبرى التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة باعتبارها مكون من مكونات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المستقلة، وعربون فخر و اعتراف من المجلس على ما يبدله أطرها من جهد لا ينضب معينه في توفير المعلومة القانونية و القضائية من خلال إعداد جملة من الدلائل العملية التي تتوخى توضيح المفاهيم القانونية وتقريب المساطر القضائية الدقيقة من الممارسين، و لابد هنا من الإشادة مرة أخرى بالعمل الجيد والدؤوب لقضاة و خبراء ومسؤولي و أطر رئاسة النيابة العامة الذين سهروا على إعداد هذه الدلائل ما من شك سيساهم مضمونها العلمي في توحيد العمل القضائي ونذكر منها:
- الدليل العملي حول إعمال مقتضيات القانون رقم 12-19 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين؛
- الدليل العملي حول مناهضة التعذيب وإعمال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛
- دليل العملي حول الحق في الحصول على المعلومة؛
- دليل القاضي في العمليات الانتخابية.
- ثم آخر العنقود الدليل العملي لمسطرة تسليم المجرمين الذي نتشرف اليوم مشاركتكم تقديمه، والذي لا شك سوف يكون مرشدا لقضاة النيابة العامة وكذا قضاة التحقيق وقضاة الحكم بمناسبة معالجتهم لطلبات التسليم سواء منها الصادرة أو الواردة عليهم باعتبارهم يتحملون مسؤولية الحيلولة دون إفلات المجرمين من المتابعة والعقاب.
إن التعاون القضائي الذي هو طريقة للتفكير والعمل كمجموعة عبر تكاتف العمليات الإجرائية الوطنية و الدولية للحيلولة دون فرار الجناة من العقاب ، ما هو إلا وجه من أوجه العلاقات الدولية وشكل من أشكال الدبلوماسية القضائية ، وقد انخرط المغرب في المجهودات العالمية عبر المساهمة الفعالة في العديد من شبكات التعاون القضائي الدولي وخلق مؤسسة قاضي الاتصال باعتبارها آلية تساهم في تنسيق المجهودات بين السلطات القضائية الوطنية و الأجنبية ،علاوة على المصادقة على العديد من الاتفاقيات الإقليمية العربية والإفريقية أو الدولية المتعددة الأطراف ( كمحاربة الجريمة المنظمة – و محاربة الفساد – و محاربة الإرهاب و الإتجار بالبشر ..) ذات الصلة بتعزيز ميكانزيمات العدالة الزجرية، كما أبرمت المملكة عددا من اتفاقيات التعاون القضائي الثنائي في المادة الجنائية من أجل تبادل المساعدة القضائية وترحيل السجناء وتنفيذ الإنابات القضائية.
واسمحوا لي أن اغتنم هذه المناسبة لأعبر عن شكر خاص للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة الأستاذ مولاي الحسن الداكي على كل ما أبان عنه كعادته من عمل وطني دؤوب وتكريس حقيقي لقيم التعاون والمقاربة التشاركية الناجعة التي نعتبرها الركن الأساس لتنزيل حقيقي لمشاريع الإصلاح وخدمة العدالة ببلادنا.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
يعـد موضـوع تسـليم المجرميـن مـن أبـرز أشــكال المســاعدة القانونيــة المتبادلــة فــي المســائل الجنائيــة لأنه يتعلــق بالأشخاص المطلــوب تســليمهم لتوجيــه الاتهام إليهــم أو لمحاكمتهــم أو لتنفيــذ العقوبــة عليهــم؛ لــذا حرصــت أغلــب الاتفاقيات الدوليـة علـى إلـزام الـدول بالمسـاعدة المتبادلـة فـي المسـائل الجنائيـة بوجـه عـام وتتضاعـف أهميـة موضـوع تسليم المجرمين فـي المسـتجدات التـي طـرأت علــى أســاليب ارتــكاب الجرائـم، ممــا جعــل منهــا ظاهــرة عابـرة للحــدود.
لقد شـهد المجتمـع الدولـي خلال السـنوات الماضيـة عـدد ًا متزايـدا مـن الاضطرابات السياسـية والتغيــرات الجغرافيــة، أدى بالــدول إلــى مواجهــة مجموعــة مــن التحديــات من أهــمها الجرائــم المنظمــة العابــرة للحــدود والتــي تعــد مــن ً أكبـر التحديـات إزعاجـا للـدول، وذلـك لمـا تتسـم بهـا مـن القـدرة علـى توسـع نطـاق أنشـطتها، الأمر الـذي يسـتوجب علـى الحكومـات أن تتصـدى لهـا حتى تضمـن اسـتقرارها السياسي والاقتصادي وسلامة شـعوبها وصلابة مجتمعاتهـا. واستشـعارا مـن الـدول بخطـورة الجرائـم العابـرة للحـدود والآثار المدمـرة لهـا، انعقـدت الإرادة الدوليـة والإقليمية علـى مواجهـة هــذه الظاهــرة لتلافــي مخاطرهــا وتداعياتهــا وعواقبهــا بكافــة الســبل، لذلــك زاد الاهتمام لــدى بلادنا بالنظر لدوره الرائد إقليميا و دوليا فــي تطويــر آليــات التعــاون الدولــي، عبر ابرام جملة من اتفاقيات التعاون القضائي الثنائي او المتعدد الأطراف في المادة الجنائية شملت العديد من الدول العربية و الأروبية و الأمريكية و الآسيوية و ما من شك أن عدد هذه الاتفاقيات سوف يتزايد مستقبلا، خاصة مـع تطـور التهديـد الإرهابي ، و تطور استخدام التكنولوجيا المتطورة في ارتكاب الجرائم ، والحقيقة اليوم أنه لا يمكـن لأي دولـة بمفردهـا أن تعالـج الجريمة العابرة للحدود، لذا بــات تقديــم المســاعدة الفوريـة بيـن الـدول ضـرورة ملحـة مـن أجـل التصـدي بفعاليـة لخطـر الجريمة والحد من قدرة الجناة على التنقل عبر الدول. وقـد أصبـح هـذا التعـاون ضروريـا.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
لقد حـرص معـدو هـذا الدليـل العمـلي التطبيقي على التطرق لجميع الإشكاليات العملية والقانونية التي تعترض القاضي الممارس عند توليه توجيه أو استقبال لطلبات تسليم المجرمين أو تقديم شكايات رسمية الى البلـدان المطلوبة، واسـتعرض الدليل باحترافية مختلـف الصعوبـات القضائية التطبيقية المسجلة على مستوى الممارسة و حاول إيجاد حلول لها مسترشدا بما استقر عليه العمل القضائي بهذا الشأن و كذا الممارسات الفضلى التي تفتق عنها الذكاء والحس القضائي لقضاتنا خاصة في الحالات التي لا يسعف النص القانوني الساري النفاذ على وضع حل لها، مما يجعل من هذا الدليل مرجعا عمليا متفردا لا نجد له نضيرا مقارنة بالمؤلفات القانونية الأكاديمية التي تناولت موضوع التسليم.
وفي الختــام لا يفوتنــي تجديــد شــكري الجزيــل لرئاسة النيابة وأطرها على المجهود المبذول في إعداد هذا الدليل العملي وجودة المنهجية المعالجة بها كل الإشكاليات التي يطرحها موضوع تسليم المجرمين.
ونأمل أن يساهم هذا العمل في إغناء المكتبة القانونية والقضائية الوطنية، وما من شك أنه سيكون دليلا جامعا مانعا تجد فيه كل أطياف السلك القانوني والقضائي من أساتذة جامعيين وطلبة وباحثين ومحامين وقضاة ضالتهم لما توفر فيه من قيم العمل الجاد، ولا نشك بــأنه سوف يقــع الســهر عـلـى تحيينـه كلما اقتضى الأمر ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته