اعتمدت تونس والمغرب والجزائر عقار كلوروكين في العلاج من فيروس كورونا، في حين انشغلت مصر بفكرة أن لقاح السل يساهم في المناعة ضد الفيروس. ماذا تقول خبرات ألمانية وعالمية بهذا الشأن، وهل يمكن الحديث عن عقار معجزة؟
هل من الممكن أن يكون الكلوروكين أو علاج السل العلاج الفعال لكورونا أيضاً
وسط ارتفاع أرقام الإصابات عالمياً بفيروس كورونا المستجد واقترابها من رقم المليون، تنتظر عدة دول نتائج الاختبارات الخاصة بإيجاد العلاجات واللقاحات، لكن بعضها سارع للاعتماد رسمياً على بعض العقارات، كالمغرب الذي رخص رسمياً للمستشفيات بإدخال عقار “الكلوروكين” “والهيدروكسي كلوروكين” للاستخدام، بمبرّر أنهما أظهرا فعالية واضحة في معالجة المصابين بالفيروس، وبينهم وزير حالي.
كما أمرت وزارة الصحة في الجزائر المستشفيات باستعمال عقار “الهيدروكسي كلوروكين” على المصابين بكورونا. وكانت جارتها تونس من أوائل الدول الإفريقية التي بدأت في استخدام العقار في التجارب السريرية. وجاء التشجيع الأكبر من الولايات المتحدة التي رخصت رسمياً للمستشفيات بإعطاء وصفات تتضمن العقار للمصابين سواء منهم كبار السن أو الشباب.
اشتهر عقار الكلوروكين منذ عقود في علاج الملاريا، ويُعرف في دول أخرى تحت أسماء متعددة منها نيفاكين. وهو العقار الأم الذي يجمع “الهيدروكسي كلوروكين” المشتق منه ويستخدم لعلاج أمراض أخرى منها الروماتويد، لذلك تعتمد الكثير من الدراسات اسم الكلوروكين فقط لتلخيص العقارين. ويستمد الاثنان قوتهما من وجودهما المسبق في الكثير من الدول، وسهولة تصنيعهما في المختبرات المحلية، ما يجعل الدول قادرة على ربح معركة الوقت. لكن هل ينجحان فعلاً؟ وما حقيقة استخدام لقاح السل أو الدرن؟
تضارب في النتائج
اختبرت عدة مختبرات عبر العالم نجاعة الكلوروكين، منها ما خرج بنتائج مشجعة، ومنها ما يزال مترددا كثيراً في إصدار توصية باعتماد العقار للمعالجة. ومن أكبر دعاة استخدامه، ديدييي راوول، البروفيسور الفرنسي وخبير الأمراض المعدية في المستشفى الجامعي بمدينة مارسيليا، الذي قام بدراسة جديدة خلص من خلالها إلى أن 80 في المئة من المصابين الذين عولجوا بـ”الهيدروكسي كلوروكين” مع دواء أزيثرومايسين، أظهروا تطوراً إيجابياً، خاصة إن تم علاجهم في وقت مبكر.
ومع وجود أطباء فرنسيين آخر دعموا نظرية البروفيسور راوول، وطالبوا بضرورة اعتمادها على شكل واسع، هناك أطباء آخرين انتقدوا هذه الخلاصات، وقالوا إن طريقة إجراء الدراسات الأولية لم تكن علمية، وإن العينة المختارة للدراسة لم تظهر أعراضاً خطيرة، وبالتالي قد تشفى دون استخدام العقار، قبل أن تقطع فرنسا الشك باليقين وترّخص باستخدام العقار.
لكن الخطوة الفرنسية لم تدفع منظمة الصحة العالمية بتعديل موقفها من العقار، إذ تقول على موقعها إنها تتابع كل الدراسات الخاصة بعلاج المرض، لكن لا توجد حالياً بيانات كافية لتأكيد نجاعة الكلوروكين في علاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، أو منع الإصابة به. هذا التأكيد يتطابق مع ما قالته المنظمة الأوروبية للدواء من أن نجاعة مثل هذه العقارات لم تؤكد بعد في الدراسات العلمية، مشددة على ضرورة استخدام الكلوروكين فقط في الحالات أو في التجارب الإكلينيكية المرخصة.
لقاح السل؟
توالت تقارير في بلدان عربية، خاصة مصر، عن أن لقاح السل أو الدرن، يقوّي مناعة الجسم ضد فيروس كورونا المستجد، وهو خبر أثار أملاً كبيراً بأن البلدان العربية التي تعتمد برامج تطعيم الأطفال بلقاحات السل، قادرة على أن تخرج بأقل الخسائر من فيروس كورونا، وأن لا تصل الوفيات فيها إلى النسبة العالية المسجلة في بلدان غربية توقفت منذ عقود عن اعتماد التطعيم ضد السل في برامجها الصحية.
وجاءت هذه التقارير بناءً على بعض الدراسات، ومنها واحدة منشورة على موقع MedRxiv، نقلها أهم مضامينها موقع Fortune، جاء فيها أن الدول التي تعتمد التطعيم بلقاحات السل المتوفرة على مادة BCG لا توجد فيها حالات إصابات ووفيات كثيرة بكورونا. وأشرف على الدراسة غونزالو أوتازو، أستاذ بمعهد نيويورك للتكنولوجيا، مستشهداً باليابان التي سجلت رقماً منخفضاً رغم أنها لم تقم بإجراءات كبيرة ضد كورونا.
وقد شجعت هذه الأخبار 8 دول على الأقل لاختبار تجارب بلقاح السل على المسنين، لكن لحد الآن، لم ترد أيّ دراسة موّثقة علميًا حول التأثير الإيجابي للقاحات BCG، كما لم تؤكد أي دولة اعتمادها رسمياً هذه اللقاحات، أو حتى تبينها لفكرة أن تطعيم الأطفال بها يساهم في تقوية مناعتهم ضد الفيروس، فضلاً عن أن نسب الوفيات بدأت ترتفع في دول نامية تعتمد برامج التطعيم ضد السل.
ترّدد ألماني
تقول الرابطة الألمانية لشركات الأدوية القائمة على الأبحاث (VFA)، إنه من الناحية النظرية يمكن أن تساهم بعض اللقاحات في الحماية ضد كورونا، حتى وإن كانت منتجة في الأصل ضد فيروسات أخرى، كلقاح السل “الذي يقوّي الجهاز المناعي ضد الجراثيم، ويمكنه منع تأثر الناس بمرضي السارس وكورونا أو على الأقل منع تضررهم بشدة”. وتتابع الرابطة على موقعها أن اختبارات للقاح BCG ستجرى في مختبرات في هولندا، وأن هناك توقعاً باختبارات مماثلة في ألمانيا في بعض المستشفيات، لكن لم يتم المصادقة على هذه الاختبارات لأن دراسات لقاحات السل لا تزال مستمرة.
أما ما يخصّ الكلوروكين، فلم تصل ألمانيا بعد إلى أيّ خلاصة على المستوى الرسمي، لكن ذلك لم يمنع شركة باير للأدوية، إحدى أكبر شركات تصنيع الدواء عبر العالم، من إعلان عزمها توسيع إنتاج دواء “رويزوشين” الذي يحتوي الكلوروكين، والتبرع به مجانا للحكومات. وتسير الشركة السويسرية نوفارتيس على النهج ذاته، إذ أكدت استعدادها لإنتاج أدوية تتضمن الهيدروكسي كلوروكين بعد تجارب أولية على الحيوانات بيّنت أن العقار يقتل فيروس كورونا.
لكن كريستيان دروسدن، رئيس وحدة الفيروسات في مستشفى “برلين شاريتي”، يقول إنهم يعرفون منذ مدة أن الكلوروكين فعال في التجارب المخبرية ضد فيروسات تتشابه مع كورونا في تكوّن الخلايا كفيروس السارس. لكن العقبة أن المستشفيات لم تجرب هذا العقار على المصابين بالسارس إبّان ظهوره، إذ لم يتم اختباره إلّا بعد نهاية الوباء، كما أن المعروف علمياً أن ليس كل التجارب المخبرية تؤكد فعلاً النجاح في القضاء على الفيروس على أرض الواقع.
وكان ترامب قد أشاد كثيرا بالكلوروكين، واصفا إياه بهبة من الله، لكن بيتر كريمنسنر، مدير معهد توبينغن للطب الاستوائي في ألمانيا صرّح لصحيفة زود كورير، إن الدواء لا يصل حدّ كل هذه الإشادة رغم أن المعهد بدوره يجري دراسات واسعة على العقار لتأكيد حقيقة فعاليته. ويقول كريمنسنر، إن “الهيدروكسي كلوروكين” وإن حقق نتائج مخبرية جيدة، فلا يمكن الحكم بفعاليته ما دام لم يستخدم بعد على المرضى في الواقع، وتحديداً على مستوى الدم والرئتين.
وما يزيد من الترّدد، ما قاله متخصص في الأمراض المعدية من معهد باستور الفرنسي، مارك لولي، لفرانس برس، بأن الكلوروكين لم ينجح في وقف فيروس حمى الضنك (أعراضه شبيهة بالانفلونزا، يصاب به سنوياً نصف مليون إنسان) بل ساعدت الجزئيات الموجودة فيه على تنامي فيروس حمى الشيكونغونيا (فيروس آخر ينتقل للإنسان من عضات البعوض).
وعموما ليس الكلوروكين ولقاحات السل سوى جزءِ من طرق متعددة يحاول بها الخبراء مواجهة فيروس كورونا، ومن الخبراء من فكرّ بالتبرّع بالدماء لعلاج المصابين. كيف؟ تقول دراسة صينية نُشرت على موقع جاما، أجريت على خمسة مصابين بكورونا، حالتهم حرجة، إن نقل بلازما تحتوي على مضادات ساهم في تسحين حالة المرضى، في طريقة قديمة معروفة طبياً بـ”بلازما النقاهة”. وقد سبق لجامعات أمريكية أن خلصت في دراسة عام 2015، منشورة بموقع المكتبة الأمريكية للطب، أن هذه الطريقة يمكن استخدامها لمرضى وباء إيبولا وكذلك لمرضى كورونا الشرق الأوسط التي ظهر بقوة ذلك العام.
إسماعيل عزام