عن ويكيلكس الصحراء.. بتصرف
سربت صحيفة “لاراثون” المقربة من الأجهزة السرية لإسبانيا، وثيقة تثبت أن المرتزق “إبراهيم غالي” لا يملك اسمين فقط. فعلاوة على أنه دخل إسبانيا بجواز مزور و بهوية “محمد بن بطوش”، و ما تلا الأمر من فضائح و أزمات، فقد كشفت الصحيفة الإسبانية أن له اسما ثالثا و هو الأقدم بينهم و يعود إلى الهوية التي كانت لمجرم الحرب خلال فترة احتلال إسبانيا للصحراء المغربية، و المدون في سجلات الشرطة هو: “غالي مصطفى سيدي مو ولد سيدي الشيخ”…، و أنه كان يشتغل عام 1960 كمرشد للأجهزة الأمنية الإسبانية تحت رقم 8360 ببطاقة هوية عدد B-7248055 :
بعد انتشار صورة الوثيقة التي أخرجت من الأرشيف الغابر للأجهزة السرية الإسبانية، يطرح التساؤل عن أسباب تسريبها و الجهة المسؤولة عن ذلك و الغاية التي يراد أن يخدمها هذا التسريب. وبما أن التاريخ أنياب وأظافر، فهذا مثال آخر من ماض غير بعيد و يشبه جدا هذه النازلة. يتعلق بالرئيس الجزائري المستقيل “عبد العزيز بوتفليقة” الذي حين قررت فرنسا إسقاطه و دعم الحراك، عمدت إلى تسريب وثيقة تؤكد أن الرجل هو من حرض على الانقلاب ضد “بن بلة” وكان وراء اغتيال الشهيد “كريم بلقاسم”، و كيف حول وزارة الخارجية إلى مزرعة عائلية و نهب ميزانيتها لسنوات، و كيف مارس التخابر لصالح الأجهزة الفرنسية عندما كان الذراع الأيمن لـ “بومدين”، و بعد تسريب وثيقة زعيم المرتزقة، يمكن الجزم بأنه يجري الإعداد لإخراجه من اللعبة لأنه عاد ورقة محروقة خاسرة.. وقد تتم تصفيته.
ووصول تلك الوثيقة إلى جريدة “لاراثون” يؤكد أمرا واحدا، أنها وثيقة حقيقية و مسربة لضرب الحكومة الإسبانية و الضغط عليها لتسوية الأزمة مع الرباط في أسرع وقت. و الصحيفة مقربة جدا من الدولة العميقة في إسبانيا، و يمرر عبرها تيار “فرانكو” و أحزاب المعارضة القوية ما يريده من حكومة رئيس الحكومة “سانشيز” و من سبقها، ليبقى السؤال منقسم إلى فرعين؛ الأول هل حصلت الجزائر فعلا على ضمانات من الدولة العميقة في إسبانيا و ليس خارجية أو داخلية حكومة “سانشيز” قبل توريط “إبراهيم غالي” في رحلة علاجية مسمومة ؟ ثم هل ثمة علاقة بين التسريب و اغتيال “محمد لبصير” ؟.
يكتشف الصحراويون المغرر بهم أن الرجل الذي يحكمهم كان مجرد عميل تابع لجهاز استخبارات أمني إسباني، و أن هذه الحقيقة يصعب العبث بها أو مناورتها. فإبراهيم “الرخيص” كان يحمل جينات النفاق؛ فبالليل يتسلل و يمد الأسبان بمعلومات، و في النهار يختبئ مع الصحراويين و هم يخططون لطعن الاحتلال…، أي أنه كان يأكل مع الذئب و يبكي مع النعاج.
خطورة التسريب تحيلنا مباشرة على فهم السبب الذي جعل إسبانيا ترفض كل طلبات أسرة “محمد ابراهيم بصيري” من أجل البحث في أرشيف الدولة الإسبانية عن أسرار ما جرى لقائد انتفاضة “الزملة”، قبل تاريخ 17 يونيو 1970، لأن الوثيقة هي مجرد قطرة في بحر الفضائح العظيم للبيت الأصفر، و الدخول إلى دهاليز الأرشيف الإسباني قد يكشف لنا أسرار اغتيال “الوالي مصطفى السيد”، و قد يجرنا لقراءة لوائح طويلة لعملاء إسبانيا و الجزائر، الذين يرغدون بالرفاهية، و نحن اليوم نفهم جيدا لماذا إسبانيا لا ترفض طلبات الصحراويين في المخيمات، و لماذا تحتضن أبناء قيادات المرتزقة دون شرط أو قيد، و سبب صبر إسبانيا في بداية الأزمة على ضغوط الرباط، و لماذا تتحمل إسبانيا كل الانتقادات و هي تدعم الإنفصالية “أمينتو حيدر” و لماذا منحت أبناءها الجنسية؟
ما انفردت بنشره صحيفة “لاراثون” يؤكد لنا أن الدولة العميقة في إسبانيا و التي لا تزال تحتفظ بالفكر و بأسلوب الحكم الذي وضعه الجنرال “فرانكو”، قررت التخلي عن ابراهيم الرخيص، و قررت خفض جناحها أمام المغرب، الذي يبدو أنه أجاد لعبة الترويض و الإخضاع للثور الإسباني الذي احتمى بأوروبا و لم يحصل على الدعم الذي كان يرجوه، فيما الرباط ضمنت حياد “الناتو” و هذا كل ما كانت تحتاجه، فيما أيقن القادة الإسبان بأن الرباط مستعدة لكل الاحتمالات، و أن الرباط متأكدة من تفوقها الإستراتيجي.