مقال لصحافي جزائري في صحيفة جزائرية يبين الواقع والحقيقة المخفية ..
المغرب ضمّ الكركرات في لحظات صنفته الفيفا بأسرع هدف عسكري في تاريخ جيوش العالم وسقوط أسطورة الأراضي المحررة لا نزال نحاول وضع القراءات بالمزيد من الكياسة و التأني في استخلاص الأحكام، ولا نزال نمارس ضبط النفس الصحفي حتى لا نتورط في حرب إعلامية ظالمة بسبب التداخل الهائل للحقائق مع المغالطات التي كشفت صنعت إشاعات أزمة الكركرات…، ذلك أن قيادتنا لم تفلح حتى الآن في مغادرة المربع الضيق للتوتر الفوضى، ولا تزال تجتر وتلوك إعلاميا لغة الحرب وهي تكرر على مسامعنا مرارة ما فعله المغرب يوم الجمعة الاسود، الذي حطم كل التهديدات دون أن يطلق رصاصة واحدة، وضمّ منطقة الكركرات في ظرف لحظات معدودات، هذا الحدث صنفته الفيفا أسرع هدف عسكري في تاريخ جيوش العالم. وفي الوقت الذي أحرقت فيه الجزائر مواطنين صحراويين وفرقت الرصاص الحي على الباقين وهي فقط تحاول نهيهم عن نبش الأرض وعدم البحث عن عروق الذهب…، أظهر جيش المغربي نوعا من النضج القتالي الذي حصل عليه من مشاركات فيالقه في التدخلات الدولية للجيوش الأممية بمناطق النزاعات، لكن رغم التوغل الآمن لقوات إلا أن المواطنين الصحراويين إلى جانب المقاتلين من جيشنا الباسل فروا لتجنب أي سيناريو محتمل، وتناسلت بعدها بيانات البيت الأصفر، منها المستنكرة ومنها المنددة و المحبطة…، ومنها التي أعلن فيها فك الارتباط بوقف إطلاق النار…، والوضع الآن على الأرض يقول أن القيادة الصحراوية تسيطر على سهول الفايسبوك وهضاب الواتساب وجبال تويتر، فيما الرباط تمد قدميها بمنطقة الكركرات، وأن المعبر عاد للاشتغال من جديد وتتدفق عبره السلع، و من المرجح أن يقيم به المغرب مدينة عبور صغيرة، على شاكلة اخفنير، أما نحن فلدينا ما يكفي من الوقت لنحصي خسائرنا الكبيرة جدا. سقوط الكركرات لم يكن حدثا تقليديا يشبه تلك الهزائم التي منينا بها دبلوماسيا بالأمم المتحدة، لأن المغرب سيخلده كعيد وطني عما قريب، ولأنه غير الوقائع على الأرض بعد أن تغيرت دبلوماسيا وإقتصاديا فيما قبل، بدأ من فتح القنصليات وتوطين الشركات والمؤسسات وصولا إلى الرؤى الإستراتيجية العامة للمحتل بالمنطقة ككل…، هذا السقوط سيزعزع لا محالة عقيدة الكثير من بسطاء التفكير بالقضية الصحراوية، واغتال القناعات الثلاث الأسطورية التي حقنتنا بها القيادة منذ وعينا الأول على حروبها الدبلوماسية والإعلامية في كر و فر لغوي يتحمل كل القراءات، قبل أن يجزم المغرب ويقطع دابر الشك ميدانيا، ونكتشف أن تلك الحقائق الأسطورية، هي محض معتقدات ودجل ثوري قدمتها لنا قيادتنا كعقار مهدئ حتى نتجاوز محن الهزائم. سقوط أسطورة الأراضي المحررة : إلى حدود الجمعة 13 نوفمبر 2020، كان المدونون الصحراويون وفي مقدمتهم صحراويي الشتات يدعون إلى إعمار المناطق المحررة، وكانت القيادة تجيب هذه النداءات التي ترفع على الفايسبوك وقلنا فيما سبق أن القيادة لا يمكنها أن تعمر الأراضي المحررة، لأنها في وجهة نظر المنتظم الدولي هي أراضي عازلة منزوعة السلاح، وهي مسافة أمان إستراتيجية خلال المعارك وخط دفاع يبقي عليه لأنه يعتبر الحرب واردة كخيار في أي لحظة، وأثبت المغرب استعداه لها من خلال الطريقة التي دبر بها الخروج للسيطرة على الكركرات، و الانتشار المدروس لعناصره، في المقابل هجمات جيشنا على الجدار لا نرى لها من نتائج سوى تلك البيانت العسكرية التي تعتمد لغة فضفاضة. سقوط مقولة العزلة الدولية للمغرب : سجلنا كصحافة تمارس التحليل وتضع القراءات الصحيحة للظرفية، بضع ملاحظات كان من ضمنها كيف إختفت عبارة “عزلة المغرب من القاموس الدبلوماسي لقيادتنا، ومع افتتاح أول قنصلية بمدينة العيون لا نزال نتذكر جميعا تلك الحوارات التي كان يجريها دبلوماسيونا أمام عدسات التصوير، وكيف كانوا ينثرون الألوان الوردية على القضية الصحراوية ويصورون لنا المغرب وهو منزوي في آخر الرواق، ويعيش في عزلة دولية خانقة، وتلك التصريحات لجيش الدبلوماسيين الصحراويين على موائد الحوار الدولية، بدءا من قنوات الجزائر الرسمية التي ساهمت في جعل الشعب الصحراوي يبتلع الطعم، وصولا إلى القنوات الأوروبية الناطقة باللغة العربية، والتي مجدت للفتوحات التي قام بها المغرب في الكركرات. كل تلك الصورة النمطية عن الحرب الدبلوماسية – النفسية، التي خاضتها قيادتنا ضد المغرب وانتصرت فيها، مستعينة بجيش من المحدثين والرواة والقصاصين والمغامرين والعشاق، من دوي الخيال الدبلوماسي الفسيح، مسحها المغرب في ربع ساعة من خروجه العسكري، وما بقي منها مجرد ذكرى مأساوية، حيث كشف لنا الحدث كيف أن دولا من غرب و شرق وشمال إفريقيا دعمته وصفقت لقراره، وشاهدنا دول مجلس التعاون الخليجي، كيف أنها لم تتردد في الوقوف معه، وكيف أن جنوب إفريقيا التي عودتنا على المواقف الكبيرة في دعم قضيتنا دعت إلى ضبط النفس والالتزام بالشرعية ولم نسمع أنها تدينه أو تدعم القيادة الصحراوية، ومصر الناصرية الثورية لم تنبس ببنت شفة لأن لها مواطنين ضمن بعثة المينورصو وفلسطين التي ربطنا قضيتها بقضيتنا سارعت لدعمه …، حتى دول أمريكا دعمت خطوته، بمن فيها أصدقاء الأمس فنزويلا وكوبا، وفي الأخير أظهرت المواقف الدولية الخلل الكبير الذي لطالما كتبنا عنه للدبلوماسية الصحراوية التي تجرها قاطرة جزائرية مهترئة، واكتشفنا أن كل العالم الذي يؤمن بقضيتنا تقلص ليصبح الجزائر فقط. وأصبح جميع قادة الدول يفكرون مثل “منصف المرزوقي” الرئيس السابق لدولة تونس، والذي صرح بأنه يفضل تقديم مصلحة 100 مليون مغاربي، على مصلحة 200 ألف صحراوي، وهو نفس رأي الدولة التونسية التي أوكلت لـ”المرزوقي” الإفراج عن موقفها بالنيابة لوسائل الإعلام، و دعم الرباط وتجنب القيام بذلك بشكل رسمي حتى لا تغضب الجزائر. نهاية فكرة الدعم الجزائري المطلق للشعب الصحراوي : لشرح هذه العلاقة ولكشف الخيوط في عصر “شنقريحة” و”تبون”، نحتاج العودة إلى المقال الذي نشرناه بتاريخ 18 شتنبر 2020، حين قلنا بأن عودة “لحبيب ولد البلال” وفرضه على “إبراهيم غالي” بعد طرده من القيادة خلال المؤتمر الأخير، ومنحه دائرة الأمن والتوثيق التي تعد مؤسسة مخابراتية صحراوية، كان بهدف التمهيد والتخطيط لهذه المغامرة التي اختير لها معبر الكركرات كمكان، وقلنا حينها أن “ولد البلال” جاء بناءا على أجندة محددة وأن الرجل مسخر لتنفيذ حماقة قد تجر المنطقة إلى آتون الحرب، وكذلك حدث، حيث نسق “ولد البلال” مع الجنرال “توفيق” المفرج عنه بالجزائر والجنرال “مجاهد” المستشار بقصر الرئاسة، للدفع بالمواطنين من أجل إغلاق معبر الكركرات كخطوة أولى، ومنها إلى توطين أكبر عدد ممكن من الصحراويين في مخيم على الشاطئ، وبعدها البدء في تأسيس النواة الأولى للدولة الصحراوية هناك، وإنشاء ميناء و ثكنة، ومؤسسات، وإنتهاءا بإعلان قيام الدولة الصحراوية وإجلاء اللاجئين من مخيمات تندوف إلى المخيمات الجديدة، و بالتالي إزاحة قضية الدولة الصحراوية عن صدر الدولة الجزائرية كي تتحقق المصالحة بين النظام الجزائري و الشعب الجزائري قبل إعلان الوفاة السريرية للرئيس “عبد المجيد تبون” وإقناع الجزائريين بتقبل الاسم الذي سيجري اختياره. لكن الجنرالين “توفيق” و”مجاهد” لم يتوقعا أن يتحرك المغرب بذلك الدهاء و بتلك السرعة، الدليل أن بيان الخارجية الجزائرية كان مرتبكا، ودعا إلى ضبط النفس بين الطرفين وكأن الجزائر تتبرأ مما فعله الصحراويون، وروج بعض قادتنا أن الترسانة الجزائرية ستتحرك إن تحرك الجيش المغربي، لكننا لم نرى أي تحرك عسكري جزائري، وكل ما نسمعه الى حدود الساعة هو هجمات فيسبوكية على مواقع التواصل الإجتماعي استخدمت فيها صورا من معارك أرمينيا والهند، وتم إختزال الدعم الجزائري في 60 طن من المساعدات، وإعادة نشر صور ومقاطع تمارين عسكرية قال عنها خبراء أنها كشفت عيبا في السلاح الجزائري الذي يتكون من نسخ E وليس D أي أنها أقل كفاءة من تلك التي يعتمدها الجيش الروسي، وهي نفس النسخ التي انهارت في معارك أرمينيا وأذريبيجان. ما حصل خلال الجمعة أكد بأن الجزائر حاليا لا يمكنها أن تخوض حربا ضد المغرب من أجل سواد عيون الشعب الصحراوي، وأن الوضع الاقتصادي بالجزائر في غاية التعقيد، وهذا ليس تحليلا بل واقعا، والدليل أن أزمة السيولة عادت إلى البريد الجزائري، و أن مصنع “رونو” أعلن رسميا الإغلاق و تسريح العمال، وأن وزير الصحة الجزائري قال بأن الجزائر أمامها تحدي إنشاء ثلاجات خاصة بتخزين حقن لقاح الوباء التاجي، و أن التحدي هذا مكلف جدا، مما يعني أن الجزائر التي أنفقت 8 مليارات دولار لبناء مسجد لا تجد حاليا أموالا للحصول على ثلاجات تخزين حقن اللقاح، في الوقت الذي بدأت فيها الرباط حملة التلقيح. مرحلة ما بعد الكركرات : بعد مرور حوالي اسبوعين على الأزمة، نحن اليوم أمام واقع جديد يؤكد أن المغرب حسم ميدانيا هذا الجدال، وحصل على الأرض بشكل قاطع و نهائي، وأصبحنا منعزلين في هذا العالم بعد أن غردنا كثيرا وأن تهورنا في الكركرات كلفنا خسائر أكبر مما توقعنا، والدول الكبرى مقتنعة بما فعله المغرب، والدليل أن قناة CNN الأمريكية استضافت سفير المغرب في الأمم المتحدة “عمر هلال” ومنحته الوقت الكامل ليشرح وجهة نظر الرباط ومنطقه الذي بدا أنه أقنع العالم، مما يفيد أن الرباط أصبحت الآمر الناهي في هذا الملف، وأنها تشير إلى أن أي مفاوضات مستقبلية ستكون مع الجزائر. حـسـام الـصـحـراء للجزائر تايمز