بقلم: نجيب الأضادي
هناك حقيقة كبرى تأثث المناخ الإقليمي وهي تلك المتعلقة بكون النظام الشيعي يتوق للتغلغل في شمال إفريقيا ، فلا يتوانى هذا الأخير عن البحث عن أي بوصلة من شأنها تحديد اتجاه قد يقوده لهذا الهدف، وتأسيسا على هذه الفكرة سنتناول بالرصد والتحليل البصمات الكبرى والمتتالية التي تؤكد هذا الطرح.
بداية نشير إلى أنه وبتاريخ 6 يناير اعتقلت المخابرات المغربية مواطنا لبنانيا يبلغ من العمر 57 عاما عند دخوله البلاد؛ وبعد مسلسل من التحقيقات اتضح أنه يحمل عدة جوازات سفر وبطاقات هوية أوروبية، وقد دخل المغرب باسم “إبراهيم يوسف” الذي في الأصل هو اسم مستعار وليس له أي وجود ضمن سجل السكان اللبنانيين بنفس تاريخ البلاد، وهو الأمر الذي لا يقبل تفسيرا إلا في اتجاه واحد يلخصه السؤال المطروح حول ما هدف دخول هذا الشخص الذي ينتمي لحزب الله إلى المغرب؟
وقبل الخوض في الإجابة على هذا السؤال يجب لفت الانتباه نحو تفصيل مهم وهو أن حزب الله له تاريخ حافل بتزوير الوثائق على مدى السنوات الماضية، ونوثق لذلك بسنة 2014 حيث تم القبض على عميل منظمة الأمن الخارجي لحزب الله المسمى “محمد أمادار” في بيرو غلى خلفية الاشتباه في كونه يخطط لهجوم إرهابي وإلا لما قد يدخل البلاد بجواز سفر مزور من دولة سيراليون الواقعة في غرب إفريقيا.
وتأكيدا لنفس الطرح نسجل أيضا أنه في عام 2019 اعتقلت السلطات الأرجنتينية إيرانيين اثنين دخلا البلاد بجوازي سفر إسرائيلي مزور، وبعد بضعة أشهر قُبِض على إيرانيين اثنين آخرين بجوازي سفر مزيفين في الإكوادور، وهو ما يترجم ضلوع حزب الله في كل ما يضم مفهوم التزوير.
وبالعودة للتفاعل مع السؤال المطروح حول هدف دخول عنصر من حزب الله التابع لإيران للمغرب بوثائق مزورة، فلا تستوي الإجابة عن هذا السؤال في معزل عن التطرق إلى بعض الحوادث التي منحت المغرب تلك الخلفية التي تعكس التوجس الدائم من الخطط الإيرانية التي تهدف إلى زعزعة استقرار المغرب.
وعطفا على ما سبق فإن من بين أبرز هذه الحوادث نستحضر محاولة إيران نشر المذهب الشيعي في المغرب العربي وهي الخطة التي نجحت في الجزائر، لكنها منيت بالهزيمة في المغرب الذي كان سدا منيعا لتحقيق مبتغاها، ذلك أن ارتباط المغاربة بالمذهب السني المالكي كان بمثابة المناعة التي قامت بحماية الجسم الديني المغربي.
علاوة على ذلك شكلت حادثة محاولة السلطات الإيرانية في سنة 2017 إرشاء المسؤولين المغاربة لغض الطرف عن عبور المدعو “قاسم تاج الدين” أثناء عبوره من المغرب إلى إيران دون تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي رفضته السلطات المغربية وكان رد الفعل هذا سببا في غضب السلطات الإيرانية واعتبار هذا التصرف غدرا من طرف المغرب.
في ذات السياق فقد مثل قطع المغرب لعلاقاته مع إيران في سنة 2018؛ إحدى أبرز هذه الحوادث التي تحدثنا عنها ، إذ أن المغرب اتخذ قرارات تهم إغلاق سفارته في طهران وطرده لسفير الإيراني في الرباط، مباشر بعد اكتشاف المخابرات المغربية تورط إيران وحليفتها اللبنانية جماعة حزب الله الشيعية في دعم الجبهة الانفصالية “البوليساريو” وذلك بتدريب وتسليح مقاتليها عن طريق السفارة الإيرانية في الجزائر، هذا التصرف الذي يصب ضد مصلحة الأمن الوطني المغربي ويشكل تهديدا واضحا لاستقراره.
ولم تتوقف المحاولات الإيرانية عند هذا الحد، ذلك أن المخابرات المغربية كشف تحركات مسؤولين كبار ممثلين عن حزب الله باتجاه تندوف سنة 2016، على من أجل الالتقاء بمسؤولين عسكريين، كما رصد الجهاز الأمني المغربي إرسال نفس الجهة لشحنة سلاح من نوع صواريخ أرض جو من طراز “سام “9 و”سام 11”.
كل هذه المعطيات يتمخض عنها استنتاج واحد يفيد بأن السيناريو الذي صاغته المخابرات المغربية حول الهدف من دخول هذا العنصر من حزب الله إلى المغرب في محله خصوصا أنه تزامن مع إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية وكذلك الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
بهذا يمكن الجزم بأن هدف إيران المحوري اتجاه المغرب هو زعزعة السلم الذي تعرفه المملكة ، عبر الاعتماد على تشكيل عصابات تابعة لإيران لتقوم بهجمات إرهابية على المواقع الاستراتيجية بالمغرب .
من زاوية ثانية فهذا التحرك يعيد للواجهة نفس المشاهد التي حدثت في العراق والسعودية ولبنان وسوريا ومناطق أخرى من العالم العربي، غير أنه في هذه المرة خلقت المخابرات المغربية الاستثناء، فكانت في أتم الاستعداد وعلى مستوى عال من الانتباه للخطط الإيرانية وأهدافها التدميرية بالمملكة الشريفة، كما أن الصلة المحتملة بين “حزب الله” و”البوليساريو” مثيرة للقلق ليس فقط لأنها تعكس استراتيجية إيرانية مشتركة لكسب النفوذ من خلال تعزيز الوكلاء ضد خصومها ولكن لأنها يمكن أن تكون حاضنة للأنشطة الغير المشروعة ذات المنفعة المادية المتبادلة التي من شأنها أن تزيد من عدم الاستقرار.
وأخيرا نشير إلى أنه مع كامل الأسف رغم خطورة هذا النظام على أمن واستقرار العالم والتي تترجمه بشكل جلي المعطيات المطروحة، فإننا نجد الأوروبيين والأمريكيين يضيقون من أفق التفكير في هذا الخطر الناتج عن النظام الإيراني وذلك عبر حصره في التسلح النووي فقط، وهو الخطأ الفادح الذي يستدعي من أوروبا وأمريكا التركيز على دعم المغرب بصفة كبيرة جدا، إذ يمثل الحاجز الوحيد أمام إيران للوصول إلى أهدافها في إفريقيا الغربية كيفما وصلت لبعض طموحاتها في إفريقيا الشرقية.