محسن الأكرمين.
على نغمات عيطة خربوشة، استدار إيثري بمهل وهو يحمل ابتسامة طيعة بالأمل، ثم خاطب تيللي: هل تثقين بي؟ أنت أجمل امرأة رأيتها في حياتي مثل بسق شجر أرز الجبل. لم تعلق تيللي قولا على غزل الصفوة الصادر من الحبيب، بل كانت لمسة مريحة على راحة يده معلنة أن يوم عيد الحب هو بداية لتاريخ ميلادها. في تحرك السيارة من المنحدر الغائر شدت على يده بحرارة. حينها أحس برقة السعادة العرضية تكتنف دواخله بالتوهج، أحس أنه محظوظ الحياة، وأن الكون الأخضر في تناغم مع فرحة حبهما بطريق جبال الأطلس. كانت حويدة الغياثية أثناءها تستهل قولها الغنائي “باسم الله باش بدينا، يا ودّي على النبي صليت… يا وليدي كثروا في صلاته … راه هو لي سيشفع في أمته …” وكانت عجلات السيارة تقطع المسافة بين منطقة أسول وقبائل آيت نوح باتجاه مدينة خنيفرة برفق السرعة .
كان إيثري يعيش بيئة موطن موحا أوحمو الزياني ونارية قراراته الوطنية… عند حافة الطريق المنحرف بالهاوية السحيقة، كان هنالك أطفال يتوددون السؤال، ومد الأيدي للوافدين بابتسامة بريئة مليحة. لحطتها نادت العيطة غناء، وإعلانا عن الحكرة الاجتماعية المعيشة “واشْ الْـبْكَـا يْبَــّرْد الـكْلُـوبْ ؟… واشْ الْـبْكا يْـبَـَّرْد شِي نَارْ؟… احْرَارَتْ الــًشــعْــبَــة بـالــُّدخـَـانْ… حـَـسْ الْـمُــخْ تـَايْــتْشَـَوطْ…”. حينها أحس إيثري أن الكلام يعنينا جميعا بالإفراد والجمع، وأن المشكلات باتت ” كَـْد الخَيْمَة والكرمة الكبيرة” وتستوجب الحلول الإجرائية.
اليوم يقول إيثري مع الأغنية “خرجوني عيوني نـشوف الوطن الشامخ … وبقيت بالسرعة الخفيفة غادي … واللي بغا اللامة يتعامى… فين أيامك يا … أكلمام أزكزا … الما ولا كيف الحفنة !!!. بين الجمالية وسوء التهميش، لم يداوم إيثري فقط السماع إلى الخطاب النضالي لحادة الزيدية، بل كان يمسح النظر في عيون تيللي وهي تتفحص جوانب حافة الطريق التي تحمل عفة الجمال وظلم الكرامة. كان إيثري يبحث على فهم التاريخ غير المدون بين السطور، كان حينا آخر يفكر في التاريخ المنسي. فيما كان غناء لكريدة يتابع بلطف العبارة وقوة الدلالة، ومع كان يا ما كان تقول خربوشة: “هزيت عيني ليك آربي… حطيت عيني وافرح قلب… باسم الله باش أبديت… آودي على النبي صليت… يا ودي كثرو في صلاتو… النبي شفيع اماتو… اذكر الله تصيب الله… عيطة المولى مقبولة…” حينها تمنت تيللي استمرار سير حب حياتها مع إيثري بتمهل الثقة في سلام المستقبل.
لم يقدر إيثري متابعة سماع ” صبر للومة وكلام الناس… كلام الناس خيط بلا ساس… ولا سماحة ليك آ الأيام…” حين استحضر ماضي الألم الضاغط على نفسيته، وبخفة بين جمال جوانب الطريق الصغيرة، ركن سيارته يمينا وضم تيللي بصدر العاشق وهو ينفض آهاته بوحا. كانت أغنية زروالة تزيد صدحا وكلما ناريا، كان التساؤل عن” واش عشاق الزين يموت ؟… وإلا اخيابت دابا تزيان… ودابا مول الحق يبان… اللي بغى اللامة يتعامى…”.
كان إثري في تحرك السيارة الثاني لا يقدر الدّوس على ضاغط السرعة، كانت المنعرجات إلى آيت نوح غائرة و تشد الناظر جمالا… كان يلتزم التفكير في مستندات الذكريات التي تجيء ” واش هاذ الأيام البدالة… شي اعطاتو شي كلعت ليه “.
في ترابط الشجر السامق علوا بات الظل مظلما على المكان، حينها قال إيثري مع موسيقى الأغنية:” هزيت عيني ليك آربي… حطيت عيني وافرح قلبي…وكاع اللي بغى الله بغيناه …” ابتسمت تيللي فرحة، وتابعت معه أغنية خربوشة ” حتى واحد فينا ما هاني… اللي تهرس هاالكرارس… واللي تحفى ها شربيلي… واللي تعرى ها سلهامي…آش درنا وآش عملنا ؟…آش من خاطر خسرنا؟”.
لم تتململ السيارة من المسافة قدما سريعا
حتى لامست مرور” قايد العود بالمجدول” قالت تيللي بصوت كورال الرد”
ولا حسدتوه ديرو كيفو
…
واللي بغاتو الأيام تديرو… هاز برادو في قبو… فين ما رشق ليه يكبو…”.حينها
كانت قراءة إيثري اللحظية لمسار نفسه المسافرة نحو حلم الحرية برؤية “يا لها
من حياة”.