بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد وزير العدل
السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان
السيد الوالي المدير العام للشؤون الداخلية
السيد منسق مؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء
السيد عامل إقليم الخميسات
السيد العامل مدير الحريات والمجتمع المدني
السيدمدير الأمن العمومي بالمديرية العامة للأمن الوطني
السيد رئيس المجلس الجماعي لتيفلت
الحضور الكريم
إنه لمن دواعي السرور أن يتجدد اللقاء بكم في هذه المناسبة السنوية المتميزة والمنظمة تخليدا للذكرى الثالثة عشرة لتأسيس المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.
تأتي هذه المناسبة في سياق استثنائي تطبعه الجهود الوطنية المستمرة لمواجهة جائحة كوفيد-19. وهي الجهود التي انخرطت فيها المندوبية العامة بكل فعالية ومهنية لتحصين المؤسسات السجنية ضد هذا الوباء، بالموازاة مع عملها المتواصل للرقي بالمنظومة السجنية وتحديث تدبيرها، بما يتيح تحسين أوضاع المؤسسات السجنية ونزلائها والعاملين بها.
وإذا كانت هذه الذكرى تشكل موعدا سنويا للاحتفاء بموظفي قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، تبعا لما تم الإعلان عنه بمناسبة الذكرى العاشرة، فهي في الآن ذاته فرصة سانحة لإبراز التطورات الحاصلة وتسليط الضوء على المنجزات التي ما كانت لتتحقق لولا التضحيات الجسام لهذه الفئة من موظفي الدولة والتزامهم العميق تجاه هذا القطاع. كما تشكل مناسبة لاستشراف الأوراش المستقبلية والمشاريع الرامية إلى تكريس المزيد من الاحترافية في تدبير المؤسسات السجنية، وتعزيز حقوق نزلائها وصون كرامتهم، بما يمكن من توفير الظروف الملائمة لتحقيق إدماج فعلي وتأهيل حقيقي لهم وفقا للتوجيهات الملكية السامية إبان تأسيس المندوبية العامة.
وتعكس هذه التوجيهات العناية الموصولة التي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده يوليها للشأن السجني والسجناء منذ اعتلاء عرش أسلافه المنعمين، والتي تترجم عطفه المولوي على هذه الفئة من المواطنين أثناء الاعتقال وبعد الإفراج.
وتمتد هذه العناية المولوية السامية لتشمل موظفي قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، ولعل برقية التعزية والمواساة التي بعث بها جلالته نصره الله وأيده إلى أفراد أسرة المرحوم الحبيب الهراس، الذي ذهب ضحية اعتداء إجرامي شنيع بالسجن المحلي تيفلت 2، لتجسد جانبا بارزا من جوانب الرعاية الملكية التي يحيط بها جلالته موظفي القطاعات الأمنية، بمن فيهم موظفي السجون، إذ قال جلالته حفظه الله في جزء من هذه البرقية : “كما نستشعر، بكل تقدير، التضحيات الجسيمة التي يقدمها موظفو وأفراد مختلف المصالح والقوات الأمنية، من أجل النهوض بواجبهم المهني والوطني والإنساني، في حفظ أمن وسلامة الوطن والمواطنين”.
حضرات السيدات والسادة،
من المؤكد أن الالتزام الدائم للمندوبية العامة بتنفيذ التوجيهات الملكية السامية جعلها تسعى بكل ما أوتيت من وسائل وجهد لإرساء نمط تدبير عصري وبناء صورة جديدة للمؤسسات السجنية، من خلال افتتاح عدة أوراش هيكلية بأبعاد متعددة تجعل من مفهوم الأنسنة حقيقة وليس مجرد شعار، كما تبرز الدور الإصلاحي والتربوي لهذه المؤسسات عن طريق جعلها فضاءات آمنة وملائمة لتفعيل البرامج الإصلاحية والتأهيلية.
وقد افتتحت أولى هذه الأوراش بإعادة هيكلة الإدارة على المستويات المركزية والجهوية والمحلية من أجل تمكين المندوبية العامة من أداء المهام المحورية والاختصاصات التي أنيطت بها بالشكل الأمثل.
كما حرصت المندوبية العامة على وضع خطط استراتيجية بمعالم واضحة وأهداف محددة ومؤشرات دقيقة لقياس وتتبع الأداء مع تحديد دقيق للمسؤوليات تكريسا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وقد أتاح هذا النهج تحقيق مكتسبات عدة شملت مجالات تحسين ظروف الاعتقال من حيث الإيواء والنظافة والتغذية، والرعاية الصحية، والأمن والسلامة. وذلك بالموازاة مع التطورات الإيجابية المحققة في مجال التـأهيل لإعادة الإدماج، لاسيما في ما يخص استفادة السجناء من برامج محو الأمية والتعليم والتكوين والبرامج التأهيلية الحديثة والمبتكرة، التي أطلقتها المندوبية العامة سعيا منها إلى الاستجابة لحاجيات مختلف فئات السجناء وتطويرمؤهلاتهم الفكرية والإبداعية وإبرازها للعموم بما يساهم في تغيير الصورة النمطية السائدة بشأنهم والتي تعيق إلى حد كبير اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
ولم تقتصر التوجهات الإصلاحية على مجالات الإيواء والتأهيل والأمن، وإنما شملت أيضا الجوانب المرتبطة بالتدبير والحكامة. وتشكل المكاسب التي تم تحقيقها في مجالات التدبير الاستراتيجي والتنظيم الجهوي ورقمنة الإدارة والتواصل والانفتاح والتعاون والشراكة أبرز ثمار هذه الرؤية الاستراتيجية.
حضرات السيدات والسادة،
باعتبار الرأسمال البشري عاملا حاسما في تحقيق وتنزيل مختلف المشاريع والبرامج الإصلاحية، حرصت المندوبية العامة على إيلائه أهمية بالغة من خلال تبنيها لمقاربة حديثة تروم توفير موارد بشرية كافية ومؤهلة، وتدبير شؤونها على النحو الذي تتحقق معه الفعالية في الأداء ومردودية أفضل تنعكس إيجابا على ظروف اعتقال السجناء.
ويجدر التذكير في هذا السياق بأبرز ما تم تنزيله من إجراءات لتحقيق هذه الرؤية. لقد عمدت المندوبية العامة إلى تعزيز مواردها البشرية كما وكيفا، والرفع من كفاءاتها عن طريق دعم التكوين الأساسي وضمان ولوج أوسع للتكوين المستمر والمتخصص، فضلا عن تسجيل انفتاح غير مسبوق على الجامعات الوطنية وعقد شراكات معها تخص تكوين الموظفين. كما قامت خلال سنة 2016 بإصدار نظام أساسي جديد خاص بموظفي المندوبية العامة يتضمن تعديلات ومستجدات هامة تنضاف إلى مكاسب النظام الأساسي الذي تم إصداره سنة 2009، وذلك في أفق إقرار مشروع نظام أساسي جديد يتضمن تعويضات تراعي طبيعة المهام الموكولة إليهم وحجم المخاطر التي يتعرضون لها على غرار ما هو مخول لموظفي القطاعات الأمنية الأخرى، وهو المطلب الذي سنواصل المطالبة به إلى حين تحقيقه.
وفي انتظار تحقيق ذلك، تواصل المندوبية العامة تفعيل الإمكانيات المتاحة لديها وتبني مبادرات تحفز موظفيها على تحسين مردوديتهم وتقوية اعتزازهم بالانتماء لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج. ومن أهم هذه المبادرات: إرساء الحماية القانونية للموظفين من خلال التعاقد مع محامين على صعيد كل جهة للترافع عنهم في القضايا ذات الصلة بأداء مهامهم، وإحداث خلية مركزية للمواكبة والدعم النفسي لفائدة الموظفين، وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لجمعية التكافل الاجتماعي قصد الرفع من جودة خدماتها وأنشطتها، وتوفير وسائل النقل لفائدة العاملين في بعض المؤسسات السجنية الواقعة خارج المجال الحضري، وبرمجة مشاريع للسكن الوظيفي على مقربة من بعض المؤسسات السجنية، فضلا عن اعتماد زي رسمي جديد للموظفين يراعي طبيعة عملهم من حيث المهام ومجال التدخل والرتب، وتوسيع قاعدة المستفيدين من المقتضيات المنصوص عليها في النظام الأساسي الخاص بموظفي المندوبية العامة بشأن منح أقدمية اعتبارية تبلغ مدتها 18 شهرا، ليشمل هذا الإجراء ما يقارب 90% من مجموع الموظفين.
حضرات السيدات والسادة،
إن المندوبية العامة مهما بذلت من جهود لتحسين الوضعية الاجتماعية والمادية لموظفيها، فإن هذه الجهود تظل غير كافية أمام مهامهم الصعبة والمخاطر المحدقة بعملهم اليومي. وقد جاءت الظرفية الاستثنائية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا المستجد لتؤكد دورهم المحوري في ضمان سلامة وأمن الساكنة السجنية وتبرز انخراطهم الفعال في مواجهة هذه الجائحة على غرار باقي القطاعات المعنية بشكل مباشر بتدبير هذه الظرفية. وهذا في الواقع يرسخ قناعتهم جميعا بضرورة الاستجابة الفورية لنداء الواجب الوطني رغم اشتغالهم في مجال مغلق وفي ظروف عمل استثنائية.
كما يؤكد ذلك أهمية ومركزية دورهم في تكريس البعد الإصلاحي والتأهيلي للمؤسسة السجنية، وذلك من خلال تدبيرهم اليومي لشؤون نزلائها موازاة مع فرض الأمن والانضباط والمساهمة بكل فعالية في الحفاظ على الأمن العام بالتكامل مع مختلف مكونات المنظومة الأمنية ببلادنا.
وبهذه المناسبة، وفي ظل ما لمسناه من تعبئة شاملة وحس عال بالمسؤولية في صفوف نساء ورجال هذا القطاع، فإننا نشد على أيديهم، ونوجه لهم أصدق عبارات الشكر والتنويه، مثمنين عاليا حجم التضحيات الجليلة التي قدموها ومرابطتهم داخل السجون خلال فترة الحجر الصحي بعيدا عن أسرهم. كما نقف اليوم وقفة إجلال وإكرام لشهداء الواجب الوطني ونحن نستحضر الحادث الأليم الذي شهده السجن المحلي تيفلت 2 بتاريخ 27 أكتوبر 2020 والذي راح ضحيته شهيد الواجب الموظف الحبيب الهراس.
وبمناسبة الاحتفاء بهذه الذكرى، تؤكد المندوبية العامة أنها ستقف دائما إلى جانب موظفيها في مثل هذه الظروف الاستثنائية، وأنها لن تدخر جهدا في التصدي لمثل هذه الاعتداءات وتوفير الحماية اللازمة وكل أشكال الدعم والمؤازرة لهم. كما تدعو كافة الموظفين إلى مواصلة العمل بتفان وإخلاص كما هو معهود فيهم دائما، ومواصلة أداء مهامهم التأهيلية والأمنية في التزام تام بمبادئ حقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
إن المندوبية العامة عازمة على بذل المزيد من الجهود لمواصلة مسارها الإصلاحي، وذلك في إطار رؤية شمولية تحدد معالم مستقبل أفضل لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، تندمج فيها إسهامات جميع الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين المعنيين بالشأن السجني، وبالأخص تأهيل السجناء لإعادة الإدماج. تهدف هذه الرؤية إلى الحد من الارتفاع المستمر في عدد السجناء من خلال بذل المزيد من الجهود على مستوى مكافحة الجريمة وترشيد الاعتقال الاحتياطي وتسريع وتيرة البت في الملفات وإعمال العقوبات البديلة.
كما يكتسي إدراج البعد المجالي في تدبير الشأن السجني أهمية بالغة في تنزيل هذه الرؤية، باعتبار السجن مرفقا عموميا من ضمن مرافق عمومية أخرى تندمج في مجال ترابي محدد، الشيء الذي يقتضي إدماجه في مخططات التنمية سواء على الصعيد الجهوي أو الإقليمي أو المحلي.
وتشمل هذا الرؤية أيضا خلق مصادر تمويل إضافية خارج ميزانية الدولة من أجل تعزيز ميزانية التسيير والاستثمار الخاصة بقطاع السجون، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية. ويمكن أن يكتسي هذا التمويل صيغا متعددة تتمثل أساسا في تفعيل آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ المشاريع الاستثمارية وجعل السجن مؤسسة منتجة من خلال تشغيل السجناء في وحدات إنتاجية يتم إحداثها بالسجون من طرف شركات القطاع الخاص، وذلك في احترام تام لكرامة السجناء المشغلين وحقوقهم الاجتماعية ووفقا للمقتضيات الجاري بها العمل.
إلى جانب ذلك، يشكل تعزيز الموارد البشرية من حيث العدد والكفاءة، وتحسين وضعيتها المادية ضرورة ملحة لمواكبة مختلف التوجهات الإصلاحية.
وختاما نجدد شكرنا على حضوركم هذا الحفل ونؤكد أن المندوبية العامة ستواصل الانفتاح والتواصل والتعاون مع كل الفاعلين المؤسساتيين والجمعويين ومع كل القوى الحية ببلادنا، وذلك وعيا منها بضرورة رفع التحديات الأمنية والاجتماعية والحقوقية لبلادنا، وتلتزم وتتجند بمعية أطرها وموظفيها لخدمة هذا الوطن تحت شعارهم الخالد “الله- الوطن -الملك”.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجه بأصدق عبارات الشكر والامتنان إلى السادة المسؤولين وباقي الحضور الكريم الذين أبوا إلا أن يشاركونا الاحتفال بهذه الذكرى لتأسيس المندوبية العامة.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير لبلادنا، وأبقى الله مولانا ذخرا وملاذا لهذه الأمة، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وحفظ ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.